أبرز التدخّل العسكري لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في منطقة عفرين، شمال غربي حلب، مرة أخرى استفحال الحالة الفصائلية في الشمال السوري، وغياب أي رابط أو استراتيجية لدى فصائل المعارضة، التي لم تستطع تشكيل مرجعية عسكرية واحدة، ما يعني فشل تجربة "الجيش الوطني السوري".
ويُعد اقتحام "هيئة تحرير الشام" منطقة عفرين منذ نحو أسبوعين، التحدي الأبرز الذي واجه فصائل المعارضة في الشمال منذ عام 2017، إذ سيطرت بدعم تركي على ريف حلب الشمالي بعد طرد تنظيم "داعش"، ولاحقاً سيطرت على عفرين مطلع عام 2018 بعد طرد "الوحدات الكردية" منها.
وهددت "الهيئة" باقتحام المناطق التي تسيطر عليها الفصائل في غرب نهر الفرات كاملة، إلا أن التدخّل التركي حال دون ذلك، فاضطرت للانسحاب من عفرين، بعد أن أرست مواقع لفصائل تدور في فلكها.
أزمة الفصائل في الشمال السوري
وأبرزت الأزمة التي نشبت الحالة الفصائلية التي تعم الشمال السوري، إذ تحالفت فصائل معارضة مع "تحرير الشام" ضد "الفيلق الثالث" التابع لـ"الجيش الوطني"، والذي من المفترض أنه يضم كل فصائل المعارضة في الشمال السوري.
ولولا التدخّل الشعبي والتهديد التركي، لربما خسرت فصائل المعارضة منطقة نفوذها الأهم وهي ريف حلب الشمالي، لتخرج بذلك من المشهدين العسكري والسياسي في سورية.
أحداث عفرين أظهرت وجود ترهّل لدى فصائل المعارضة
ويزدحم هذا الشمال بالعديد من الفصائل المنضوية في تشكيلات أكبر، منها "الفيلق الثالث" والذي تشكل "الجبهة الشامية" عماده الرئيسي، و"حركة ثائرون" التي تضم: "فرقة السلطان مراد"، "فيلق الشام - قطاع الشمال"، "ثوار الشام"، "فرقة المنتصر بالله"، "الفرقة الأولى" بمكوناتها (لواء الشمال والفرقة التاسعة واللواء 112).
وانضمت إلى الحركة المذكورة مطلع العام الحالي "الجبهة السورية للتحرير" التي تضم: "فرقة الحمزة"، و"فرقة السلطان سليمان شاه"، و"صقور الشمال"، إضافة إلى "فرقة المعتصم".
كما يضم الشمال السوري تشكيلاً آخر وهو "حركة التحرير والبناء"، الذي تأسس مطلع العام الحالي بعد اندماج عدة فصائل، وهي: "أحرار الشرقية" و"جيش الشرقية" و"الفرقة 20" و"صقور الشام (قطاع الشمال)". كما ينتشر "جيش الإسلام" القادم من الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق في عام 2018 في الشمال السوري في غرب الفرات وشرقه ضمن منطقة "نبع السلام".
وإضافة إلى تشكيلات الشمال، هناك "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي شُكّلت في عام 2018 من 11 فصيلاً من الجيش السوري الحر. وتنتشر هذه الفصائل على جبهات القتال مع قوات النظام في محافظة إدلب، ولم تنخرط في الخلافات الفصائلية الدامية التي جرت في الشمال السوري منذ عام 2018.
وكانت فصائل المعارضة قد حاولت تحت الضغط الشعبي تشكيل جيش واحد يكون المرجعية العسكرية لقوى الثورة والمعارضة، وينهي فوضى السلاح، وتعدد الولاءات، وغياب المرجعية العسكرية الواحدة والصلبة لهذه الفصائل.
وأعلن بدفع تركي عن تشكيل "الجيش الوطني السوري" في ديسمبر/كانون الأول 2017، من "الحكومة المؤقتة"، التابعة للائتلاف الوطني السوري، إلا أن الوقائع أثبتت لاحقاً أن هذا الجيش لم يستطع الحد من ظاهرة الفصائلية، بل تعمّقت أكثر مع اشتداد تنافس الفصائل على النفوذ في الشمال السوري محدود الموارد.
ورأى المحلل السياسي في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان، أن اقتحام "هيئة تحرير الشام" منطقة عفرين شمال غربي حلب "أحدث تعقيداً جديداً في التحالفات وعلاقاتها سواء الداخلية أو الخارجية". وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "تحالف فصائل تابعة للجيش الوطني مع هيئة تحرير الشام سمح للهيئة بمد نفوذها في ريف حلب الشمالي".
يُعد اقتحام "هيئة تحرير الشام" منطقة عفرين منذ نحو أسبوعين، التحدي الأبرز الذي واجه فصائل المعارضة في الشمال منذ عام 2017
وكان الصراع الأخير في الشمال السوري قد تفجّر إثر مقتل الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي في مدينة الباب. ودلت التحريات على أن قادة في فصيل "فرقة الحمزة" كانت وراء عملية اغتياله، وهو ما استدعى تحرك "الفيلق الثالث" التابع لـ"الجيش الوطني" لمحاسبة هذا الفصيل، فاستنجدت الفرقة بـ"هيئة تحرير الشام" التي تحركت واستولت على عفرين من دون مقاومة واسعة.
تحديات الفصائل مستقبلاً
ورأى المحلل السياسي في مركز "الحوار السوري" ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن اقتحام "تحرير الشام" عفرين وتهديدها ريف حلب الشمالي، وضع أمام فصائل المعارضة العديد من التحديات، أبرزها "غياب المؤسسة الحقيقية التي تجمع الفصائل، فلا مؤسسة الجيش الوطني، ولا حتى التجمعات والكتل قادرة على ربط الفصائل بقرار واحد واستراتيجية واحدة، وهذا ما يُنذر بكارثة أكبر".
وأشار إلى أن ما جرى في عفرين "أكد وجود ترهّل وضعف إعداد في الفصائل التي قاتلت الهيئة، فصار الاعتماد على تشكيل من دون آخر، وعلى مجموعة من دون أخرى"، مضيفاً: "هذا ما يُنذر كذلك بخطر آخر إن اضطررنا لمواجهة مفتوحة مع نظام بشار الأسد وحلفائه".
وتساءل جمول: "فهل هذه الفصائل بما عندها من عتاد وعناصر قادرة على الصمود أو التحرير؟ أرى الجواب مخيفاً". وتابع: "ما يُخشى منه كذلك هو ضعف ثقة الحاضنة بالفصائل والقيادات العسكرية، فما يمكن تسميته انتصار قوى الثورة الوطنية أو انكساراً مؤقتاً لمشروع أبو محمد الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام)، وانسحابه الجزئي، لم يكن بقوة الفصائل وثباتها أمامه مع الأسف".
وأشار إلى أن فصائل المعارضة "وقّعت بعد يومين من المواجهة على اتفاق مرعب يبيح المنطقة المحررة كلها أمامه (الجولاني)، فكان الحراك الثوري سبباً في إعادة الروح لبعض الفصائل، وتجديد المواجهة ضد الجولاني". ومضى بالقول: "القرار اليوم في الشمال السوري لقوى الحراك الثوري التي لم تعد تثق بالفصائل، فضلاً عن ضعف ثقتها من قبل بالقيادة السياسية".