بعد شيوع خبر استسلام مئات العناصر من جماعة "بوكو حرام" أخيراً للجيش النيجيري، ازداد الاهتمام بعملية "الممر الآمن" (سايف كوريدور)، التي أطلقتها الحكومة في عام 2016 كبرنامج لإعادة تأهيل المسلحين ودمجهم. لكن بعد خمس سنوات على العملية، لا يبدو أنها في مسار النجاح لأسباب عدة. وأُطلقت العملية بموازاة تكثيف الجيش النيجيري هجماته على "بوكو حرام"، منشئاً لهذه الغاية مخيمات للنزوح في شمال شرقي نيجيريا، باتت تضمّ حالياً نحو مليوني شخص هربوا من الجماعة. إلا أنه لا يتم قبول الجميع في البرنامج، بل تُدرس ملفات المقاتلين بعناية لاختيار الذين يشكلون تهديداً "ضعيفاً"، قبل نقلهم إلى مركز في مدينة ملام سيدي في ولاية غومبه، شمال شرقي البلاد.
يُطلق الجهاديون على مراكزهم في نيجيريا أسماء أفغانية وعراقية
وعلى مدى ستة أشهر يتابعون حصصاً لمحو الأمية وتدريباً مهنياً ودينياً، ويتلقون مساعدة نفسية اجتماعية. وخصصت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ملايين الدولارات لتمويل هذا البرنامج المدعوم من المنظمة الدولية للهجرة، بالتعاون مع الجيش النيجري. في هذه المخيمات يتكرر المشهد نفسه مع رجال هزيلين يجلسون على حصائر ويخيّطون قبعات تقليدية لمحاربة الملل، ونساء يحضرن الطعام في أقدار كبيرة فيما الأطفال يلهون بين الأكواخ المتفرقة. من بين هؤلاء أربعة رجال، عليو وأبو بكر ومحمد ومالام، الذين تم تغيير أسمائهم، ولم يتصوروا أن مستقبلهم سيكون على هذا النحو. وبعد سنوات من اعتقالهم في زنزانات قذرة، صُدموا مع انضمامهم إلى برنامج إعادة التأهيل، من وجودهم في المخيم من دون مال ولا عمل، بعيداً عن الانطلاقة الجديدة التي وعدتهم بها الحكومة. الرجل الأول، أبو بكر، يبلغ من العمر 48 عاماً، وكان يزرع حقله ولا ينقصه شيء حين اجتاحت "بوكو حرام" بلدته في ولاية بورنو، مركز التمرد. وتحدث الرجل، الأب لثلاثة أطفال: "بدأت مداخيلي تتراجع لكنهم كانوا يصادرون المحاصيل، وحتى الطعام الذي أعده. كانوا يراقبوننا وكنا عالقين في فخ. لم يكن لدينا خيار آخر فهم كانوا مسلحين". وأوضح أنه سمع عبر الإذاعة أن الحكومة تدعو المدنيين إلى ترك المناطق التي تحتلها "بوكو حرام". وقال "هربنا تحت جنح الظلام، وكنا نحو مائة شخص". مالام (52 عاماً)، كان يزرع الذرة البيضاء واللوبياء في بلدة أخرى من ولاية بورنو. وعند وصول الجهاديين إليها أمروا الرجال بإرخاء اللحى والنساء بملازمة المنازل، ويروي أنه عوقب بثمانين جلدة لأنه اشترى سجائر. وقال، وهو أب لخمسة أطفال: "كنا ندرك أنهم سيقتلوننا يوماً، لأننا لا نقبل بهم". لكن أبو بكر ومالام أوقفا بعد سيطرة الجيش على المنطقة واقتيدا بعد الاشتباه بدعمهما للجهاديين إلى ثكنة جيوا، حيث ظروف التوقيف صعبة جداً في مايدوغوري، عاصمة بورنو. وحول قضيتهما، اعتبر المتحدث باسم الجيش أونيما نواشوكوو أن مالام وأبو بكر "كانا ضالعان بالتأكيد طوعاً أو بشكل غير طوعي". وقال إن مبدأ الجيش يقوم على أن أي نشاط يؤدي إلى توفير المؤن والوقود أو الأدوية لـ"بوكو حرام" حتى تحت الإكراه، يكفي ليصبح الشخص مشبوهاً. أما المقاتلان السابقان عليو ومحمد، اللذان أودعا في ثكنة جيوا أيضاً بعد استسلامهما، فيحتفظان بذكرى مريرة. وقال محمد: "قالوا لنا إننا سنمضي شهرين إلى ثلاثة أشهر في جيوا، لكننا بقينا 18 شهراً".
مبدأ الجيش يقوم على أن أي نشاط يؤدي إلى توفير المؤن والوقود أو الأدوية لـ"بوكو حرام" حتى تحت الإكراه، يكفي ليصبح الشخص مشبوهاً
وكان محمد (25 عاماً)، طفلاً يتسول في الشارع عندما التقى شخصاً حدثه عن محمد يوسف، مؤسس "بوكو حرام". وقد أصبح هذا الرجل مرشده وأرسله إلى مدرسة قرآنية في "الفلوجة"، إذ يطلق الجهاديون على مواقع في نيجيريا أسماء عراقية أو أفغانية، قبل أن يخوض "الجهاد". وروى محمد، وهو أمّي: "كنت أتشوق لخوض القتال، مدركاً أننا في حرب ضد الحكومة. وكانوا يقولون لنا إن هذا هو السبيل الصحيح". في المقابل، كان عليو في الثامنة عشرة عندما بدأ جار له يحدثه عن "الحكومة الفاسدة" ويعطيه المال ويحدثه عن رؤيته للإسلام، وبدأ يسلك عندها "طريق التطرف". وفي أحد الأيام غادر قريته وترك أهله وصولاً إلى غابة سامبيسا، معقل "بوكو حرام" الرئيسي. وبعدما تابع دروساً قرآنية وتدرب على استخدام السلاح، أصبح عليو، البالغ من العمر 28 عاماً، مهرّب أسلحة ومن ثم مقاتلاً يشارك "في هجمات كبيرة". وحول تجربته القتالية، قال: "فعلنا ذلك بدافع ديني. كان ذلك واجبنا". وأفاد الرجلان بأنهما كانا عنصرين في "بوكو حرام" لستة أشهر، لكن حماسة البدايات تراجعت تدريجياً بسبب سلوك رفاق السلاح، من "قتل وسرقة، وهو أمر مخالف لتعاليم الدين، وتعاطي المخدرات".
(فرانس برس)