أصبحت فنلندا بشكل رسمي، اليوم الثلاثاء، عضواً بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد سياسة عدم انحياز عسكري اعتمدتها الدولة الاسكندنافية على مدى ثلاثة عقود، ما يشكّل نقطة تحوّل استراتيجية تسبب بها الغزو الروسي لأوكرانيا.
واستكمل وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو عملية الانضمام بتسليمه وثيقة رسمية لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مقر الحلف في بروكسل.
وأشاد الرئيس الفنلندي بـ"حقبة جديدة" مع انضمام بلاده المحاذية لروسيا إلى حلف شمال الأطلسي، وذلك بعد عقود من سياسة عدم الانحياز.
وقال الرئيس ساولي نينيستو، قبل أن يرفع العلم الفنلندي رمزياً أمام مقرّ الحلف في بروكسل، إنّ "حقبة عدم الانحياز العسكري في تاريخنا انتهت. لقد بدأت حقبة جديدة".
وأبدى الرئيس الأميركي جو بايدن "فخره" باستقبال فنلندا داخل حلف شمال الأطلسي. وقال في بيان: "حين شنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه العدوانية الوحشية على الشعب الأوكراني، اعتقد أنّه سيتمكّن من إحداث انقسام في أوروبا وحلف شمال الأطلسي. كان مخطئاً. اليوم، نحن موحّدون أكثر من أيّ وقت مضى".
وأضاف: "يسعدني أن أرحّب بفنلندا، باعتبارها الحليف الحادي والثلاثين لحلف شمال الأطلسي"، متعهّداً بمواصلة "الدفاع سوياً عن كلّ شبر من أراضي" الحلف.
وشدّد بايدن على أنّه سيكون "مسروراً" أيضاً باستقبال السويد في الحلف "في أسرع وقت"، بينما شجّع وزير خارجيته أنتوني بلينكن تركيا والمجر "على المصادقة على بروتوكولات انضمام السويد من دون تأخير".
واعتبر بلينكن أنّ انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي هو "يوم تاريخي" للحلف. وقال بلينكن في بروكسل: "أستطيع القول إنّ (هذا الانضمام) قد يكون الأمر الوحيد الذي يمكن أنّ نشكر (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين عليه، لأنه قام مجدداً بتسريع أمر قال إنه يريد تفاديه عبر الاعتداء" على أوكرانيا.
العضو الحادي والثلاثون
وفي مراسم مفعمة بالدلالات، أصبحت الدولة الإسكندنافية، التي تتشارك مع روسيا حدوداً بطول 1300 كيلومتر، العضو الحادي والثلاثين في حلف شمال الأطلسي اليوم، في ذكرى تأسيسه في الرابع من إبريل/نيسان 1949.
وبعد تسليم وثائق الانضمام إلى وزير الخارجية الأميركي الوصيّ على المعاهدة التأسيسية للحلف الدفاعي، رفع العلم الفنلندي في الفناء الرئيسي في مقر المنظمة في بروكسل، بين علمَي إستونيا وفرنسا بحسب الترتيب الأبجدي.
وفي وقت سابق للمراسم اليوم، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ أنه لن تكون هناك قوات أطلسية على أراضي فنلندا دون موافقتها. وأكد أن دخول فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي لحظة تاريخية، مشيراً إلى أنها ستحصل على كل الضمانات الأمنية اللازمة كعضو في الحلف، مشدداً على أن الأخير لا يسعى إلى خلق نزاع، بل إلى تجنّب نزاع.
ومع انضمام فنلندا إلى "الناتو"، سيزيد الطول الإجمالي للحدود بين روسيا والحلف الدفاعي بمقدار الضعف تقريباً. وستستفيد هلسنكي من الحماية التي يوفرها البند الخامس من ميثاق "الناتو"، الذي ينصّ على أنه إذا تعرضت دولة عضو لهجوم مسلّح، فإن الدول الأخرى ستعتبر هذا العمل هجوماً مسلحاً موجهاً ضد كل الأعضاء، وستتخذ الإجراءات التي تعتبر ضرورية لتقديم المساعدة للبلد المستهدف.
وأخّرت عرقلة تركيا والمجر انضمام هلسنكي للحلف على مدى أشهر. ولا تزال أنقرة وبودابست تعرقلان انضمام السويد إلى الحلف.
وقال ستولتنبرغ: "أنا على ثقة تامّة من أن السويد ستصبح عضواً أيضاً. إنها أولوية بالنسبة للناتو وبالنسبة لي أن نضمن حصول ذلك في أسرع وقت ممكن".
"أوكرانيا ستصبح عضواً في الحلف"
وأشار أمين عام حلف الأطلسي إلى أن انضمام الدولتين الإسكندنافيتين إلى الحلف هو دلالة على أن "باب الناتو يبقى مفتوحاً". وأضاف "موقف الناتو ثابت: أوكرانيا ستصبح عضواً في الحلف"، لكن "الهدف الأساسي حتى الساعة هو صمودها كدولة سيدة ومستقلة، وإلّا يصبح الحديث عن العضوية دون معنى".
وأعلن الحلف أنّه دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمشاركة في قمته المقبلة المقرّر عقدها في يوليو/ تموز المقبل في العاصمة الليتوانية فيلنيوس.
وقال ستولتنبرغ في ختام اجتماع لوزراء خارجية دول الحلف حضره وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا "نتطلّع للقاء زيلينسكي في قمّة فيلنيوس في يوليو".
وأضاف ستولتنبرغ: "لا نعلم متى ستنتهي هذه الحرب. لكن حين يحدث ذلك، سيتعين علينا وضع ترتيبات حتى تتمكن أوكرانيا من ردع أي عدوان في المستقبل".
من جانبه، قدّم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "تهانيه الصادقة" إلى فنلندا بعد انضمامها إلى الحلف، معتبراً أنّ الأخير هو "الضمان الفاعل الوحيد للأمن في المنطقة" في مواجهة "العدوان الروسي".
وليل الإثنين الثلاثاء، استهدفت طائرات مسيّرة روسية ميناء مدينة أوديسا الاستراتيجي في أوكرانيا، وفق ما أفادت سلطات المدينة التي تحدثت عن وقوع "أضرار".
ويلتقي أيضاً وزراء خارجية "الناتو" نظيرهم الياباني للبحث في وضع منطقة آسيا المحيط الهادئ والتحديات التي تطرحها الصين و"تحالفها مع روسيا".
وفي تصريح سابق يوم الإثنين، قال ستولتنبرغ: "دخل الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين الحرب ضدّ أوكرانيا مع هدف معلن يتمثّل بتقليص مساحة حلف شمال الأطلسي (...) ما يحصل على العكس من ذلك تماماً".
الكرملين يتحدث عن "إجراءات مضادة"
بدوره، اعتبر الكرملين أنه سيضطر إلى اتخاذ "إجراءات مضادة" لضمان أمن روسيا، في ضوء انضمام فنلندا إلى الحلف.
ووصف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف تحرك هلسنكي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بأنه "انتهاك" لأمن روسيا، مشيراً إلى أن هيكل "الناتو" معادٍ لروسيا.
من جهته، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، اليوم الثلاثاء، إن انضمام فنلندا إلى الحلف، وتحرك الحلف العسكري لزيادة الاستعدادات القتالية، يزيد من مخاطر نشوب صراع.
ولفت شويغو إلى أن بعض الطائرات العسكرية التابعة لبيلاروسيا أصبحت الآن قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، وأنه جرى نقل أنظمة صواريخ "إسكندر" إلى بيلاروسيا، مشيراً إلى أن تلك الأنظمة يمكن استخدامها لحمل صواريخ تقليدية أو نووية.
(فرانس برس، رويترز)