حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الأحد، السياسيين في لبنان على "العمل معاً من أجل حلّ الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة"، مؤكداً أنه "بالنظر إلى معاناة الشعب اللبناني لا يحق للزعماء السياسيين أن يبقوا منقسمين ويشلّوا البلد".
وأكد غوتيريس أن "لبنان يواجه لحظات صعبة جداً، ولكن هذا الشعب ممتاز، وأدعو الزعماء اللبنانيين أن يستحقوا شعبهم".
لقاء بين الرئيس عون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس pic.twitter.com/XqV3sHSc0K
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) December 19, 2021
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس اللبناني ميشال عون، الأحد: "تناقشنا في كيفية تقديم أفضل دعم للشعب اللبناني من أجل تخطي الأزمة الراهنة وتعزيز السلام والاستقرار والتنمية المستدامة".
وأضاف: "أتيت ومعي رسالة واحدة بسيطة، وهي أن الأمم المتحدة تقف متضامنة مع الشعب اللبناني، ويجب زيادة الدعم الدولي. إذ على سبيل المثال خطة الاستجابة الإنسانية تعتمد 11 بالمائة منها على جمع التبرعات ونحتاج لتضامن أكبر، ولكن الشعب اللبناني يتوقع أيضاً من زعمائه أن يعيدوا ترميم الاقتصاد ويؤمنوا حكومة ومؤسسات عامة فاعلة، ويضعوا حداً للفساد ويحموا حقوق الإنسان".
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أن "الانتخابات العام المقبل ستكون مفصلية، ويجب أن ينخرط الشعب اللبناني انخراطاً كاملاً في اختيار الطريق الذي تسلكه البلاد إلى الأمام، ويجب أن تحظى النساء والشباب بكل فرصة للعب دورهم بالكامل، فيما يكافح لبنان لتجاوز تحدياته الجمة ويرسي قواعد مستقبل أفضل، والأمم المتحدة سوف تدعم لبنان في كل خطوة يخطوها على هذا الدرب".
ولفت غوتيريس إلى أنه "في إطار التزامنا إزاء استقرار لبنان، سأقوم بزيارة قوات اليونيفيل في جنوب البلاد، ومن المهم للغاية التزام التطبيق الكامل للقرار 1701 (وقف الأعمال العدائية بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي) والحفاظ على وقف الأعمال العدائية على طرفي الخط الأزرق وخفض حدة التوتر بين الجانبين، ومن الضروري تفادي أي انتهاكات".
كذلك شدّد غوتيريس على أن "استمرار الدعم الدولي للجيش اللبناني في هذه المرحلة أكثر أهمية من أي وقت مضى، إضافة إلى دعم سائر المؤسسات الأمنية التابعة للدولة، وهذا أمر جوهري لاستقرار لبنان، ونشجع جميع دول الأعضاء على مواصلة الدعم وزيادته وتحمّل مسؤولياتهم بالكامل".
ما يشغل الرئيس عون
من جهته، رحّب الرئيس اللبناني بالأمين العام للأمم المتحدة في لبنان "في زيارته الأولى إليه"، وقال: "لقد بحثنا في الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان والسبل الآيلة إلى الخروج منها، لا سيما ما يتعلق منها بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تردت خلال الأشهر الأخيرة".
وأكد عون لغوتيريس: "نعمل على تجاوز الأزمات، ولو تدريجياً، من خلال وضع خطة التعافي الاقتصادي لعرضها على صندوق النقد الدولي، والتفاوض بشأنها، كذلك بالتزامن مع إصلاحات متعددة في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية، وإعادة النظر بعدد من إدارات الدولة، وضبط الإنفاق ووقف الهدر ومكافحة الفساد، وبلوغ التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان أهدافه في كشف المسؤولين عما لحق بالبلاد من خسائر على مر السنين الماضية".
كما أكد عون لغوتيريس أن "لبنان سيشهد في الربيع المقبل انتخابات نيابية ستوفر لها كل الأسباب كي تكون شفافة ونزيهة، تعكس الإرادة الحقيقية للبنانيين في اختيار ممثليهم، ونرحب بأي دور يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في متابعة هذه الانتخابات بالتنسيق مع السلطات اللبنانية المختصة".
وقال الرئيس اللبناني: "تطرقنا أيضاً إلى موضوع اللجوء السوري (تصر السلطات اللبنانية على توصيفهم بالنازحين)، وأكدت له ضرورة إيجاد مقاربة جديدة لموضوع اللاجئين السوريين إلى لبنان، وضرورة تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته وتشجيع العودة الآمنة للاجئين إلى قراهم ووطنهم".
وأعاد الرئيس اللبناني التأكيد على "التزام لبنان تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته والحفاظ على الاستقرار القائم على الحدود الجنوبية والتعاون الدائم بين الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل".
ولفت عون إلى "استمرار الانتهاكات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية، لا سيما استخدام الأجواء اللبنانية منطلقاً لاعتداءات جوية متكررة على سورية". وشدد أمامه على "تمسك لبنان بممارسة سيادته على كامل أراضيه، وحقوقه الكاملة في استثمار ثرواته الطبيعية، لا سيما منها في حقلي الغاز والنفط، والاستعداد الدائم لمتابعة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية".
انقسام في ظل أزمة خطرة
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد وصل إلى بيروت، بعد ظهر اليوم الأحد، في زيارة "تضامن" تستمر أربعة أيام، استبقها بدعوة المسؤولين السياسيين إلى "توحيد صفوفهم" لإيجاد حلول للأزمات التي تعصف بالبلاد.
وقال غوتيريس، خلال لقاء صحافي عبر الفيديو، الخميس، إن "الانقسامات بين القادة السياسيين في لبنان شلّت المؤسسات، وهذا ما جعل من المستحيل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإطلاق برامج اقتصادية فعالة، وإحلال الظروف الملائمة ليباشر البلد تعافيه".
وأكد أنه "لا يحق للقادة اللبنانيين أن يكونوا منقسمين في ظل أزمة خطيرة كهذه"، مضيفاً أن "اللبنانيين وحدهم يمكنهم بالطبع أن يقودوا هذه العملية".
ويلتقي غوتيريس غداً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
ويشار إلى أن مجلس الوزراء، وعلى الرغم من خطورة الأزمة، لم يجتمع منذ 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بفعل تمسك "حزب الله" و"حركة أمل" (برئاسة نبيه بري) بموقفهما الداعي إلى إبعاد المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، عن ملف محاكمة رئيس الوزراء الأسبق، حسان دياب، والوزراء السابقين المحسوبين على الفريقين، ومعهما حليفهما "تيار المردة"، برئاسة سليمان فرنجية، فيما يفضل ميقاتي التريث بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد حتى حلّ المسألة تفادياً لاستقالات من الحكومة.
جدول حافل
وبعد لقائه عصر اليوم الرئيس عون، في القصر الرئاسي، يتفقد غوتيريس، صباح الإثنين، مرفأ بيروت لـ"الوقوف دقيقة صمت تكريماً لأرواح ضحايا انفجار مرفأ بيروت وعائلاتهم".
وقالت الأمم المتحدة، في بيان الخميس، إن الزيارة "في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها لبنان، ستكون ذات طابع تضامني، سيُعيد خلالها الأمين العام التأكيد على دعم أسرة الأمم المتحدة برمّتها - البعثة السياسية وقوات حفظ السلام والعاملين في مجالات الدعم الإنساني والإغاثي - لبنان وشعبه".
ويحفل جدول أعمال غوتيريس، الذي وزعته الأمم المتحدة في بيروت، بلقاءات عدة تشمل كبار المسؤولين وعدداً من القادة الروحيين وممثّلين عن المجتمع المدني.
ويجري كذلك زيارات ميدانية، إحداها إلى مدينة طرابلس (شمال)، يلتقي خلالها بمتضرّرين من الأزمات المتعدّدة التي تواجهها البلاد، على أن يتفقد قبل ختام زيارته قوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) في جنوب لبنان، ويجول على طول الخط الأزرق، وهو خط وقف إطلاق النار الذي جرى التوافق عليه بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000.
ويعقد غوتيريس مؤتمراً صحافياً مساء الثلاثاء في بيروت، قبل أن يختتم زيارته الأربعاء.