فنزويلا على صفيح ساخن: صراع الرئاسة يفاقم الانقسام ويهدد الاستقرار

11 اغسطس 2024
متظاهرون يحملون شموعاً في ساحة ريستاورادورس/10 أغسطس 2024(Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الأزمة الانتخابية والتوترات السياسية**: الانتخابات الرئاسية الفنزويلية لم تُعلن نتائجها بسبب مزاعم هجوم سيبراني، مما أدى إلى احتجاجات ضد الرئيس مادورو وتصاعد التوترات مع المعارضة، وأسفر عن مقتل 20 شخصاً واعتقال ألفي متظاهر.

- **التحديات الإقليمية والدولية**: تراجعت ثقة الطبقات الفقيرة في النظام، ودعت دول الإقليم ومنظمة "أُواس" إلى مفاوضات سريعة، مع ضغوط متزايدة من دول أميركا اللاتينية لشفافية إعلان النتائج.

- **دور الجيش والعقوبات الدولية**: مادورو يعتمد على ولاء الجيش، بينما تدعو المعارضة الجيش لضمان احترام نتائج الانتخابات. واشنطن تعود لسياسة العقوبات، مما يعقد الأزمة ويضعف التأييد الشعبي لمادورو، ويثير مخاوف من موجة نزوح جديدة.

رغم انتهاء الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في 28 يوليو/تموز الماضي، إلا أن نتائجها النهائية لا تزال معلقة وسط إصرار طرفي النزاع على الفوز. تشهد الشوارع الفنزويلية احتجاجات غاضبة ضد الرئيس نيكولاس مادورو، الذي يتمسك بالسلطة، بينما تصر المعارضة على أن مرشحها إدموندو غونزاليس أوروتيا (74 عاماً) هو الفائز الحقيقي، وذلك رغم عدم إعلان النتائج النهائية رسمياً بسبب مزاعم تعرض نظام التصويت الإلكتروني لهجمة سيبرانية.

الأوضاع الحالية تعيد فنزويلا إلى حالة عدم الاستقرار التي شهدتها قبل أسبوعين، بل وتضعها أمام تحديات أكثر تعقيداً مما واجهته في عام 2019. المعارضة تستند إلى نتائج 80% من مراكز الاقتراع، والتي تشير، بحسب صحيفة "إل باييس" الإسبانية، إلى حصول أوروتيا على ثلثي الأصوات. في المقابل، يصر مادورو، الذي هدد سابقاً بأن خسارته ستؤدي إلى "حمام دم"، على أن فنزويلا تتعرض لمحاولة انقلاب مدعومة من قوى خارجية تشمل الولايات المتحدة وإيلون ماسك وتجار المخدرات الكولومبيين.

تصاعد التوترات تزامن مع تصريحات نائب زعيم الحزب الاشتراكي، ديوسدادو كابيلو، الذي وصف أوروتيا بأنه "عميل للمخابرات المركزية الأميركية" و"رجل عجوز بائس"، مهدداً بسحق أي معارض يواصل الاستفزاز. تزامنت هذه التصريحات مع تقارير عن مقتل نحو 20 شخصاً واعتقال حوالي ألفي متظاهر، بينهم صحافيون وقادة رأي مرتبطون بالمعارضة، فيما أعاد مادورو توعد المعتقلين بالقول: "هذه المرة لن يكون هناك عفو (عن السجناء)".

اللغة القاسية والتهديدات المتصاعدة تعكس برأي المعارضة والمحتجين رغبة السلطة في كبح الاحتجاجات الشعبية، وعدم العودة إلى منازعتها الحكم كما حدث في 2019.

قلق على المشروع البوليفاري في فنزويلا: الجيش عامل حاسم

الوضع في فنزويلا اليوم يبدو أكثر تعقيداً مقارنة بعام 2019، إذ تشير التقارير اللاتينية إلى تراجع ثقة الطبقات الفقيرة في النظام الحاكم، وهي الطبقات التي دعمت سابقاً الزعيم الراحل هوغو تشافيز، ثم خليفته نيكولاس مادورو، تحت راية الاشتراكية التشافيزية.

في ظل هذا التراجع، دخلت دول الإقليم في أميركا الوسطى والجنوبية، ومنظمة الدول الأميركية "أُواس"، على خط الأزمة. رؤساء البرازيل وكولومبيا والمكسيك وتشيلي وبيرو، عادوا لتكرار دعواتهم السابقة بضرورة احترام رغبة الناخبين في التغيير السياسي، داعين إلى مفاوضات سريعة بين السلطة والمعارضة لتجنب تصاعد الصراع.

الضغوط المتزايدة من دول أميركا اللاتينية على كاراكاس تطالب بشفافية إعلان نتائج الانتخابات. ورغم تجنب هذه الدول اتهام نظام مادورو صراحة بالتلاعب، إلا أن دعوتهم للشفافية تعكس تغيراً في الموقف الإقليمي، وتزايد القلق من تأثير الأزمة الفنزويلية على المشروع البوليفاري، المستمد من إرث سيمون بوليفار الذي قاد حركات الاستقلال في أميركا اللاتينية في القرن التاسع عشر.

هذا القلق يتزايد مع استمرار الانقسام الداخلي وتدهور الأوضاع إلى مستويات غير مسبوقة، مما يثير مخاوف من موجة نزوح جديدة لملايين الفنزويليين نحو دول الجوار، لينضموا إلى نحو ثمانية ملايين شخص سبقوهم خلال السنوات الماضية.

عودة واشنطن إلى سياسة العقوبات يمكن أن تعقد الأزمة الفنزويلية أكثر، خاصة بعد إعلانها الأسبوع الماضي أن مرشح المعارضة هو الفائز بالانتخابات. فرض عقوبات إضافية، بدعم من الاتحاد الأوروبي، يمثل خطوة جديدة نحو انهيار الدولة النفطية، التي تعاني من أزمة مالية واقتصادية منذ أكثر من عقد.

في انتخابات 2019، اعترفت نحو 60 دولة بزعيم المعارضة ورئيس البرلمان السابق خوان غوايدو كرئيس مؤقت لفنزويلا، إلا أن هذا لم يؤثر على استمرار حكم نيكولاس مادورو. لكن الوضع الحالي في فنزويلا أصبح أكثر تدهوراً، حيث يعيش حوالي 80 في المائة من السكان تحت خط الفقر، حتى مع بقاء مادورو في السلطة.

دول الجوار اللاتينية، وبعض رؤسائها المحسوبين على اليسار، يجدون صعوبة في الدفاع عن نظام مادورو وسط الضغوط والعقوبات المتزايدة. قادة مثل البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، والتشيلي غابرييل بوريش، والكولومبي غوستافو بيترو، والمكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، اتخذوا مواقف تدعو إلى احترام إرادة الشعب الفنزويلي، مؤكدين أن الاعتراف بنتائج الانتخابات جزء من العملية الديمقراطية التي يمكن أن تعيد تياراتهم إلى السلطة.

أحد أهم خيارات مادورو هو الاعتماد على ولاء الجيش لنظامه التشافيزي، خاصة أن الرئيس الراحل هوغو تشافيز جاء من صفوف القوات المسلحة. ولكن الخطر يكمن في تحول الجيش إلى النموذج البنغلادشي، حيث تخلت القوات المسلحة عن دعم رئيسة الوزراء شيخة حسينة واجد، ما قد يعيد سيناريو مشابها في فنزويلا.

تدرك المعارضة الفنزويلية أهمية دور الجيش في دعم السلطة، لذا أطلقت نداءً لقادته يوم الاثنين الماضي، داعيةً إلى "وقف انتهاكات النظام ضد الشعب وضمان احترام نتائج الانتخابات". إلا أن قياديي الجيش خيبوا آمالهم بإعلان ولائهم المتجدد للرئيس مادورو.

في هذا السياق، قد يشهد الوضع المتأزم في فنزويلا تكراراً لتجربة بيلاروسيا في انتخابات 2020، حيث تمكن الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، بدعم من موسكو، من البقاء في السلطة رغم المعارضة الشعبية. ورغم أن هذا السيناريو ليس مستحيلاً في فنزويلا، إلا أن هناك عقبات كثيرة تعترضه، منها غياب الدعم اللاتيني لمادورو، وتوتر علاقاته الدبلوماسية مع دول مثل الأرجنتين وتشيلي وبيرو وبنما وجمهورية الدومنيكان والأوروغواي. بالإضافة إلى ذلك، يتفاقم الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، مما يضعف التأييد الشعبي لمادورو بين الطبقات الفقيرة التي بدأت تفقد ثقتها في النظام.