فوضى سياسية في فرنسا بعد انتخابات أوروبا

11 يونيو 2024
من تظاهرة ضدّ اليمين المتطرف في تولوز، 10 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انتخابات البرلمان الأوروبي شهدت تصدر اليمين المتطرف في فرنسا، مما دفع الرئيس ماكرون لحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، معبرة عن زلزال سياسي وتساؤلات حول تأثيرات هذه الخطوة.
- احتجاجات في مدن فرنسية ضد اليمين المتطرف تعكس استياء شعبي واسع النطاق من سياسات ماكرون، خصوصاً في الأرياف وبين غير المتعلمين، مما يشير إلى تحديات كبيرة أمام الحكومة.
- ظهور شخصيات وأحزاب جديدة يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي لتعزيز حملاتهم الانتخابية، مما يعكس تغيراً في الديناميكيات السياسية ويسلط الضوء على الاستياء الشعبي تجاه الطبقة السياسية التقليدية.

 

تكثفت الاتصالات والتحركات والتصريحات السياسية في فرنسا بعد انتخابات أوروبا التي أجريت الأسبوع الماضي، والتي تصدر فيها اليمين المتطرف ممثلاً بحزب التجمع الوطني، نتائج الاقتراع في فرنسا، في ما وصفه متابعون بالزلزال السياسي، واستدعى إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في 30 يونيو/حزيران الحالي. ومع هذه التحركات، تبقى الأسئلة حاضرة عن مغزى والنتائج المحتملة لدعوة ماكرون لانتخابات مبكرة، وما يمكن أن تخرج بها، فيما تتواصل كذلك القراءات في نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي بالمجمل، أبقت وعزّزت موقع اليمين الأوروبي، في هذا البرلمان، وزادت من حجم اليمين المتطرف فيه بشكل ملحوظ.

فرنسا بعد انتخابات أوروبا

وكانت العاصمة الفرنسية باريس، ومدن فرنسية عدة، قد شهدت أمس الاثنين، احتجاجات على فوز اليمين المتطرف بانتخابات البرلمان الأوروبي. وأبرز المدن، مع باريس، ليون ورين وبوردو، حيث دعا المحتجون إلى منع اليمين المتطرف من الفوز بالانتخابات التشريعية في 30 يونيو. وحمل المحتجون لافتات كتب عليها "الجبهة الشعبية" (اسم التجمع الوطني سابقاً) و"انتبهوا للفاشية" و"لا تخيفوني، لا للجبهة الوطنية".

يعتبر الكثير من الفرنسيين أن تصدر التجمع الوطني نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي هو من "أعراض العيش في ظلّ حكم ماكرون لسنوات"

ويعتبر الكثير من المواطنين، أن تصدر التجمع الوطني، الذي تتزعمه مارين لوبان ولو أنها أوكلت قيادته لجوردان بارديلا (مرشح الحزب اليوم لترؤس الحكومة المقبلة بعد الانتخابات)، للتصويت في صناديق الاقتراع بالبرلمان الأوروبي، هو "أعراض العيش في ظلّ حكم ماكرون لسنوات". ويمكن اعتبار ذلك إلى حدّ كبير صحيحاً، خصوصاً أنه سبقت الانتخابات البرلمانية الأوروبية (أجريت بين 6 و9 يونيو)، تحركات للمزارعين الفرنسيين، أسوة بغيرهم في أوروبا، احتجاجاً على الكثير من الإجراءات التي رأوها غير منصفة بحقّهم، فيما تبلغ قاعدة التجمع الوطني الشعبية، ذروتها في الأرياف، ولدى غير المتعلمين. كما أن ولايتي ماكرون، إلى الآن، شابتهما الكثير من السياسات التي كان يتحدى فيها رغبة المواطنين، في ما وصف بطبقة حكم تدير الأمور في باريس، وخصوصاً في الإليزيه، منفصمة عن الواقع الشعبي. كما أن ماكرون كان يتجه قبل الانتخابات، لزيادة الدعم لأوكرانيا، وحتى انخراط الجيش الفرنسي فيه وهو ما كان أعرب عن استعداده للوصول إليه، وهي مسائل تتسبب بحساسية عالية لدى الفرنسي، المهتم كثيراً بمستوى معيشته، التي تحتل الأولوية لديه. وهي كلّها مشاغل تمكن اليمين المتطرف من استثمارها لتغيير وجهة فرنسا بعد انتخابات أوروبا على الصعيد السياسي، فيما كانت شريحة أخرى تختار أيضاً التصويت لليسار، وهو ما مكّن حتى الحزب الاشتراكي الفرنسي من تحسين وضعه الانتخابي.

يذكر أن حزب التجمع الوطني، حصل على 31.5% من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي، وجاء وراءه حزب ماكرون، النهضة، ولكن بـ15.2%.

وبحسب استطلاع رأي لشركة "إيفوب" ولصالح مجلة "باري ماتش"، ونشرت نتائجه اليوم الثلاثاء، فإن فرنسا بعد انتخابات أوروبا تختار حزب لوبان، ليبقى متصدراً وكالأكثر شعبية لدى الفرنسيين، مع 36% من المواطنين، أعربوا عن أملهم في تصدر هذا الحزب نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة المرتقبة. وبرأي 60% من المواطنين، أن التجمع الوطني هو على الأرجح الذي سيتصدر الدورة الثانية من هذه الانتخابات المقرّرة في السابع من يوليو/تموز المقبل.

إلى ذلك، أرجأ ماكرون اليوم الثلاثاء، عقد مؤتمره الصحافي، الذي كان أعلن عنه، إلى يوم غدٍ الأربعاء، وذلك لتوضيح "التوجه الذي يرى أنه المناسب للأمة" في فرنسا بعد انتخابات أوروبا تمهيدا للانتخابات التشريعية المبكرة، بحسب أوساط الرئاسة كما نقلت وكالة فرانس برس. وأفاد مصدر للوكالة، أنه "يجري العمل حاليا على التوضيحات السياسية التي دعا إليها رئيس الجمهورية الأحد" الماضي، مضيفا أن "القوى الجمهورية من جانب والقوى المتطرفة من جانب آخر تتموضع".

وبحسب الصحافة الفرنسية، فإن الأوضاع في حالة فوضى في باريس، حيث إن كلّ الأحزاب تعيد خلط أوراقها. من ناحية، يسود الارتباك كل الأحزاب الخاسرة. وفي مقلب اليمين، تتعالى الدعوات لدى حزب "الجمهوريون" لاستقالة رئيس الحزب، إريك سيوتي، بعدما دعا إلى بناء تحالف مع التجمع الوطني. كما خرجت دعوات داخل هذا الحزب، لاستقالة رئيسه في مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرار لارشيه. ورأى وزير الداخلية، جيرار دارمانان، اليوم الثلاثاء، أن سيوتي، بدعوته للتحالف مع اليمين المتطرف انتخابياً، "يغرق الديغوليين في العار". وزايدت لوبان على حزب اليمين، بقولها إن قرار سيوتي "شجاع"، فيما رحبّ رئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا، بتوحد الحزبين "لمصلحة الفرنسيين". من جهتها، ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن جميع أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي عن حزب "الجمهوريون"، صوّتوا رفضاً لأي تحالف مع اليمين المتطرف.

دعا رئيس اليمين الفرنسي للتحالف مع اليمين المتطرف

هذا الوضع، هو ما يحاول ماكرون صنعه قبل الانتخابات التشريعية المبكرة، وبحسب تصريح له نقلته صحيفة لوفيغارو، فإنه اعتبر أن "حلّ البرلمان هو القرار الصائب"، مضيفاً أنه "لا يمكننا أن نتصرف وكأن شيئاً لم يحدث". وقال كذلك: "إنه روح مؤسساتنا. تلقيت ما قاله الشعب. وقد اخترت الانتخابات المبكرة لتوضيح الصورة، وأقول للفرنسيين: لا تخافوا، اذهبوا وصوّتوا". أما على مقلب اليسار، فاعتبر المرشح الذي تصدر عن الحزب الاشتراكي في انتخابات البرلمان الأوروبي، رافاييل غلوكسمان، أنه "في مواجهة اليمين المتطرف، سيكون أمراً غير مسؤول ألا نبحث التحالف" (مع أطراف أخرى كالخضر واليسار الراديكالي) لصدّ اليمين المتطرف، علماً أن هذه الأطراف تسودها الكثير من الخلافات.

مفاجأة "المؤثرين"

إلى ذلك، تتوسع أيضاً التفاصيل حول الفائزين بانتخابات البرلمان الأوروبي، ومنهم وجوه تبرز للمرة الأولى، وقد شكّلت مفاجأة الجمهور في القارة. على سبيل المثال، فاز فيدياس بانايوتو، 24 عاما، وهو مؤثر على منصتي "يوتيوب" و"تيك توك"، عن مقعد لقبرص. وبانايوتو، واحد من بين عدد من المرشحين "غير المتوقعين"، الذين تمكنوا من حجز مقعد لهم في برلمان أوروبا ومقره ستراسبورغ الفرنسية. وبحسب تقرير لوكالة أسوشييتد برس، نشر أمس، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أدت دوراً في فوز بعض المرشحين، ما من شأنه أن يقلق الطبقة السياسية، لأن ما جرى يؤكد لها أنه بالإمكان أن تكون متعادلة مع مرشحين مغمورين في أي لحظة ولم يصل بانايوتو إلى البرلمان الأوروبي، سوى بسبب شهرته على "يوتيوب".

وفي إسبانيا، مرشح آخر تمكن من الفوز، هو أيضاً ناشط على وسائل التواصل، ويحمل خطاباً معادياً للمهاجرين غير النظاميين. وألفيس بيريز (34 عاماً)، يعدّ محرضاً سياسياً على وسائل التواصل، ويمثل اليمين المتطرف، كان يعمل للتحريض على السياسيين ودعوة الإسبان للاحتجاج على الطبقة "الفاسدة"، وقد أسّس حزبا اسمه "الحزب انتهى". ولم يكن بيريز معروفاً للإسبان خارج دائرة الإنترنت الضيقة ومجتمع اليمين المتطرف الافتراضي، وقد فاز بثلاثة مقاعد، مع حليفين له ترشحا كذلك للبرلمان الأوروبي. ولدى احتفاله أول من أمس، قال أمام مناصريه في مدريد: "إسبانيا أصبحت حزب المجرمين، والفاسدين، والمرتزقة، والمعتدين جنسياً".

المساهمون