دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، اليوم الاثنين، بريطانيا إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على الحدود التي أقرتها قرارات الشرعية الدولية وعاصمتها القدس، تعويضاً للشعب الفلسطيني عمّا ألمّ به جراء إعلان بلفور المشؤوم والمجحف، فيما شهدت عدة مدن فلسطينية فعاليات احتجاجية على وعد بلفور، في ذكراه الـ103.
وقال اشتية في كلمة له، بمستهل الجلسة الأسبوعية للحكومة الفلسطينية اليوم، في مدينة رام الله: "تمرّ علينا اليوم الذكرى الـ103 لوعد بلفور المشؤوم الذي أعطى من لا يملك لمن ليس له حق، وسبّب، في ما نادى إليه، انتهاك حقوق شعبنا ودفعهم للهجرة عن مدنهم وقراهم وحقوقهم وبياراتهم".
من جانب آخر، أكد اشتية أن اتفاقية التعاون البحثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في المؤسسات داخل المستعمرات غير القانونية المقامة على الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والجولان، سابقة سياسية وقانونية خطيرة.
إلى ذلك، شدد اشتية على أن الإعلان الأميركي لبدء إدراج إسرائيل كمكان ولادة في جواز سفر المواليد في القدس المحتلة مخالفة جديدة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن "القدس مدينة فلسطينية الوجه عربية العمق، لها بعد ثقافي ديني وإنساني للمسلمين والمسيحيين، وسياسياً ووطنياً هي جزء لا يتجزأ من الأرض والعاصمة الفلسطينية الأبدية، وإن تزوير التاريخ يكشفه الحاضر".
وقال اشتية: "تتوالى عمليات الاستيطان الواسعة لتقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، ما يستوجب تحركاً دولياً واسعاً وجاداً لإدانة هذه العمليات وقطع الطريق أمام نوازع الضم للأرض الفلسطينية".
ميدانياً، انطلقت مسيرة شارك فيها عشرات الفلسطينيين نحو المدخل الشمالي لمدينة البيرة المجاورة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، أو ما يُعرف بحاجز بيت إيل العسكري الإسرائيلي المقام هناك، بمناسبة مرور مئة وثلاثة أعوام على وعد بلفور. ونظمت المسيرة القوى والفعاليات الوطنية والشعبية، فيما هتف خلالها المشاركون ضد وعد بلفور البريطاني، وصفقة القرن التي سموها وعد ترامب، كما هتفوا للوحدة الوطنية.
وأشعل شبان الإطارات قبالة الحاجز العسكري، فيما أقيمت وقفة في المكان، ورفع المشاركون شعارات تدعو إلى إسقاط صفقة القرن ومشاريع الضم والتطبيع، وتؤكد التمسك بحق الشعب الفلسطيني.
وكانت القوى قد دعت إلى فعالية بذكرى وعد بلفور 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، بإقامة وطن قومي يهودي على أرض فلسطين، وتأكيداً للتمسك بالحقوق الشعبية الفلسطينية ورفضاً لمشاريع التطبيع مع الاحتلال بعد سلسلة اتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان، وإسناداً للأسير المضرب عن الطعام لليوم الـ99 على التوالي، ماهر الأخرس.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، على هامش الفعالية لـ"العربي الجديد": "إن المؤامرة متواصلة ضد الشعب الفلسطيني، وما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية أخيراً هو استمرار للوعد المشؤوم عام 1917، من خلال محاولات تمرير صفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، بالتزامن مع التطبيع الرسمي العربي - في إشارة إلى اتفاقات تطبيع الإمارات والبحرين والسودان - التي تعطي مزيداً من أوراق القوة للاحتلال، وتضعف القضية الفلسطينية".
وأضاف أبو يوسف: "إن كل الإمكانات متاحة من أجل محاكمة بريطانيا على هذا الوعد الذي أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق، والإجراءات القانونية ماضية في هذا الإطار على مستوى المحاكم الدولية، وهناك تحضيرات لذلك".
بدوره، قال عضو تجمع القرى المهجرة عمر عساف لـ"العربي الجديد"، "إن خيار ملاحقة بريطانيا ينبغي أن يظل قائماً، بحيث يُمارَس مزيد من الضغوط الدولية والشعبية، وتقوم الجاليات الفلسطينية في العالم وبريطانيا بالضغط، ليس فقط من أجل الاعتذار، وإنما جبر الضرر عن الشعب الفلسطيني، لأن الضرر الذي لحق بالشعب الفلسطيني عبر مئة عام تتحمل مسؤوليته بريطانيا".
وحول مشابهة الوضع السياسي الحالي لوعد بلفور، وبقاء الانتظار الفلسطيني الرسمي على نتائج الانتخابات الأميركية، قال عساف: "إن ذلك يعكس عدم استخلاص الدروس من الماضي، مع بريطانيا والدول الاستعمارية، وعلى وجه الخصوص مع الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنه لا فرق بين سياسة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وأن كليهما يقف إلى جانب إسرائيل، وأضاف: "هؤلاء واهمون، يريدون بيع وهم وشراء وقت، والمطلوب أن نتجه لشعبنا، للوحدة، واستبدال خيار المفاوضات بخيار المواجهة، وأن ننفذ ما اتفقنا عليه في بيروت ورام الله أخيراً".
وفي المقابل، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح صبري صيدم لـ"العربي الجديد"، "إنه لا يوجد انتظار، هناك أمور أنضجت بصورة كبيرة، هذا الموضوع يُقاد بعيداً عن الإعلام، وبالتالي هناك الكثير من الحوارات التي تتم ولا يتم إطلاع الإعلام عليها لرغبتنا في ألا تكون هناك عوامل تخريبية أو تصريحات موتورة، ولكن الأمور متقدمة؛ نأمل بإنضاجها عبر إصدار المرسوم الرئاسي (في إشارة إلى مرسوم إقامة الانتخابات العامة الفلسطينية)، وعبر جمع الأمناء العامين للفصائل في لقاء ثانٍ نحدّد فيه معالم المرحلة المقبلة ونتجه نحو الأمام، لا مجال الآن لمواجهة كل هذه المؤامرات سوى تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء نكبتنا الثانية".
وحول الخيارات الفلسطينية، قال صيدم: "إن أهم خيار مطروح أمام الشعب الفلسطيني هو بقاؤه على أرضه وثباته، لأن معركة وعد بلفور كانت تقوم على إزاحة الشعب الفلسطيني، واعتباره أقلية، حيث تحدث نصه عن أقليات وحقوق للأقليات، وكأن الشعب الفلسطيني عابر على هذه الأرض، وبالتالي بقاؤنا وثباتنا وصمودنا ومحافظتنا على الجغرافيا قدر الإمكان هو تشديد على أن هذه المعركة لن تُحسم إلا بقرار فلسطيني، وعليه وعد بلفور ووعد ترامب وأي وعود قادمة ستسحق أمام إرادة الشعب الفلسطيني وأمام مقاومته وبقائه ووحدة حاله وتصالحه".
وإلى الشمال من الضفة الغربية، شارك الفلسطينيون، اليوم الاثنين، بوقفة احتجاجية لمناسبة الذكرى الـ103 لإعلان بلفور، في ميدان الشهداء وسط مدينة نابلس، ورفعوا الأعلام الفلسطينية واللافتات المنددة بإعلان بلفور ومشاريع الضم والتطبيع، وصور الأسير ماهر الأخرس المضرب عن الطعام منذ 99 يوماً.
وقال نائب رئيس "حركة فتح" محمود العالول، في كلمة له: "إن كل خطوات وإجراءات السياسة الأميركية عبر كل السنوات الماضية هي تنفيذ وتطبيق لإعلان بلفور ضد الشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن "بريطانيا أعطتهم وعد بلفور، وترامب أعطاهم القدس والجولان، ويشرع الاستيطان والضم، ويمارس الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني".
سفير فلسطين بتونس: سقوط الحق الفلسطيني سقوط للأمة العربية
عربياً ومن تونس، قال سفير دولة فلسطين في تونس، هائل الفاهوم لـ"العربي الجديد" إن الوعد "جاء إثر سلسلة من ترتيبات القوى الاستعمارية منذ القرن السابع عشر في المنطقة العربية. وسبقت هذه الترتيبات محاولة أخرى بإقامة قاعدة تنفيذية في المنطقة من أجل الهيمنة على كل مصادرها، علاوة عن رسالة القنصل البريطاني مطلع القرن التاسع عشر في إطار الصراع الفرنسي البريطاني حول بسط النفوذ الاستعماري، والتي أوضح خلالها أن فرنسا تغلبت على بريطانيا في المنطقة نتيجة اعتمادها على التعاون مع مجموعات أقلية، ناصحا بتشجيع هجرة يهود أوروبا إلى المشرق من أجل تشكيل قاعدة تواصل للاستمرار وتطوير الاستعمار والهيمنة".
وفسر الفاهوم أنه "بصعود الحركة الصهيونية في 1897 تم تجميع اليهود في أوروبا الشرقية وترحيلهم للمنطقة في إطار خلق هذه الهيمنة الاستعمارية لتكون فلسطين ضحية هذه الترتيبات".
وأضاف السفير الفلسطيني، أن فلسطين "كانت أيضا ضحية اتفاق سايكس بيكو الهادف لتقسيم الوطن العربي نظرا لأن قوة المنطقة في وحدتها الثقافية والحضارية باعتبارها أهم منطقة جيوسياسية في العالم، لذلك عمدت هذه القوى الاستعمارية إلى وضع استراتيجية تستهدف كامل الأمة العربية للهيمنة على مصادرها قائمة على التقسيم الحضاري وتزوير التاريخ".
وذكر الفاهوم أن "حراكا وطنيا فلسطينيا قوميا ثار ضد عمليات الاستيطان وهجرة اليهود ونقلهم إلى فلسطين آنذاك، قبيل الانتداب البريطاني، وحاولت الحركة الصهيونية ربط الصلة بالإمبراطورية العثمانية التي وإن أبدت موقفا علنيا مناهضا للهجرة، فإنها في الخفاء قبلت بذلك، حتى وإن لم يحترم المهاجرون الصهاينة مهلة الأشهر الثلاثة المسموح بها. وواجهت فلسطين، دون أي دعم خارجي، استراتيجية كونية رتبتها القوى الاستعمارية.
ووصف المتحدث ذاته ذلك بـ"المعجزة منذ خلق الكون في الصمود على الأرض وتثبيت الهوية، فما وقع على الشعب الفلسطيني إلى اليوم لو وقع على قارة أوروبا لتبخرت، لكن الفلسطينيين ما يزالون صامدين في التاريخ والجغرافية".
وشدد السفير الفلسطيني، على أن "الفلسطينيين متشبثون بأرضهم في حالة فريدة من المقاومة، جعلت مسؤولا أميركيا صهيونيا يعتبرها حالة يجب أن تدرس في الجامعات. ومهما تكن الترتيبات الجديدة التي تحاك الآن ضد الفلسطينيين لتبخيرهم فإن ذلك لن يقلل من صمودهم وعزيمتهم، وجعلوا بذلك دولا عظمى تعيد ترتيباتها وتحاول اختراق الفلسطينيين من الداخل.
وأبرز الفاهوم أن "سقوط الحق الفلسطيني يعني سقوط الأمة العربية".
إلى ذلك، اعتبر السفير الفلسطيني في تونس أن "الموقف التونسي قيادة وشعبا يبين أن التونسيين يعدون أنفسهم في نفس الخندق مع فلسطين ويتجاوز الأمر حدود التضامن والتآزر". ولفت إلى أن" التونسيين يرفضون مجرد التضامن، من ذلك تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يتحدث عن الحق الفلسطيني المطلق متجاوزا مفهوم القضية في حد ذاتها".
وبين في ذات الصدد أن تعبيرات سعيد "لا يمكن أن تقرأ بسطحية وإنما بعمق وبدلالاتها المرتبطة برهانات الأمة العربية والحق الفلسطيني الذي لا يقبل التفاوض".
من جهته، أكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال المسلم في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه بمرور أكثر من قرن على وعد بلفور "الظالم، الذي سلبت من خلاله إسرائيل أراضي ليست من حقها، وهي مظلمة تاريخية من القرن الماضي، ما زالنا اليوم نعيش على وقع نتائجها بدفع إدارة ترامب لصفقة القرن وجعل القدس عاصمة لإسرائيل ومناصرتها سياسة التمييز الإسرائيلية" على حد توصيفه.
وبين المسلم "أن القضية الفلسطينية يجب أن تأخذ اليوم منحى جديدا، منحى المناصرة العالمية من خلال حشد المنظمات الحقوقية الدولية والمؤسسات الأممية والتوجه للقضاء الدولي".