قال مصدران مقربان من فصائل عراقية مسلحة في العاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن ما لا يقل عن 30 شخصاً خضعوا للتحقيق بشأن شبهات تورطهم بتسريب معلومات عن مكان وعناوين عدد من قيادات الفصائل التي نفذت الولايات المتحدة خلال الشهرين الماضيين عمليات اغتيال بطائرات مسيّرة طاولتهم، في بغداد وغرب ووسط البلاد، رداً على قصف قواعد أميركية في العراق وسورية.
واغتالت مسيّرة أميركية، مطلع فبراير/شباط الماضي، القائد البارز في "كتائب حزب الله" العراقية أبو باقر الساعدي، سبقه بنحو شهر واحد اغتيال المسؤول العسكري لجماعة "النجباء" أبو تقوى السعيدي، بضربة جوية نفذتها طائرة مسيرة في بغداد أيضاً، فضلاً عن ضربات أخرى نفذت بدقة استهدفت مواقع حساسة للفصائل في كل من القائم والرطبة وبغداد وجرف الصخر في بابل.
ويوم أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء، قال مصدران مقربان من "الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لعديد من الفصائل العراقية المسلحة، لـ"العربي الجديد"، إن "ما لا يقل عن 30 عضواً في فصائل مسلحة محددة، وآخرين من خارجها، خضعوا خلال الفترة الماضية للتحقيق من قبل لجنة خاصة بشأن شبهات تورط بعضهم بتسريب معلومات "مكّنت القوات الأميركية من رصد واستمكان مكان وجود قيادات مهمة في فصائل المقاومة الإسلامية".
وتستخدم فصائل عراقية مسلحة عبارة "المقاومة الإسلامية" تجاه فصائل محددة دون غيرها، وأبرزها "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، و"الإمام علي"، وهي فصائل عراقية تبنت التصعيد العسكري ضد القوات الأميركية في العراق وشرقي سورية.
وأكد أحد المصدرين أن "المعلومات حول التحقيقات التي تجري حالياً مع المشتبه بهم شحيحة، ولا علاقة لوزارة الداخلية أو الدفاع بها، إنما هي تحقيقات ترتبط بالفصائل ذاتها، وتم إطلاق سراح قسم منهم بعد التأكد منهم"، كاشفاً عن تولي "مستشارين في الحرس الثوري الإيراني تقديم مساعدات تقنية وأخرى توعوية لتحصين هواتف كبار قادة الفصائل منعاً لأي اختراق أميركي يمكن من معرفة تحركاتهم"، بحسب المصدر.
فيما أشار المصدر الآخر إلى أنه "من غير المعلوم ما إذا كانت قد تمت إدانة أحد من المشتبه بهم، لكنها تحقيقات وقد يُصار إلى إنهاء التحقيق دون إدانة أحد. هذه تحقيقات أمنية وهدفها تحصين الأمن الداخلي لفصائل المقاومة"، معتبراً أن "تغيير حمايات وسيارات ومواكب القيادات المهمة ومقرات إقامتهم اعتُمد من الأيام الأولى ضمن إجراءات احترازية".
ونفى ما يتردد على لسان ناشطين مناوئين بانتقال عدد من قيادات الفصائل لإيران بعد الضربات الأميركية الأخيرة في العراق، مؤكدا أنهم "جميعاً في العراق".
وكان زعيم جماعة النجباء أكرم الكعبي قد أكد في نهاية فبراير/ شباط أن الهدوء الحالي ما هو إلا "تكتيك مؤقت لإعادة التموضع والانتشار"، مشيراً الى أن من سماهم بـ"بعض الخونة والعملاء الذين باعوا وطنهم ودينهم وضميرهم للمحتل"، أعطوا معلومات عن المقاومة ومواقعها، لذلك "صار واجباً إعادة التموضع وحماية إخوتنا وتغيير أسلوب وتكتيكات المعركة واستكمال الجهوزية، والمفاجآت قادمة".
ونفذت جماعة "المقاومة الإسلامية"، التي تضم فصائل "النجباء"، و"كتائب حزب الله"، و"سيد الشهداء"، والإمام علي"، و"الأوفياء"، ومليشيات أخرى تُعرف بأنها مرتبطة أو مدعومة من إيران، أكثر من 180 عملية إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة على قاعدتي عين الأسد وحرير الأميركيتين في الأنبار وأربيل، غربي وشمالي العراق، إلى جانب هجمات مماثلة على قواعد أميركية شرقي سورية، ضمن الحسكة ودير الزور.
وفي الخامس من الشهر الماضي، أعلنت "كتائب حزب الله" العراقية وقف عملياتها العسكرية، مبررة ذلك بجملة من الأسباب، أبرزها منح حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الفرصة للتفاوض على إخراج القوات الأميركية من البلاد، أعقبتها مواقف مماثلة لجماعة "النجباء"، و"سيد الشهداء"، وفصائل أخرى تنضوي ضمن "المقاومة الإسلامية"، التي أخذت على عاتقها فتح جبهة ضد الأميركيين في العراق والجوار السوري الذي تسيطر عليه قوات "قسد"، رداً على الدعم الأميركي المفتوح للاحتلال الإسرائيلي في جرائمه المتواصلة بقطاع غزة.
إجراء طبيعي
الخبير في الشأن العراقي أحمد النعيمي اعتبر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التحقيقات التي تجريها بعض الفصائل المسلحة "كانت متوقعة، وهو إجراء طبيعي بمثل حالة الاختراقات الكبيرة في صفوفها والتي مكنت واشنطن من الوصول لقيادات ميدانية بتلك الفصائل وتصفيتها".
مبينا أن عمليات الاغتيال الأميركية لم تكن تستهدف مباني معروفة للفصائل، بل سيارات تسير ببغداد وأبو غريب ومنازل عادية تتخذها بعض الفصائل مقرات لها، كما في حالة القصف على القائم والرطبة في يناير/ كانون الثاني الماضي، لذا فإن الاختراق موجود، لكن من غير المعروف ما إذا كان اختراقا تقنيا أم أنه من خلال معلومات بشرية حصلوا عليها، وهو ما لا يمكن الجزم به.
والأسبوع الماضي، قالت جماعة "المقاومة الإسلامية" إن "عملياتنا ضد مستعمرات الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة ستستمر حتى إعلان الهدنة في غزة والتزام الكيان الغاصب بها"، في إشارة إلى أن قرار وقف عملياتها ينحصر بالقوات الأميركية وضمن الساحة العراقية فقط.