فوز "شين فين" للمرة الأولى منذ قرن في أيرلندا الشمالية: أسئلة الهوية والانتماءات

09 مايو 2022
زعيمة "شين فين" ميشيل أونيل (Getty)
+ الخط -

للمرة الأولى منذ 100 عام، حقق حزب "شين فين" القومي أول فوز انتخابي له في أيرلندا الشمالية، ما اعتُبر "لحظة حاسمة" في هذه الرقعة "الأوروبية" التي تسيطر عليها بريطانيا. وإن كان الجناح السياسي السابق للجيش الجمهوري الإيرلندي قد استقى شعارات حملته الانتخابية من المشاغل اليومية للناخبين، كتكلفة المعيشة والرعاية الصحية، فإن البعض يرى في تلك الشعارات المحلية غطاء لما هو أبعد سياسياً، خاصة وأن بيان الحزب دعا الحكومتين البريطانية والأيرلندية لتحديد موعد للاستفتاء.

وعقب الإعلان عن النتائج النهائية لفرز الأصوات في انتخابات فاقمت الضغوط على حكومة بوريس جونسون، أعلنت زعيمة الحزب القومي "شين فين" ميشيل أونيل أن هذا الفوز "يمثل لحظة تغيير حاسمة ومهمة في سياستنا وبالنسبة إلى شعبنا"، معتبرة أن من شأن هذا الفوز أن يفتح "نقاشاً صادقاً" حول هدف الحزب المتمثّل بتوحيد الإقليم مع جمهورية إيرلندا.

ومن المبالغ فيه القول إن انتصار "شين فين" سيغيّر من خارطة المنطقة وتحالفاتها السياسية والاقتصادية، لأن الاستفتاء الذي يدعو إليه الحزب لمغادرة بريطانيا، يخضع وفقاً لاتفاق الجمعة العظيمة المبرم عام 1998 إلى تقدير الحكومة البريطانية ومن المحتمل ألا يجري قبل عدة سنوات. إضافة إلى أنه ينصّ، وفقاً لاتفاقية السلام نفسها، على تشكيل حكومة محلية يتقاسم فيها القوميون والوحدويون السلطة على أن تتزّعم أونيل رئاستها.

"شين فين" تعني "نحن أنفسنا"، أي الاستقلالية وعدم الانتماء للمملكة المتحدة

وإن دلّت نتائج الانتخابات المحلية في بريطانيا على شيء، فهو الدرجة غير المسبوقة من فقدان الثقة بالحكومة الحالية، والرغبة الحقيقية بالبحث عن بديل. فلما تعاملت الحكومة الحالية مع "شعبيتها المنقوصة" على طريقة الأنظمة الشمولية: "أنا أو الهاوية"، لوّح الناخبون بخيار ثالث، إذ منحوا أصواتهم لأحزاب أخرى يأساً من الحكومة الحالية وضجراً من بديل غير مقنع يتمثّل بأبرز معارضيها "حزب العمال". قال الناخبون بفم ملآن: ثمة حزب الديمقراطيين الأحرار وحزب الخضر وفي إيرلندا الشمالية ثمة حزب "شين فين" الذي تغلّب على "الحزب الوحدوي الديمقراطي"- المؤيد للتاج البريطاني.

كما أنه لا مكاسب استثنائية مرجوة لـ"حزب المحافظين" من تقدّمه في أجزاء من ميدلاندز وشمال إنجلترا، تلك المناطق الصناعية "المحسوبة" على "حزب العمال"، والمعروفة باسم "الجدار الأحمر"، ما لم يسترد نفوذه في حدائقه الخلفية التقليدية جنوب إنجلترا والمعروفة باسم "الجدار الأزرق".

ميشيل أونيل، التي حصدت شعبية غير مسبوقة ووعدت بحلّ الأزمات المحلية الملحّة في قطاع الرعاية الصحية وفي دعم المتضرّرين من ارتفاع كلفة المعيشة، ليست زعيمة عادية أو تقليدية. وإن ظهرت في صورة سيلفي وسط حشد من السياسيين الأيرلنديين، ضاحكة، مشرقة، إلا أن نائبة زعيم الحزب الأربعينية، هي سليلة عائلة مثقلة بتاريخ أيرلندا الشمالية. ومع أنها تمثل بحسب الكثيرين "الجيل الجديد" في الحزب الذي أسّس عام 1905، إلا أنه بهذا المعنى جيل مثقل بالمرارة.

عندما تقول أونيل إن بلادها بصدد دخول "حقبة جديدة"، فلا تنتمي عبارتها هذه إلى شعارات تقليدية يمكن لأي زعيم آخر أن ينطق بها لدغدغة الوعي العام

خاضت أونيل العمل السياسي في سنّ مبكّرة والتحقت بالحزب في نفس السنة التي وقّعت فيها اتفاقية السلام عام 1998، وكانت في الـ21 من عمرها. والدها بريندان دوريس كان سجيناً سياسياً بسبب انتمائه للجيش الجمهوري الأيرلندي، وكذلك عمّها وأخواها. اثنان من أبناء عمومتها قاتلا في صفوف الجيش الجمهوري الإيرلندي. طوني دوريس كان في لواء "فرقة الموت" التي خطّطت لتنفيذ عملية اغتيال ضد عضو رفيع المستوى في قوات الأمن عام 1991، إلا أن كميناً نصبه الجيش البريطاني، أرداه قتيلاً. أما ابن عمها الثاني غاريث دوريس، فاتّهم بمحاولة القتل المتعمّد بعد أن كان جزءا من خلية مكلّفة بإلقاء عبوات ناسفة شديدة الانفجار على قاعدة للشرطة عام 1997. أصيب بجروح خطرة على يد القوات الخاصة وحكم عليه بالسجن عشر سنوات إلا أنه خرج بعد ثلاث سنوات بموجب اتفاقية الجمعة العظيمة.

وبالنظر إلى كل ما سبق، يصعب اختزال حزب "شين فين" بتحقيق المطالب اليومية التي تزداد ثقلاً يوماً بعد يوم. كما يصعب النظر إلى أونيل بمعزل عما تختزنه الذاكرتان الجمعية والفردية. وعندما تقول أونيل إن بلادها بصدد دخول "حقبة جديدة"، فلا تنتمي عبارتها هذه إلى شعارات تقليدية يمكن لأي زعيم آخر أن ينطق بها لدغدغة الوعي العام. إنها عبارة خاصة بها وبتجربتها الشخصية في كنف تلك العائلة بعينها.

ثمة من يرى أن فوز "شين فين" مردّه "ضعف النزعة الاتحادية" في وقت تشهد فيه المملكة المتحدة تغييراً حقيقياً بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن المحادثات الرامية لتشكيل حكومة جديدة ستكون معقدة مع رفض "الوحدويين" المشاركة في أي حكومة من دون تعديل الاتفاق التجاري المبرم بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والذي يرى فيه "الحزب الوحدوي الديمقراطي" بروتوكولاً يلحق الضرر بالاقتصاد وبالاستقرار السياسي.

يبقى أن "شين فين" تعني "نحن أنفسنا"، أي الاستقلالية وعدم الانتماء للمملكة المتحدة، وقد كانت كلفة تلك "الاستقلالية" ثلاثين عاماً من الصراع الطائفي، انتهت بتوقيع اتفاقية "الجمعة العظيمة" عام 1998.

المساهمون