انهار مؤخراً ائتلاف لمجموعات معارضة إيرانية في المنفى كان تشكّل مع تفجر الاحتجاجات ضد السلطات العام الماضي، حيث سارع وقتها ممثلو الإيرانيين في الشتات للبحث عن وحدة لطالما سعوا إليها.
ومنذ أنهت الثورة الإسلامية عام 1979 حكم الشاه محمد رضا بهلوي، عُرف عن الإيرانيين انشغالهم بالخلافات الداخلية بدلاً من معارضة القيادة الدينية في إيران.
"ميثاق مهسا"
لكن الاحتجاجات غير المسبوقة التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني، 16 أيلول/ سبتمبر 2022، بينما كانت موقوفة لدى السلطات بشبهة انتهاكها قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء، خلقت زخماً جديداً لمساعدة الإيرانيين في الداخل عبر تشكيل حركة موحّدة في الخارج.
وفي شباط/ فبراير من هذا العام، انضم نجل الشاه رضا بهلوي إلى شخصيات أخرى لطالما كانت غارقة في الخلافات لتأسيس "التحالف من أجل الديمقراطية والحرية في إيران"، وهو ائتلاف نشر حينذاك "ميثاق مهسا" الذي اعتُبر خريطة طريق تحدد مساراً للانتقال إلى ديمقراطية علمانية.
وإضافة إلى بهلوي، الذي يتّخذ من الولايات المتحدة مقراً، يشمل التحالف شيرين عبادي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والناشطة مسيح علي نجاد إلى جانب الإيراني الكردي عبدالله مهتدي، من حزب "كومله"، والناشط حامد إسماعيليون، الذي فقد زوجته وابنته عندما أسقطت إيران طائرة أوكرانية عام 2020.
لكن إسماعيليون، الذي لعب دوراً رئيسياً في تنظيم المسيرات التي خرجت في الغرب دعماً للاحتجاجات، أعلن انسحابه بعد أقل من شهر على تشكيل المجموعة مندداً بـ"أساليبها غير الديمقراطية" في انتقاد لبهلوي.
وحذا حذوه كل من عبادي وعلي نجاد ومهتدي، مشيرين إلى أن "الوضع لم يعد يسمح بأن نواصل تضامننا"، ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لوفاة أميني، تبخّرت الوحدة المأمولة.
"أكثر انقساماً من النظام"
وقال المحاضر الرفيع في جامعة "كليمسون"، آرش عزيزي، إن بهلوي كافح للتصالح مع أنصاره القوميين عبر ضم شخصيات من يسار الوسط مثل علي نجاد وإسماعيليون فضلاً عن الكردي مهتدي.
وقال عزيزي، الذي ألف كتاباً سيصدر قريباً عن الاحتجاجات بعنوان "ما يريده الإيرانيون: نساء، حياة، حرية"، إن ذلك "يعكس تناقضات لطالما واجهها بهلوي: بينما يتبنى هو أجندة فضفاضة ليبرالية وجامعة، يعتنق كثر ضمن قاعدة أنصاره وشخصيات مقرّبة منه سياسات شوفينية عدائية".
وظهرت أهمية وحدة من هذا النوع عندما حضر كل من بهلوي وعلي نجاد مؤتمر ميونخ للأمن في شباط/ فبراير الماضي، ما أظهر الفوائد الهائلة للتحدّث بصوت واحد.
لكن كثيرين في الشتات لا يثقون ببهلوي، الذي لم ينأ بنفسه عن حكم والده الاستبدادي، رغم إصراره على أنه لا يسعى لإعادة الحكم الملكي في إيران.
وبقيت إحدى مجموعات المعارضة الإيرانية في المنفى الأكثر تنظيماً "مجاهدي خلق" خارج الائتلاف، إذ إنها تعارض بهلوي بشدّة، لكن يزدريها العديد من المعارضين في المنفى لوقوفها إلى جانب بغداد خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).
في الأثناء، ساد التوتر ضمن الائتلاف بشأن قضايا السيادة الذاتية الإقليمية، إذ يعارض بهلوي وأنصاره بشدّة أي مقترح مرتبط باللامركزية لصالح الأقليات غير الفارسية في إيران مثل الأكراد.
وأشارت الممثّلة والناشطة، نزانين بونيادي، التي كانت أيضاً عضواً في الائتلاف الأساسي، إلى أن "الانقسامات القديمة، اليسار مقابل اليمين والملكية مقابل الجمهورية، توسّعت وتعمّقت" بعد تشكّل الائتلاف.
وكتبت في مقال نشره موقع "إيران واير" أنه "في نهاية المطاف، أثبتت المعارضة أنها أكثر تصدّعاً من النظام. طالما أن النظام موحّد ونحن منقسمون، فسيبقى في السلطة".
"لحظة تفكّر"
مع اقتراب 16 أيلول/ سبتمبر، ذكرى وفاة مهسا أميني، شدد بهلوي على أنه ملتزم بالوحدة ودعا إلى تنظيم تظاهرات جديدة في ذلك اليوم، وفي رسالة عبر الفيديو، وصف التاريخ بأنه "فرصة مهمة" للإيرانيين من مختلف شرائح المجتمع "لتوحيد صفوفهم وإطلاق موجة جديدة لثورتنا الوطنية".
كما سعى بهلوي لتبني نبرة معتدلة في مقابلة أجرتها معه مجلة "بوليتيك إنترناسيونال" الفرنسية، مشيراً إلى أن هدفه يتمثّل بـ"التفاف الشعب الإيراني حول الأفكار الديمقراطية والعلمانية" ورفض أي احتمال بـ"تغيير النظام" الإيراني عبر تدخل عسكري.
وقال عزيزي إن انهيار "التحالف من أجل الديموقراطية والحرية في إيران" كان "لحظة تفكّر"، خصوصاً فيما تسعى السلطات للتأكيد على موقفها عبر إبرام اتفاقيات دبلوماسية في الساحة الدولية مع تكثيف الضغوط داخلياً.
وقال "مع اقتراب ذكرى وفاة مهسا، يرجّح أن تعيد بعض الشخصيات في الشتات النظر في الطرق التي يمكن من خلالها الوقوف صفاً واحداً ضد النظام، ربما انطلاقاً من التظاهرات الحاشدة التي يرجّح بأن تنظّم في ذلك اليوم".
(فرانس برس)