فلاديمير بوتين يتوج نفسه بولاية خامسة: ملاحظات على هامش النتائج

19 مارس 2024
حصل بوتين على أكثر من 87% من الأصوات (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الانتخابات الروسية الأخيرة، حقق الرئيس بوتين فوزًا كبيرًا بنسبة تجاوزت 87%، مع نسبة مشاركة تاريخية، مما يعكس نجاح الكرملين في توحيد الدعم الشعبي حول بوتين وسياسته، خصوصًا فيما يتعلق بالحرب على أوكرانيا.
- الحزب الشيوعي الروسي شهد تراجعًا، بينما حزب "أناس جدد" حقق نتائج جيدة في أول مشاركة له، ما يعكس استراتيجية الكرملين لجذب الشباب والليبراليين، والتصويت الإلكتروني كان له دور كبير في زيادة المشاركة.
- خطاب النصر لبوتين أكد على أهمية الوحدة وتحديات المستقبل، مشيدًا بحزب "أناس جدد" وتجاهل الانتقادات الموجهة له، حتى في ذكر المعارض نافالني. الانتخابات شهدت اعتقالات واحتجاجات لكن الكرملين أظهر قدرته على السيطرة.

كشفت النتائج الأولية غير النهائية للانتخابات الروسية فوز الرئيس فلاديمير بوتين بنسبة تجاوزت 87 في المائة من أصوات الناخبين، مع نسبة مشاركة تاريخية غير مسبوقة تجاوزت 77 في المائة. وتظهر النتائج نجاحاً للكرملين في تحقيق الأهداف المرسومة سلفاً لإظهار مدى "التكاتف الشعبي" الكبير حول شخصية بوتين وحربه على أوكرانيا.

بوتين يحصل على أكثر من 87% من الأصوات

وبعد فرز 99.7 في المائة من أوراق الاقتراع، فاز بوتين بحصوله على 87.29 في المائة، فيما حصل مرشح الحزب الشيوعي الروسي نيكولاي خاريتونوف على قرابة 4.3 في المائة، وفلاديسلاف دافينكوف مرشح "أناس جدد" على 3.82 في المائة، وتذيل القائمة ليونيد سلوتسكي مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي بقرابة 3.2 في المائة.

وبلغة الأرقام المجردة فقد صوّت لصالح بوتين حوالى 76 مليون روسي من أصل 112.3 مليوناً ممن يحق لهم التصويت ما يعني أنه حصل على أغلبية 67.5 في المائة من أصوات كل من يحق له التصويت سواء شارك أم لم يشارك في الانتخابات. هذه الأرقام يتوقع أن يشهرها الكرملين في وجه جميع من يشكك في شرعية بوتين والتفاف الشعب الروسي حول برنامجه السياسي وحربه ضد أوكرانيا، على اعتبار أن نتائج التصويت تسمح له بالقول إنه مفوض من قرابة ثلثي الروس للمضي بسياساته الداخلية والخارجية.

وحقق بوتين أفضل نتيجة له على الاطلاق منذ انتخابه للمرة الأولى في عام 2000 حين فاز بنحو 52.94 في المائة بمشاركة 68.7 في المائة ممن يحق لهم التصويت. وهذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها بوتين على أكثر من 80 في المائة من الأصوات، بعدما حصل على 71.4 في المائة، و63.6 في المائة، و76.7 في المائة، في انتخابات 2004، و2012، و2018 على التوالي.

حقق بوتين أفضل نتيجة له على الاطلاق منذ انتخابه للمرة الأولى في عام 2000

وبفوزه، يكرس بوتين نفسه زعيماً مطلقاً لروسيا، فالفارق بينه وبين أقرب منافسيه يصل إلى 83 في المائة، وحصل جميع منافسيه معا على قرابة 11 في المائة فقط، علماً أن بوتين نجح بالكاد في تجنب الدخول في جولة ثانية عام 2000 مع المرشح الشيوعي غينادي زيوغانوف الذي حصل حينها على 29.21 في المائة.

الحزب الشيوعي الخاسر الأكبر

وإذا كان بوتين الرابح الأكبر، فإن الحزب الشيوعي هو الخاسر الأكبر في الانتخابات، فقد تراجعت نسبة المصوتين لنيكولاي خاريتونوف من 13.69 في المائة في عام 2004 إلى قرابة 4 في المائة حالياً، ومقارنة بانتخابات 2018 حصل الحزب على نحو ربع الأصوات حين ترشح بافيل غرودينين وحصل على 11.77 في المائة في أسوأ نتيجة لمرشح شيوعي منذ انطلاق الانتخابات في روسيا بعد السوفييتية في 1991.

الحزب الشيوعي هو الخاسر الأكبر، فقد تراجعت نسبة المصوتين لخاريتونوف إلى قرابة 4%

وفي حين تراجعت نسبة الداعمين لسلوتسكي مقارنة مع مؤسس الحزب الليبرالي الديمقراطي الشعبوي، فلاديمير جيرينوفسكي، فإن دافانكوف مرشح حزب "أناس جدد" حقق نتائج جيدة في أول مشاركة للحزب الذي تأسس قبل أربع سنوات، وبدا أن الكرملين يراهن على الحزب الذي تحدثت تقارير سابقة عن أنه مدعوم من قبل ديوان الرئاسة ليكون ممثلاً للشباب وذوي الاتجاهات اليمينية الليبرالية في الاقتصاد.

دور التصويت الإلكتروني في رفع نسب المشاركة

وفاقت نسب التصويت والمشاركة معظم التوقعات، وساهم التصويت الإلكتروني في 29 كياناً فيدرالياً من ضمنها المقاطعات المعروفة بمزاجها الاحتجاجي أو عدم المشاركة الكثيفة مثل موسكو وسانت بطرسبرغ وشمال غرب روسيا، في رفع نسبة المشاركة على مستوى روسيا عموماً. وحسب لجنة الانتخابات الروسية فقد صوّت أكثر 94 في المائة من المسجلين ضمن التصويت الإلكتروني عن بعد. ومعلوم أنها المرة الأولى التي يصوّت فيها الروس في الانتخابات الرئاسية لمدة ثلاثة أيام، مع إمكانية التصويت الإلكتروني ما ساهم في زيادة نسبة المشاركة.

ومن الواضح أن الكرملين استطاع توظيف التجارب السابقة للتصويت الإلكتروني في انتخابات مجلس (الدوما) البرلمان، والانتخابات المحلية في المقاطعات من أجل رفع نسبة المشاركة. وتتهم المنظمات الحقوقية مثل "غولوس"، التي حُرمت من مراقبة الانتخابات رسمياً، الكرملين باستخدام التصويت الإلكتروني من أجل رفع نسبة مريدي بوتين إضافة إلى رفع نسب المشاركة، وأشارت في تقاريرها الأخيرة إلى عدم وجود أي إمكانية لتأكيد النتائج التي تنشرها لجنة الانتخابات الروسية أو نسب المشاركة في الانتخابات الإلكترونية.

واللافت أن التصويت الإلكتروني لم يتم تعميمه على مناطق مثل جمهوريات القوقاز الروسي (داغستان، الشيشان، قاباردين بالقان، أوسيتيا الشمالية، وأنغوشيا)، وكذلك كوزباس في سيبيريا نظرا لأن المشاركة في هذه المناطق مرتفعة تاريخياً وتتجاوز 90 في المائة وهو ما حصل فعلاً في الانتخابات الحالية.

لا صوت معارضاً مسموح به

في مؤشر إلى تراجع التنافسية، وبعيداً عن أن أياً من المرشحين الثلاثة لم يتجرأ أصلاً على رفض الحرب في أوكرانيا، أو انتقاد بوتين، وإقرار الثلاثة بفوز الرئيس الروسي سريعاً، بدا واضحاً التضييق على المعارضة "غير المدجنة".

وللمرة الأولى منذ انطلاق الانتخابات التعددية في روسيا، لم يشارك أي مرشح عن المعارضة الليبرالية، كما أن عدد المرشحين لمنصب الرئاسة هو الأقل في جميع الانتخابات التي شارك فيها بوتين، فقد ترشح أربعة من ضمنهم بوتين. وللمقارنة فقد تنافست 11 شخصية سياسية في انتخابات عام 2000 حين فاز بوتين بأول ولاية، وفي 2012 تنافس خمسة مرشحين، وفي 2018 تنافس ثمانية مرشحين. وتكشف هذه المعلومات عن تراجع التنافسية في النظام السياسي الذي بدأ بوتين في بنائه منذ صعوده قبل نحو ربع قرن.

أي من المرشحين الثلاثة لم يتجرأ على رفض الحرب في أوكرانيا، أو انتقاد بوتين

 

رسائل بوتين في "خطاب النصر"

ومع حصوله على الأغلبية المطلقة، وجّه بوتين الشكر للمواطنين الروس الذين حضروا إلى مراكز الاقتراع وأدلوا بأصواتهم. وشدد بوتين على أن مصدر السلطة في البلاد هو الشعب الروسي، قائلاً "بالطبع، أمامنا العديد من التحديات. ولكن عندما تم توحيدنا - وأعتقد أنه أصبح من الواضح للجميع أنه بغض النظر عمن وكيف أرادوا ترهيبنا، ومن وكيف أرادوا قمعنا، وإرادتنا، ووعينا - لم ينجح أحد على الإطلاق في أي شيء مثل هذا في التاريخ". وتابع: "لم ينجح الأمر الآن ولن ينجح في المستقبل". وأكد أنه سيتم تنفيذ الخطط وتحقيق الأهداف.

وعزا بوتين النتائج المتدنية غير المسبوقة للمرشحين الآخرين إلى أنه "في الوضع الحالي اختار ناخبو الحزب الشيوعي الروسي والحزب الديمقراطي الليبرالي التصويت لرئيس الدولة الحالي"، مشدداً على أن "هذا لا يعني أن هذين الحزبين خسرا الناخبين"، وتعهد بأن كل شيء في النظام السياسي سيبقى على حاله.

وفيما يخص حزب "أناس جدد"، أشار بوتين إلى أن "تركيز حزب الناس الجدد ينصب على خلق ظروف تنموية مواتية للأعمال التجارية الروسية"، وزاد "أما بالنسبة لحزب أناس جدد، فأنا لا أعرف ما هي النتيجة النهائية (بناءً على نتائج معالجة جميع بطاقات الاقتراع)، ولكن في الواقع، هناك نوع من الحداثة يجذب دائماً المواطنين والناس". وامتدح بوتين تركيز قيادات الحزب في الحملة الانتخابية على دعم النشاط التجاري في الاتحاد الروسي، الأمر الذي له تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي للبلاد، وقال إنه يعرف قيادات الحزب بشكل جيد، مشيراً إلى أنه "توقع دائماً بعض التغييرات والتحولات".

تصريحات بوتين حول الأحزاب الأخرى وخيار ناخبيها تهدف للتأكيد أن المنظومة الحزبية "الوطنية" فضّلت إثبات وحدتها

ومن الواضح أن تصريحات بوتين حول الأحزاب الأخرى وخيار ناخبيها تهدف أساساً إلى التأكيد أن المنظومة الحزبية "الوطنية" في البلاد فضّلت إثبات وحدتها في وجه المخاطر الداخلية والخارجية، على تحقيق مصالح ضيقة بجذب الأصوات الإضافية، ومن جهة أخرى بدا أنه يريد تأكيد وجود هذه الأحزاب مستقبلاً. ومع تخصيصه مساحة واسعة لحزب "أناس جدد"، الأرجح أن الكرملين ينطلق من أن هذا الحزب سيلعب مستقبلاً دور الأحزاب الليبرالية التي لم يعد لها وجود عملياً مع عزوف بعض رموزها عن السياسة، وتوزع مصير قادتها وناخبيها بين المنافي والسجون.

بوتين يذكر اسم نافالني للمرة الأولى

واللافت أن بوتين، الذي بدا مرتاحاً جداً بعد النتائج غير المسبوقة، نطق للمرة الأولى اسم المعارض الروسي أليكسي نافالني الذي توفي في 16 فبراير/شباط الماضي، ويحمّل أنصاره بوتين المسؤولية عن "تصفيته". وقال بوتين "أما بالنسبة للسيد نافالني. نعم، لقد توفي، وهذا دائماً حدث حزين. كانت لدينا حالات أخرى مات فيها أشخاص في السجن، لكن ألم يحدث هذا في الولايات المتحدة؟ لقد حدث ذلك، وأكثر من مرة".

وأكد بوتين المعلومات التي تسربت أخيراً عن أنه قبل أيام قليلة من وفاته، أخبره بعض الأشخاص "الذين لا يتبعون الإدارة الرئاسية أن هناك فكرة لمبادلة نافالني بعدة أشخاص في سجون الدول الغربية. ومن تحدث معي لم يكن قد أنهى جملته بعد، فقلت: موافق". وخلص إلى أنه" للأسف حدث ما حدث" أي موت نافالني.

استمرار الحرب في أوكرانيا

وعلى خلفية تقدّم القوات الروسية في جنوب شرق أوكرانيا، لم يستبعد بوتين أنه في مرحلة ما "سيتعين على روسيا إنشاء منطقة صحية في المناطق التي يسيطر عليها حالياً نظام كييف" في إشارة إلى خاركيف. وفي الوقت ذاته، قال بوتين إن روسيا تؤيد مفاوضات السلام، ولكن "ليس بسبب نفاد ذخيرة العدو وإن كانوا يريدون حقاً، وبجدية، على المدى الطويل بناء علاقات حسن جوار سلمية بين الدولتين".

بوتين: نتائج الانتخابات تظهر أن دونباس ونوفوروسيا ممتنتان لروسيا لحمايتهما

في تعليقه على نسب المشاركة العالية والتصويت شبه الكامل له في دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون والقرم، قال بوتين إن "نتائج الانتخابات تظهر أن دونباس ونوفوروسيا ممتنتان لروسيا لحمايتهما. وستبذل روسيا قصارى جهدها لضمان تحقيق آمال هذه المناطق في مزيد من الحماية والدعم".

ووسطياً كانت المشاركة في هذه المناطق أعلى من نظيراتها في عموم روسيا، مع تأييد بأكثر من 94 في المائة في المائة لبوتين في دونيتسك، وفي القرم 93.6 في المائة. ومن الواضح أن تركيز صنّاع السياسة الداخلية في الكرملين انصب على تسجيل الدعم اللامحدود لبوتين في الانتخابات، وأن الاقبال الكبير مرده إلى الفرحة بـ"العرس الديمقراطي" بعد العودة إلى حضن الوطن بعد العملية العسكرية الخاصة (الحرب) التي أطلقها بوتين وهدفت أساساً حسب الرواية الرسمية إلى حماية مواطني هذه الأقاليم من النازيين الجدد ووقف الانتهاكات المتواصلة منذ 2014، ومن أجل عودتها دفعت روسيا الكثير لذلك المشاركة مهمة في أول انتخابات والتصويت مع وجوب التصويت لبوتين أساساً.

وتكشف بيانات اللجان الانتخابية في بيلغورود وبريانسك أن المشاركة كانت قريبة من معدل المشاركة العامة في الانتخابات في البلاد عموماً، رغم تعرض بيلغورود للقصف طوال أيام الانتخابات ومقتل أربعة مدنيين، وانقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة فيها، وسقوط صواريخ ومسيّرات في مقاطعة بريانسك الحدودية.

وتؤكد لجنة الانتخابات إحباط محاولات التدخل الخارجي في الانتخابات عبر هجمات سيبرانية على موقع التصويت الإلكتروني. وذكرت اللجنة أنه تم تسجيل عدة محاولات لتعطيل عملية التصويت في مراكز الاقتراع داخل روسيا: في سان بطرسبرغ، ألقت فتاة زجاجة مولوتوف على لافتة إحدى لجان الانتخابات في الدائرة الانتخابية. وفي موسكو تم إشعال النار في حجرة التصويت في أحد مراكز الاقتراع، كما تم تسجيل حالات في عدة مراكز اقتراع، حيث تم سكب صبغة خضراء في صناديق الاقتراع.

اعتقالات واحتجاجات

في كوستروما، تم اعتقال سكرتير الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية أندريه تاراسوف. في السابق، نشر منشورا على شبكة التواصل الاجتماعي "فكونتاكتي" مع دعوة للذهاب إلى صناديق الاقتراع، كما نشر صورة للاقتراع مع نقش "لا للحرب" وشطب اسم فلاديمير بوتين.

وقالت وزارة الداخلية الروسية إنه تم فتح 61 قضية جنائية في المجمل في ما يتعلق بمحاولات تعطيل التصويت في روسيا، 23 منها بسبب تقارير كاذبة عن هجمات إرهابية عن عمد.

وأعلنت المعارضة، الأحد، مسيرة "منتصف النهار ضد بوتين". ودعت الناخبين المحتجين إلى الحضور إلى مراكز الاقتراع بحلول الساعة الثانية عشرة ظهرا. وبهذه الطريقة، سوف يتمكن أولئك الذين يختلفون مع سياسات الكرملين من مقابلة أشخاص ذوي تفكير مماثل ورؤية أنهم ليسوا وحدهم. وتعود الفكرة إلى النائب السابق في الجمعية التشريعية لسان بطرسبرغ عن حزب "يابلوكو"، مكسيم ريزنيك.

وكانت الفكرة مدعومة من قبل العديد من السياسيين المعارضين، بمن في ذلك أليكسي نافالني قبل وقت قصير من وفاته، ولكن رغم خروج الآلاف في روسيا بدا أن الحملة لم تنجح في الداخل مقارنة بما حصل في ألمانيا ودول البلطيق.

تعاملت أجهزة الأمن بسرعة مع الراغبين بالاحتجاج، وفي 17 مارس/آذار، تم اعتقال 75 شخصاً في 17 مدينة فقط. والعدد الأكبر من الاعتقالات في قازان – حوالي 29 شخصاً، ظل العديد منهم في حجز الشرطة طوال الليل. وحوالي 19 معتقلاً في موسكو، و7 في سان بطرسبرغ، وثلاثة في فولغوغراد. كما وردت أنباء عن اعتقالات في تشيليابينسك وريازان وبتروزافودسك وأوفا وبالاكوفو وبارناول وكوستروما ونوفوكويبشيفسك وتشيريبوفيتس وعدد من المدن الأخرى.