حقق حزب "العقد المدني"، بزعامة القائم بأعمال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية المبكرة بحصوله على 53.92 في المائة من الأصوات، ما شكّل مفاجأة من العيار الثقيل، إذ إن نتائج استطلاعات الرأي السابقة كانت تنذر باحتدام منافسة شرسة مع كتلة "أرمينيا" بزعامة الرئيس السابق روبرت كوتشاريان، والتي لم تحصل في نهاية المطاف سوى على نحو 21 في المائة من الأصوات.
ومن اللافت أن حزب باشينيان حقق هذا الفوز الكاسح رغم مجموعة من الأزمات التي شهدتها أرمينيا خلال رئاسته للحكومة في الفترة الأخيرة، بما فيها الهزيمة الأليمة في الحرب في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه مع أذربيجان في الخريف الماضي، والأزمة الاقتصادية، وجائحة كورونا، وفتور العلاقات مع موسكو التي تعد أهم حلفاء أرمينيا والقوة الدولية ذات النفوذ الأكبر في المنطقة.
وعلى عكس باشينيان، الذي صعد إلى السلطة إثر "الثورة المخملية" في عام 2018، كان كوتشاريان يقدم نفسه في إطار حملته على أنه داعم للدفع بالعلاقات مع روسيا، دون أن يخفي أن علاقة صداقة تربطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن من مؤشرات إدراك باشينيان هو الآخر أن بلاده لا يمكنها الاستغناء عن الشراكة مع موسكو، تقدمه بالشكر لبوتين ورئيس حكومته، ميخائيل ميشوستين، على الدعم لأرمينيا وشعبها، وذلك فور الإعلان عن تقدمه في الانتخابات ليلة اليوم الإثنين.
وفي أول رد فعل من الكرملين، أعرب المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، عن أمله في أن يساعد "خيار الشعب الأرميني" في تجاوز الصعوبات، قائلا، في تصريحات صحافية: "بالطبع، نتمنى أن يساعد هذا الخيار للشعب الأرميني في تجاوز تلك الصعوبات التي تمر بها البلاد، والخروج إلى مسار التنمية المستدامة، بما في ذلك عن طريق تحقيق الاتفاقات الثلاثية التي تم التوقيع عليها بالمشاركة المباشرة من الرئيس الروسي"، في إشارة إلى بيان تنمية كاراباخ الموقع بين قادة روسيا وأرمينيا وأذربيجان مطلع العام الجاري.
وأضاف بيسكوف: "نرى أن حزب باشينيان حقق فوزا مقنعا. نهنئ الشعب الأرميني بالاختيار"، مؤكدا أن أرمينيا هي أقرب حليف وشريك لروسيا.
من جهتها، أعربت صحيفة "فزغلياد" الموالية للكرملين عن دهشتها من أن باشينيان تمكن رغم "الهزيمة المخزية" في حرب كاراباخ من إلحاق الهزيمة الكاملة بمنافسيه في الانتخابات، متسائلة: "كيف أصبح ذلك ممكنا في ظروف معارضة الشخصيات الأكثر احتراما في البلاد له ونعت العديد من الأرمينيين إياه بـ"الخائن" وحتى "التركي"؟".
وفي مقال بعنوان "الأرمينيون أعادوا السلطة إلى باشينيان"، اعتبرت الصحيفة أن الوضع بعد الانتخابات الأرمينية ليس في صالح روسيا، واصفة باشينيان بأنه زعيم "الثورة الملونة" المحلية، و"حبيب الصناديق الغربية"، لافتة إلى أنه أزعج موسكو كثيرا بـ"أصوله السياسية وتعدد التوجهات وعدم قابليته لتقديم تنازلات في بعض القضايا".
وذكّرت "فزغلياد" بفضيحة منظومات صواريخ "إسكندر" الروسية، حين حاول باشينيان وضع المسؤولية عن الهزيمة في حرب كاراباخ على عاتق سوء جودة الأسلحة الروسية، مما أدى إلى دخوله في حالة من المواجهة المفتوحة مع الجيش الأرميني واندلاع الأزمة السياسية، فإجراء الانتخابات المبكرة.
وجرت الانتخابات التشريعية في أرمينيا، أمس الأحد، بمشاركة 21 حزبا وأربع كتل، وسط حالة من الاستقطاب غير المسبوق منذ نيل الجمهورية استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991.
وأظهرت الأرقام الصادرة عن لجنة الانتخابات المركزية الأرمينية، بحلول صباح اليوم، تقدما كبيرا لحزب باشينيان، تلته كتلة كوتشاريان، بينما جاءت كتلة "لي الشرف" بزعامة الرئيس السابق، سرج ساركسيان، في المرتبة الثالثة بحصولها على 5.23 في المائة من الأصوات.
وعلى الرغم من عدم تجاوز كتلة "لي الشرف" عتبة الـ7 في المائة المطلوبة لدخول البرلمان، إلا أنهت ستحصل على مقاعد به، حيث إن القانون الأرميني يقتضي ألا يقل عدد القوى السياسية الممثلة في البرلمان عن ثلاث.