بعد تحقيق طويل، أصدر المدعي العام الفيدرالي لمنطقة مانهاتن في مدينة نيويورك، لائحة اتهام بالرشوة ضد السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز وزوجته وبعض المتورطين معهما، ومن بينهم رجل أعمال مصري.
الغريب في القضية أنه عُثِر لدى تفتيش منزل بوب في بدايات التحقيق على "كدسات كاش كبيرة من فئة المائة دولار محشوة في سترته مع سبيكتين من الذهب الخالص". كذلك شملت الرشوة، حسب الادعاء "سيارة مرسيدس مكشوفة" مع هدايا فخمة لزوجته.
وفي التقدير أنه بحكم موقعه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قدم في المقابل خدمات لأصحاب هذه العطاءات، ومنها الحكومة المصرية. فضيحة من صنف غير مسبوق خضّت الحزب الديمقراطي والبيت الأبيض بتوقيت انكشافها في بداية الحملة الانتخابية.
أميركا ليست معصومة من الفساد السياسي والمالي، وإن الملتوي. عرفت بعض أشكاله خلال المائة سنة الماضية، ودائماً كان "ملازماً لعمل ونشاطات الماكينة السياسية"، حسب دراسة أجرتها كلية الحقوق في جامعة هارفارد، يقول مؤلفها ماريانو فلورونتينو، إن "المصالح الكبيرة أفسدت السياسيين من خلال رشوتهم بتقديمات ومنافع عينية، مثل منحهم حصة في شركة، مقابل حصول المانح على امتيازات في علاقاته وتعاملاته مع الدوائر الحكومية". لكن هذا النمط انتهى وحلّت مكانه عملية تمويل الحملات الانتخابية التي صارت بلا حدود، إضافة إلى تكاثر اللوبيات أو مراكز الضغط المختلفة. الفساد يتسلل عبر هذه المداخل. وهنا سقط السيناتور المهدد بالسجن لمدة 35 سنة كحد أقصى، لو أدانته المحكمة في هذه القضية الفريدة. طبعاً هو أنكر وسارع إلى نفي التهمة، لكن الردود عززت الشكوك.
رئيس الغالبية في مجلس الشيوخ، السيناتور الديمقراطي شاك شومر، طالبه بالتنحي الفوري عن رئاسة لجنة العلاقات الخارجية. كذلك طالبه حاكم ولايته نيوجرسي بالاستقالة من مجلس الشيوخ.
بيد أن شطط السيناتور له جانب آخر يفسّر الاندلاق بهذا الشكل الفاضح لقبول الهدايا والذهب والاستسلام لإغراءات المال الشخصي والانتخابي. ففي المدة الأخيرة، ساد انطباع عام بأن هناك قدراً من الاستباحة للمؤسسات الرسمية عموماً، وضمنا للقانون، تراكمت مظاهره بنتيجة تقديم الحزبية والفردية على الدستور، بما أدى إلى نوع من الشلل والتدهور في الأخلاقيات والممارسات داخل بعض المؤسسات، خصوصاً في الكونغرس. ومع اجتياح هذا الأخير في يناير/كانون الثاني 2021 ومروره حتى الآن من غير محاسبة واسعة ما عدا بعض الأحكام التي صدرت بحق عدد من المشاركين، هبطت الثقة بهذه المرجعيات وصغرت هيبتها.
الكونغرس مصنع القوانين، رصيده من ثقة الأميركيين في حدود 19% فقط، وحتى البنتاغون نزل من 70% قبل خمس سنوات إلى 48%. الأهم والأخطر أن المحكمة العليا تدحرجت الثقة فيها إلى 40%، وهي التي تعتبر صمام الأمان الرئيسي للحقوق والحريات والحارس الأول والأخير للقانون. أحد قضاتها التسعة كلارنس توماس، انكشفت ضده أخيراً فضائح من الحجم الكبير، راوحت بين سفريات بطائرة صديقه الملياردير، وإقامة في فنادق فخمة على حساب هذا الأخير، وقبول مساعدات مالية لأقاربه من دون أن يقر بها لدائرة الضريبة. وفي ذلك مخالفة مضاعفة. وما زالت القصص تتوالى عن سلوكه، وأثارت اعتراضات في الكونغرس مع مطالبات بسنّ قوانين إصلاحية لضبط السلوك في هذه المحكمة الفاصلة في أحكامها، خصوصاً بعد أن تبيّن أن معظم قضاتها تقبّلوا تقديمات، وإن أقل من القاضي توماس، لكنها تنزل في خانة توظيف الموقع لمكاسب، وإن بسيطة، من نوع السفر بطائرات خاصة ومدفوع الإقامة.
هذه المشهدية تشير إلى خلل غير مألوف، وقد تمادى في السنوات الأخيرة. واليوم تأتي فضيحة السيناتور بوب لتؤكد عمقه. وفي كل حلقاته يتجه أصبع الاتهام إلى "الماكينة السياسية" وتقديم حساباتها في أحيان كثيرة على انتظام عمل المؤسسات واستقامتها. هذا ما جسدته انتخابات 2020. وثمة خشية من تكرارها في 2024. لذا، يحذر كثير من المراقبين والمؤرخين (مثل مايكل بيشلوس وجون ميتشام) من خطورة اللحظة، حيث "الديمقراطية الأميركية في الميزان".