"فاينانشال تايمز" ترصد تدمير الجيش الإسرائيلي 12% من القرى اللبنانية الحدودية

03 نوفمبر 2024
تفجير متزامن للبيوت في قرية العديسة بجنوب لبنان (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرضت بلدة العديسة في جنوب لبنان لتفجيرات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى تدمير عدد كبير من المنازل ضمن شريط أمني بعمق 3 كم، مع استمرار الهجوم البري.
- أثارت عمليات الهدم انتقادات واسعة، حيث نزح أكثر من مليون شخص، واعتبر خبراء أن تدمير البنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره حتى لو كانت تستخدم لأغراض عسكرية.
- الموسيقار اللبناني لبنان بعلبكي يعتزم إعادة بناء منزل عائلته المدمر، مؤكداً على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي في وجه العدوان.

تعرضت 12 بلدة لهدم خطوط كاملة من المباني عبر تفجيرات مدروسة

تدمير القرى يدحض ما تدعيه إسرائيل من أن حربها ضد حزب الله

غالانت: تطهير الشريط الحدودي ضروري لتدمير بنية حزب الله التحتية

تعرضت بلدة العديسة في جنوب لبنان بين 21 و23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتفجير عدد كبير من منازلها بشكل متزامن من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تسويتها بالأرض. وتنقل فاينانشال تايمز عن وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، قوله إن تطهير الشريط الذي يبلغ عمقه ثلاثة كيلومترات، والذي أطلق عليه اسم "الحزام الأول"، ضروري لتدمير "البنية التحتية لحزب الله"، مضيفاً أن الهجوم البري لقواته على لبنان سيستمر "ما دام ذلك ضرورياً".

ووفقاً لتحليل الصحيفة البريطانية لصور الأقمار الصناعية وبيانات الرادار التي قدمها كوري شير، الباحث في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، وجامون فان دين هوك من جامعة ولاية أوريغون، فقد تضرر أو دمر أكثر من 12% من المباني على الجانب اللبناني من الحدود خلال الأسابيع الأربعة الماضية.

وسجّل الاحتلال عملية تفجير المباني في بلدة العديسة، وبثّها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بين المباني المدمرة منزل يعود لعائلة الموسيقار اللبناني المعروف وقائد الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية، لبنان بعلبكي، الذي التقته فاينانشال تايمز. وكان بعلبكي طوال الفترة الماضية من عمر العدوان الإسرائيلي على لبنان يتمسك بالأمل في نجاة منزل عائلته الذي بناه والده بشق النفس على مدى 25 عاماً، ودفن فيه والداه، والذي تحول إلى متحف ومركز ثقافي، إلا أن مقطع الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال الأسبوع الماضي حطم هذا الأمل، وتحول المنزل إلى أنقاض. يقول بعلبكي: "لقد كان الأمر مدمراً بالنسبة إلينا جميعاً"، في إشارة إلى أشقائه الستة، ومن بينهم أخته المطربة سمية وشقيقه أسامة، وهو فنان معروف، وأضاف: "أنا في الثالثة والأربعين من عمري، لذا أشعر بأنني فقدت 43 عاماً من عمري بهذا الدمار".

تُعَدّ العديسة واحدة من 30 بلدة وقرية لبنانية حدودية على الأقل ألحقت بها إسرائيل أضراراً كبيرة منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول، ووفقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو قامت به الصحيفة الأميركية تعرضت 12 بلدة على الأقل لهدم خطوط كاملة من المباني في تفجيرات متحكم بها ومتزامنة من قبل جيش الاحتلال. وتشير عمليات هدم القرى والبلدات هذه إلى سعي إسرائيلي لتطهير شريط يبلغ عمقه حوالى ثلاثة كيلومترات على طول الحدود غير الرسمية بين البلدين لتحويله على ما يبدو إلى منطقة عازلة.

وتكشف لقطات جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهر الماضي عن عدة تفجيرات متحكم بها سوّت مساحات كبيرة من الأحياء السكنية بالأرض في ضربة واحدة مثل قرى محيبيب والضهيرة التي فُجِّر مسجد واحد على الأقل من مساجدها الثلاثة. وفي العديسة، كانت هناك خمس عمليات تفجير متزامنة لمساحة كبيرة من المباني.

كانت القرى الجنوبية على خط المواجهة بين حزب الله وإسرائيل طوال العام الماضي، ولكن الهجمات الإسرائيلية أخذت اتجاهاً أعنف منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي مع شنّ الاحتلال عدواناً واسعاً على لبنان، وفي مطلع أكتوبر بدأ عمليات توغل بري. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي على الجبهة الشمالية للصحيفة إن العمليات الأخيرة التي نفذتها إسرائيل في الخط الأول من القرى عبر الحدود: "كانت ضد أصول مختارة للغاية لحزب الله"، مشيراً إلى أن "إسرائيل كان لديها هدف واضح للغاية يتمثل باستهداف قوات حزب الله النخبوية لإزالة تهديد أي هجوم بري في المستقبل". وأضاف أن "البنية التحتية العسكرية لحزب الله كانت في الغالب داخل المساكن المدنية في القرى"، بحسب زعمه. ويرى خبراء تحدثت معهم فاينانشال تايمز أن التدمير الممنهج لقرى الجنوب يدحض ما تدّعيه إسرائيل من أن حربها هي مع حزب الله وليس مع الشعب اللبناني. ويرفض ألونسو غورميندي دنكلبيرغ، الخبير في القانون الدولي في كلية لندن للاقتصاد، الطرح الإسرائيلي بأن هذه القرى هي أهداف عسكرية مشروعة. ويقول إن "وجود البنية التحتية لحزب الله في منطقة مدنية لا يكفي لتبرير هدمها، حتى لو كان من الممكن استخدام هذه المباني ضد إسرائيل في المستقبل" مضيفاً: "لا يمكن اعتبار ذلك متناسباً".

وفي لبنان يُنظر إلى تصرفات إسرائيل بسخرية. لقد نزح أكثر من مليون شخص (أي واحد من كل خمسة لبنانيين) بسبب الحرب وأوامر الإخلاء الإسرائيلية. ويقول الجنرال المتقاعد في القوات المسلحة اللبنانية أكرم كمال سريوي لفاينانشال تايمز: "هناك سببان لاستخدام إسرائيل لاستراتيجية التفجيرات هذه، الأول هو فسح المجال أمام التوغلات المحتملة في عمق لبنان في منطقة يحتفظ بها حزب الله باليد العليا وسببت خسائر كبيرة لإسرائيل. والثاني أن إسرائيل تبنت استراتيجية الأرض المحروقة من أجل شنّ حرب نفسية على قاعدة حزب الله من خلال بثّ هذه التفجيرات على شاشات التلفزيون، وهو ما لن ينجح أبداً".

وعن الحجة الإسرائيلية بأن هذه التفجيرات جاءت لتدمير الأنفاق، قال سريوي إن هناك وسائل أخرى، مثل صبّ الخرسانة، مشيراً إلى أن هدمها بهذه الطريقة يدل على أن قوات الاحتلال تواجه صعوبات في القتال في المنطقة، ولذلك تسعى لتدميرها بسرعة، مضيفاً: "إذا كنت تحاول هدمها بهذه السرعة، فذلك لأنها تواجه صعوبة في القتال في الجنوب".

في الضهيرة، وهي بلدة زراعية تبعد أقل من كيلومتر واحد عن الحدود، أدت عمليات التفجير المتزامنة فيها إلى تسوية جزء كبير من وسط المدينة بالأرض، بما في ذلك أحد مساجدها الثلاثة. وظهرت مجموعة من جنود الاحتلال يراقبون انهيار المسجد، وقال أحدهم قبل أن يبدأ مع زملائه بالغناء الديني: "يا له من حدث".

وبالعودة إلى الموسيقار بعلبكي، الذي يبدي عزمه على العودة إلى العديسة وإعادة بناء منزل العائلة، حيث كان والده الفنان الراحل عبد الحميد بعلبكي، المعروف بلوحاته التصويرية، قد حول منزل العديسة إلى مركز ثقافي ومكان لعرض أعماله باستخدام راتبه، وهو مدرس الفن، لدفع تكاليف البناء في أثناء تربية أطفاله السبعة. وكان المنزل/المتحف مليئاً بمجموعته من الأعمال الفنية والفخار، بالإضافة إلى ألفي كتاب ومخطوطة. يقول لبنان بعلبكي: "كان مشروعاً عاطفياً للغاية بالنسبة إليه وإلينا جميعاً لأننا نشأنا مع هذا الحلم"، مؤكداً: "الآن وأكثر من أي وقت مضى، نؤمن بأهمية إعادة بناء هذا المتحف".