أثار طلب وزيرة العدل التونسية من النيابة العامة فتح تحقيقات في ملابسات وفاة الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي، جدلا في تونس، معتبرين أنها "زوبعة في فنجان" لإلهاء الرأي العام عن الأزمة التي تمر بها البلاد، وسط مخاوف من توظيف القضية سياسيا.
وكشف المتحدث الرسمي باسم محكمة الاستئناف في تونس الحبيب الطرخاني، أمس الثلاثاء، عن تقدم وزيرة العدل ليلى جفال بطلب إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف لفتح تحقيق في ملابسات وظروف وفاة الرئيس الراحل السبسي، وذلك طبقا لأحكام الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية.
وأكّد الطرخاني، أنّ قاضي التحقيق المعني بالبحث في ظروف وفاة السبسي سيقوم بالاستماعات والمكافحات اللازمة من أجل البحث عن الحقيقة.
وكان الناشط السياسي الشيخ محمد الهنتاتي، قد قال في برنامج تلفزيوني، الأحد الماضي، إن السبسي "مات مقتولا في المستشفى والرئيس قيس سعيد يعلم ذلك"، متهما "حركة النهضة" بالوقوف وراء مقتله. وطالب وزارة الدفاع بكشف الحقيقة أمام الشعب التونسي.
وتعد شخصية الناشط الهنتاتي مثيرة للجدل، طالما أثارت تصريحاته وتعليقاته ضجة إعلامية، حيث دأب على حث التونسيين على الإفطار في رمضان قبل إعلان الإفتاء عن موعد العيد. ويعرف الهنتاتي نفسه على أنه دكتور وعالم دين وأنه من قيادات "حركة النهضة" قبل أن ينقلب عليها ويستقيل ليصبح من أشد المعادين لها ولـ"ائتلاف الكرامة"، كما ساند احتجاجات 25 يوليو/ تموز أمام البرلمان، وكان من أبرز مساندي الانقلاب والمدافعين عنه في ذات الوقت.
من جانبه، وقال الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي في تدوينة له على "فيسبوك"، اليوم الأربعاء، تعليقًا على قرار وزيرة العدل، إن"دائرة الهذيان تتسع، وأن الحادثة بمثابة ضحك كالبكاء على وطن هو اليوم مثل باخرة تغرق تدريجيا في المحيط والربان لا همّ له إلا اتهام مجهول بالتخطيط لاغتياله؛ بل وحتى لاغتيال سابقيه".
من جهته، اعتبر حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الراحل، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، أنّ "فتح تحقيق حول ظروف وفاة والده رغم مرور عامين ونصف، شيء إيجابي لمعرفة الحقيقة"، قائلا "كنت قد أثرت سابقا هذه الشكوك حول التوقيت وظروف وفاته رغم كلّ الجهود المبذولة والإحاطة القيّمة للطاقم الطبي المدني والعسكري مع تجديد شكري الجزيل لهم جميع".
وأكد أنه من حقّ الشعب التونسي وعائلته معرفة حقيقة أسباب وفاته بعد "ما شهدته تلك المرحلة من تجاذبات وصراعات على السلطة والمعاملة المهينة التي تعرضت لها شخصيًا بعد وفاته".
وأشار حافظ قائد السبسي إلى أنّ "مغادرته للوطن كانت غصبا عن إرادته، حيث تمّ تهديده ومحاولة إلصاق تهم كيدية له ولعائلته"، قائلا "أعتقد أنّ هذا كان له علاقة بملف وفاة والدي لطمس الحقيقة، ولا ننسى أيضا أنّ عدم توقيع الرئيس الراحل على تعديل القانون الانتخابي الإقصائي ومرضه المفاجئ ثمّ وفاته قبل 3 أشهر من تاريخ الإنتخابات التشريعية والرئاسية، غيّر الوضع السياسي كليا في تونس".
وأضاف "تبقى هذه الشكوك قائمة، وأتمنى أن يزيل هذا التحقيق الضبابية وينير الحق .. فالحق يعلو ولا يعلى عليه".
بدورها، علقت الناشطة نزيهة رجيبة على صفحتها عبر "فيسبوك" قائلة، "أكثر من عامين لم نسمع صوت حافظ قائد السبسي، والآن يتكلم ويقول من حق الشعب التونسي أن يعرف كيف توفي رئيسه"، وأضافت "عندما تكون عندي شكوك كون والدي قتل، لا أبرح تونس وأجري في كل اتجاه حتى أظهر حق والدي، ولكنه انتظر الهنتاتي، والناس جميعا (إعلاما وسياسيين وقضاء) مثله انتظروا".
وأكد المحلل السياسي شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذه "القضية متعلقة بوضع القضاء والعدالة في تونس وما أثاره رئيس الجمهورية في عديد المرات من تشكيك في القضاء معتبرا إياها عدالة فاسدة، و مؤكدا توجهه نحو إصلاح هيكلي وجذري للقضاء".
وبيّن بن عيسى أن قضية السبسي تأتي في نفس إطار الحكم على الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وما أثارته من الشكوك والريبة واستهجنها الكثيرون من المتابعين والمدافعين عن حقوق الإنسان والحق في التعبير .
وتابع "هذا القضاء الذي يرفع الرئيس شعار تطهيره وإصلاحه ونزع اليد السياسية السابقة في حكومة المشيسي والتي قبلها، أصبح اليوم شبه خاضع لوزيرة العدل التي تأتمر بأوامر رئيس الجمهورية".
وأكد بن عيسى أن إثارة القضية بالسرعة القياسية تأتي بسبب علاقة الاتهامات بالخصم السياسي لرئيس للجمهورية وهي "حركة النهضة"، مشيرًا إلى أنه كان من الأولى فتح تحقيق حول هذا الأمر منذ زمن، أي منذ وفاة السبسي، خصوصا أنه أثيرت عديد الشبهات والتهم في علاقة بخصومته الحادة والكاسرة للعظام مع رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، على حد قوله.
واستغرب المحلل "أسباب عدم فتح سعيد للقضية بعد سنتين من وجوده على رأس السلطة التنفيذية"، مشيرًا إلى أنه "قد يصدق أن إثارة هذه القضية فقط للإلهاء عن قانون المالية للعام 2022 الذي لا يستجيب للحد الأدنى مما ينتظره التونسيون لتحسين وضعهم المعيشي والتشغيل والتنمية.
وقال إن "أغلب الظن أن رئيس الجمهورية يريد استغلال القضية في إطار خصومته السياسية مع (حركة النهضة) التي اتهمها الهنتاتي ويريد أن يعمق هذا الأمر".
وتابع بن عيسى "كان الأولى النأي بهذه القضية عن التجاذبات السياسية حتى تتحقق العدالة وأن يفتح بحث تحقيقي في القضية باعتبارها تهم رئيس الدولة السابق".
وتوفي السبسي يوم 25 يوليو/تموز2019 عن 93 عاما بالمستشفى العسكري في تونس العاصمة، بعد معاناة من المرض، حيث تزامنت وفاته مع تاريخ احتفال البلاد بذكرى عيد الجمهورية 25 يوليو/تموز 1957.