قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، اليوم الأربعاء، إن "الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وصل إلى أعلى درجات التوتر منذ سنوات"، في وقت أعلنت فيه القيادة الفلسطينية أنها قررت التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني بعد مجزرة قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية.
وتابع غوتيريس قائلا: "هذا الصباح لوحده كان لدينا المزيد من الأخبار المقلقة، حيث خلفت عملية قامت بها قوات الأمن الإسرائيلية، وما تلاها من اشتباكات في جميع أنحاء نابلس، عشرة قتلى فلسطينيين وأكثر من 80 جريحاً. كما تستمر دورات العنف المميتة بشكل متسارع، درجة التوتر عالية وعملية السلام ما زالت متوقفة".
وجاءت تصريحات غوتيريس خلال اجتماع، كان مدرجاً مسبقاً، يخص اختيار أعضاء اللجنة المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف التابعة للأمم المتحدة. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة الوضع في القدس بأنه يزداد توتراً وهشاشة وسط "الاستفزازات وأعمال العنف في الأماكن المقدسة وحولها".
وحذر من أن ذلك "يزعزع عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة وخارجها. إن موقف الأمم المتحدة واضح، لا يمكن تغيير وضع القدس بالأفعال أحادية الجانب"، مشدداً على ضرورة الحفاظ على "الطابع الديموغرافي والتاريخي القائم للقدس، والحفاظ على الوضع في الأماكن المقدسة، وفقا للدور الخاص الذي تلعبه المملكة الأردنية الهاشمية".
وأشار غوتيريس إلى أن "العام الماضي كان أكثر الأعوام دموية بالنسبة للفلسطينيين (في الضفة الغربية والقدس) منذ أن بدأ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية برصد الوفيات بشكل منهجي في عام 2005".
وأضاف: "ومع مرور شهرين على العام الجديد، احتدمت أعمال العنف دون توقف. كما ينتشر اليأس عبر الضفة الغربية المحتلة وغزة ويغذي الغضب واليأس".
وفي ما يخص الاستيطان، قال غوتيريس إن "كل مستوطنة جديدة هي عقبة أخرى على طريق السلام"، قبل أن يضيف: "جميع الأنشطة الاستيطانية غير قانونية بموجب القانون الدولي ويجب أن تتوقف. في نفس الوقت، إن التحريض على العنف لا يؤدي إلى شيء، لا شيء يبرر الإرهاب، يجب أن يرفضه الجميع، يجب أن تكون أولويتنا العاجلة منع المزيد من التصعيد والحد من التوترات واستعادة الهدوء".
وعبر غوتيريس عن قلقه البالغ "إزاء الإجراءات العقابية التي اتخذتها إسرائيل مؤخرًا ضد السلطة الفلسطينية في أعقاب قرار الجمعية العامة الذي يسعى للحصول على فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال". وأضاف: "يجب ألا تكون هناك أي إجراءات انتقامية، في ما يتعلق بالسلطة الفلسطينية ومحكمة العدل الدولية". ووصف الإجراءات الإسرائيلية بأنها "تخاطر بمزيد من زعزعة استقرار السلطة الفلسطينية في وقت تعاني فيه بالفعل من أزمة مالية حادة تقوض قدرتها على تقديم الخدمات للشعب".
وأشار الأمين العام إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وقال إنها تقوم بمهمة "مستحيلة متمثلة في تلبية الاحتياجات المتزايدة مع تراجع في التمويل".
وقال إن المنظمة الأممية هي "شريان حياة حيوي آخر للفلسطينيين"، مؤكداً أنها وعلى الرغم من التحديات تبقى "مرنة بشكل ملحوظ، وعالية الأداء، وفعالة من حيث التكلفة". وفي هذا الصدد حث جميع "المانحين على الوفاء بالتزاماتهم وضمان حصول أونروا على الدعم الذي تحتاجه للوفاء بمهمتها الحاسمة"، مشيراً إلى "أهمية تسهيل حركة البضائع والأشخاص من وإلى قطاع غزة". وكرر دعوته "للعمل من أجل الرفع الكامل لتدابير الإغلاق المنهكة (على قطاع غزة) بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860".
وتحدث عن أهداف الأمم المتحدة التي تتلخص في "إنهاء الاحتلال وتحقيق حل الدولتين"، قبل أن يستدرك بالقول "لكن يجب أن نواجه الواقع، الحقيقة هي أن التطورات على الأرض تعني أن الوقت يداهمنا. وكلما طالت مدة بقائنا دون مفاوضات سياسية جديّة، كلما ابتعدت هذه الأهداف عن متناول يدنا".
منصور: مجزرة نابلس لم تكن صدفة
إلى ذلك، قال مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة، رياض منصور: "استيقظنا هذا الصباح على أنباء مجزرة ارتكبت بحق شعبنا في مدينة نابلس التي تخضع، فرضا، للسيطرة الكاملة للسلطة وقوات الأمن التابعة لها".
وأوضح: "أدى هذا العدوان إلى مقتل عشرة فلسطينيين بمن فيهم الأطفال، والمسنون، وإصابة 102"، مشيراً إلى البيان الرئاسي الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي الإثنين بالإجماع، وعبر فيه عن قلقه واستيائه من العمليات الاستيطانية.
كما أشار منصور إلى الفقرة التي ينص فيها البيان على "حماية المدنيين"، وعدم عرقلة تقديم الخدمات الإنسانية، بما فيها سيارات الإسعاف والصليب الأحمر لإجلاء المصابين. وقال "لكن القوات الإسرائيلية منعت وصولها بسرعة لإنقاذ الأرواح"، ودان ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تجدر الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية سحبت مشروع قرار كان يدين العمليات الاستيطانية بعد الاتفاق مع الجانب الأميركي الذي كان يفضل عدم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد المشروع لأن ذلك يسبب إحراجا له وخاصة في نفس الأسبوع الذي تصوت فيه الجمعية العامة على مشروع قرار يعيد التأكيد على إدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وتنتقد فيه الدول التي لن تدعم القرار المتوقع التصويت عليه الخميس.
وتحدث منصور عن ضرورة أن تعمل الأمم المتحدة "من أجل تطبيق قراراتها وحماية الفلسطينيين كما تفعل في حالات أخرى (أوكرانيا، دون أن يسميها) لأن هناك حالة غضب وعدم رضى لدى الشعب الفلسطيني. علينا أن نرى تدابير ملموسة، حيث لا يمكننا أن نقنع الشعب الفلسطيني أننا نتخذ قرارات في الأمم المتحدة دون تنفيذها".
وتحدث عن فقدان السلطة الفلسطينية لما سماه "مصداقيتها أمام الشعب الفلسطيني" كما هو الشأن بالنسبة للأمم المتحدة وأمينها العام. وقال في هذا الصدد: "هذا النظام الرائع كذلك يفقد مصداقيته، الشعب يود أن يرى تنفيذا لما نقرره. لا بد أن تكون الأقوال مقترنة بالأفعال".
وتابع قائلا: "أنا أنقل لكم سخط الشعب الفلسطيني، كما الإحباط الذي تشعر به قيادته والمجموعات الشعبية"، مضيفا: "الأمم المتحدة تعبر عن مواقفها الإيجابية التي نعرفها وتعتمد التدابير والقرارات المطلوبة دون تنفيذها".
وقال إن "مجزرة نابلس لم تكن صدفة، حيث يعرفون (الاحتلال الإسرائيلي) أن المجتمع الدولي مشغول بأمور أخرى (أوكرانيا ومرور عام على الاجتياح الروسي)، لكنهم مخطئون". وختم مداخلته بالحديث عن أن المجتمع الدولي يجب أن يرتقي لمستوى التحدي ويحمي الشعب الفلسطيني.
وبعد انتهاء اجتماع "اللجنة المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف" لانتخاب أعضاء اللجنة، صرح منصور لوسائل الإعلام في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بأنه سيجتمع مع اللجنة العربية في الأمم المتحدة وأنه سيستمر بمشاورات حول "توفير الحماية للشعب الفلسطيني"، بطلب من القيادة الفلسطينية. ولم يعط السفير الفلسطيني أي توضيحات حول تلك التحركات وما إذا كانت ستكون مجرد اجتماعات إضافية دون خطوات ملموسة، ولم يوضح ما هو سقف ومجال هذا التحرك، مشيرا إلى أن الاجتماعات مازالت في بدايتها.