أثارت قضية اتهام عضو مجلس الشيوخ الأميركي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، السيناتور روبرت مينينديز، بتلقّي رشى من جانب مصريين، جدلاً واسعاً، وتعليقات من جانب مراقبين ومحللين، حول تأثر العلاقات المصرية الأميركية بتلك القضية.
وأعلنت وزارة العدل، أول من أمس الجمعة، عن لائحة اتهام ضد مينينديز وزوجته نادين أرسلانيان، فيما وصفه المدّعون بأنه ترتيب معقّد للمال مقابل النفوذ.
وكشف العملاء الفيدراليون وجود سبائك ذهبية وأكثر من 480 ألف دولار نقداً مخبأة في منزل مينينديز في نيوجيرسي، التي زعموا أنه تم استلامها من رجل أعمال مصري أميركي وشركاء آخرين مقابل خدمات، استفاد بعضها من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
عمرو عفيفي: ما حصل فضيحة كبرى على حساب حقوق الإنسان في مصر
وقال أستاذ العلاقات الدولية عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ضوابط لإدارة العلاقات مع الدول، لكن هذه الضوابط مرتبطة كثيرا بالمصالح، ولطالما تقوم هذه العلاقات على مستويات رسمية، وأن النظام المصري لم يكن يتوقع أن تثار قضية بهذا الشكل وفي هذا التوقيت في الولايات المتحدة، ولكن للأسف الكثير من الأمور ستتكشف خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد جهوزية النظام لما يسمى بالانتخابات الرئاسية".
وأضاف: "طبيعة الدور الذي تؤديه أجهزة المخابرات المصرية تغير، من أن تكون هذه الأجهزة معنية بشكل مركزي بقضايا الأمن القومي المصري، إلى أدوات لتنفيذ أهداف النظام السياسي، وهذا يطاول عدداً من الشخصيات، مما يعرّض هذه الأجهزة أو رموزها للملاحقات والابتزاز من الأطراف الإقليمية والدولية، في حال استمرار الكشف عن مثل هذه الممارسات".
فضيحة مينينديز
في السياق، قال مدير الأبحاث في مؤسسة "مبادرة الحرية"، عمرو عفيفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ما حصل فضيحة كبرى على حساب حقوق الإنسان في مصر، لأن الإدارتين الأميركية والمصرية تبحثان عن مخرج لما تم الكشف عنه، لما يمثل من أزمة كبيرة في التضحية بحقوق الإنسان في مقابل معونة ومساعدات لصالح دولة تنتهك حقوق الإنسان بشكل لا يمكن وصفه".
ورأى أن "الأزمة التي وقعت فيها مصر واتجاهها إلى أسلوب الرشى، يشير إلى حجم الضغط الذي تشكله المؤسسات الحقوقية في ملف حقوق الإنسان، وأن قضية المساعدات الأميركية هي الورقة الوحيدة في يد هذه المؤسسات للضغط على النظام المصري خلال السنوات الماضية".
وتابع عفيفي: "الإدارة الأميركية إن لم تتوقف عند هذه الحادثة، ستوجه لها اتهامات من أطراف عديدة بأنه يمكن شراء أي شخص فيها، أو في المؤسسات الأخرى بمقابل مادي بسيط مقارنة بحجم الذي سيمنح للراشي، كما حصل في قضية السيناتور الأميركي".
وأكد أن "ما سبق يدفعنا للاهتمام أكثر بملف حقوق الإنسان في مصر، الذي عاد للواجهة مجدداً في هذه الفضيحة، وبالتالي يستدعي مزيداً من الجهد على كافة المستويات، وعلّها تكون فرصة جديدة للضغط على النظام والدول المؤثرة لتحسين واقع حقوق الإنسان".
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن مزاعم الرشوة التي تورط فيها مينينديز، من الممكن أن "تعرّض الترتيبات المصرية الأميركية للخطر"، مشيرة إلى مساعدات واشنطن للنظام العسكري في القاهرة، على الرغم من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان. وجاء في الاتهامات أن مينينديز، الذي استقبله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، في 30 أغسطس/آب الماضي، مع وفد من الكونغرس، "عمل سراً لتعزيز المصالح المصرية في الولايات المتحدة".
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن "تهم الرشوة، تضخ عنصراً جديداً قابلاً للاشتعال في علاقة واشنطن مع القاهرة، مما يمثل اختباراً لشراكة متوترة بالفعل بسبب المنافسة الإقليمية المتزايدة والخلافات بشأن حقوق الإنسان".
واعتبرت أن "الأمر الذي قد يكون أكثر إثارة للقلق بالنسبة لإدارة الرئيس جو بايدن، لأن هناك مجموعة من المسؤولين المصريين الذين لم يتم ذكر أسمائهم، وعلى الأقل بعضهم من الجيش وأجهزة المخابرات المصرية، والذين وصفهم المدعون بأنهم يسعون للحصول على معلومات ونفوذ في التفاعلات المباشرة مع مينينديز وزوجته، أو عبر شركائهم".
ولفتت "واشنطن بوست" إلى أن "تلك الادعاءات المتعلقة بشريك أجنبي تاريخي، وأحد أبرز الشخصيات في البلاد في الشؤون الخارجية، تأتي في لحظة حساسة في علاقات واشنطن مع الشرق الأوسط، إذ تسعى إدارة بايدن إلى إعادة التركيز على الصين وروسيا مع تعزيز الأمن الإقليمي وطمأنة الشركاء أيضاً".
وبحسب لائحة الاتهام، يمنح منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مينينديز، نفوذاً خاصاً على المحفظة الأميركية الواسعة من مبيعات الأسلحة والمساعدات للقاهرة، بما في ذلك التخصيص السنوي البالغ 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي الذي جعل مصر على مدى عقود واحدة من أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية. ونفى مينينديز ارتكاب أي مخالفات، واتهم المدعين بتحريف عمله في الكونغرس. واكتفى بالاستقالة مؤقتاً من منصبه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
عصام عبد الشافي: النظام المصري لم يكن يتوقع أن تثار قضية بهذا الشكل
ومن بين التهم الواردة في لائحة الاتهام "ترتيب مزعوم وعد فيه مينينديز بتسهيل استمرار المساعدات ومبيعات الأسلحة إلى القاهرة مقابل وضع زوجته على جدول رواتب رجل الأعمال المصري الأميركي وائل حنا".
كما زُعم أن مينينديز "استخدم نفوذه مع وزارة الخارجية للحصول على معلومات غير سرية ولكنها حساسة حول الموظفين في السفارة الأميركية في القاهرة، والتي نقلتها زوجته بعد ذلك إلى حنا، ومنه إلى الحكومة المصرية".
وفي حالة أخرى، زُعم أن مينينديز التقى في مارس/آذار 2018، مسؤولين عسكريين مصريين في اجتماع رتبته وحضرته زوجته، التي كانت خطيبته في حينه، وصديقها حنا، بمكتب مينينديز في مجلس الشيوخ في واشنطن العاصمة، وتضمن مناقشات حول التمويل العسكري الأجنبي لمصر، من بين موضوعات أخرى، من دون إشراك موظفين محترفين في مجلس الشيوخ أو لجنة العلاقات الخارجية.
وتأتي لائحة الاتهام بعد أسبوع من اتخاذ إدارة بايدن قراراً يحظى بمتابعة وثيقة بشأن المساعدات العسكرية لمصر، إذ تم حجب ملايين الدولارات وفقاً لشروط حقوق الإنسان، لكنه سمح بدفع أموال أخرى من هذا القبيل.
أهمية مصر للولايات المتحدة
وفي سياق آخر، اعتبرت "واشنطن بوست" أنه "في حين تضاءلت أهميتها النسبية في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مع نمو النفوذ العالمي وثروة دول الخليج، إلا أن مصر لا تزال تحتل دوراً رئيسياً في تعاملات الولايات المتحدة مع المنطقة. ولا يزال النفوذ المصري في قطاع غزة، الذي يمثل أولوية أمنية قصوى لإسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، يمثل اهتماماً رئيسياً، وكذلك استعدادها لقمع الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء".
والجدير بالذكر أن مينينديز كان واحداً من مجموعة من المشرّعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين التقوا السيسي خلال زيارة لمصر في أواخر أغسطس الماضي. ووفقاً لتصريحات السيسي والسيناتور ليندسي غراهام، الذي كان أيضاً جزءاً من الوفد، ناقشت المجموعة موضوعات، بما في ذلك المفاوضات بين السودان وإثيوبيا ومصر حول سد النهضة الإثيوبي، والجهود الأميركية للتوسط في العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
وتحدث مينينديز بشكل دوري فيما يتعلق بحقوق الإنسان والسياسة في مصر، إذ نشر ما لا يقل عن 10 تغريدات على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) حول السجناء السياسيين أو الأمور ذات الصلة منذ عام 2019.