لم يهدأ الغضب الشعبي في ريف دير الزور، الواقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تحاول تطويق هذا الغضب الذي ولّدته حادثة اختطاف سيدة حامل وفتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، وقتلهما قبل بضعة أيام، بعد تعذيب على خلفية "قضية شرف".
ويتهم الأهالي قائد مجلس دير الزور العسكري، التابع لهذه القوات، أحمد الخبيل، بالمسؤولية عن هذه الحادثة التي هزّت بلدات ريف دير الزور الغربي، شمال نهر الفرات، الواقع تحت سيطرة "قسد" والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
"قسد" تعد العشائر بتنفيذ مطالبها
وتجددت الاحتجاجات، صباح أمس الإثنين، في منطقة الكسرة بريف دير الزور الغربي، بسبب عدم اتخاذ "قسد" حتى الآن أي إجراء من قبيل فتح تحقيق في الحادثة وتقديم متهمين للمحاكمة. وطالب المتظاهرون بمحاسبة قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل (أبو خولة)، وتشكيل مجلس جديد لريف دير الزور.
يطالب المتظاهرون بمحاسبة قائد مجلس دير الزور العسكري وتشكيل مجلس جديد لريف دير الزور
وبعد احتجاجات وقطع للطرقات على مدى الأسبوع الماضي، عُقد أول من أمس الأحد، اجتماع بين شيوخ ووجهاء قبيلة البكّارة التي تنتمي إليها القتيلتان، مع ممثلين عن "قسد" في مقرّ الأخيرة بساحة الكسرة، لمناقشة طلبات أهالي ريف دير الزور الغربي، بحسب شبكات إخبارية محلية.
ووفق شبكة "نهر ميديا"، طالب الوجهاء بـ"فتح تحقيق حول مقتل الفتاتين ومحاسبة المجرمين قانونياً، ومحاسبة قاتلي الشاب مهيدي اللايذ، الملقب بـ(دقدوق)، الذي قتل برصاص عناصر دورية تابعة لـ(قسد) في ريف دير الزور الغربي". وأشارت الشبكة إلى أن "وجهاء قبيلة البكّارة يطالبون بتشكيل مجلس عسكري خاص بالقبيلة في المنطقة"، مؤكدة أن "قادة قسد أعطوا الوجهاء وعوداً بتنفيذ المطالب، والمباشرة بالتحقيقات ومحاسبة المجرمين".
وأوضح الناشط الإعلامي إبراهيم المحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المفاوضات لا تزال جارية بين شيوخ ووجهاء قبيلة البكّارة وقياديين من قسد"، مشيراً إلى أن "الحراك الشعبي مستمر في بلدات ريف دير الزور الغربي حتى تتحقق مطالب الناس بمحاسبة القتلة"، وأكد أن "لا تراجع على الإطلاق، الحراك يتسع نطاقه يوماً بعد يوم".
وأشار المحمد إلى أن قيادة مجلس دير الزور العسكري وقيادة "قسد" بشكل عام "تجاوزتا كل المحرمات، فلا مشكلة لديهما في تصفية أي شخص يعارضهما أو على الأقل إلصاق تهمة الانتماء إلى تنظيم داعش به ومن ثم اعتقاله"، كما أشار إلى أن هناك "سرقة ونهباً وفساداً من قبل قياديي قوات قسد، خصوصاً من كوادر حزب العمال الكردستاني الموجودين في ريف دير الزور الغربي".
من جهته، رأى الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي أن مطلب تشكيل مجلس عسكري خاص بقبيلة البكّارة "كارثي"، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الأمر سيفتح الباب أمام العشائر والقبائل الأخرى للمطالبة بمجالس خاصة بها"، ورأى أنه "يجب تشكيل مجلس عسكري خاص بريف دير الزور الغربي، وليس لقبيلة بعينها".
وتعد قبيلة البكّارة من أكبر القبائل في محافظة دير الزور (شمال النهر وجنوبه)، إلى جانب قبيلة العقيدات وقبائل وعشائر أخرى تسكن في المحافظة المقسومة اليوم ما بين "قسد" والنظام والمليشيات الإيرانية. والطابع العشائري الذي يحكم هذه المنطقة يجعل من الصعوبة بمكان تطويق ما يحدث إذا لم يُقدم المتهمون إلى المحاكمة، أو يُتخذ إجراء بحقهم، خصوصاً أن الأهالي في دير الزور لطالما احتجوا على ممارسات للمجلس العسكري التابع لـ"قسد".
أسباب غير مباشرة لاحتجاجات دير الزور
وبيّن الناشط الإعلامي عهد الصليبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاحتجاجات ما زالت مستمرة في ريف دير الزور"، مستبعداً اتخاذ "قسد" إجراء ضد قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل، خصوصاً أنه "لا بديل يحقق ما تريده هذه القوات من المجلس"، واستدرك بقوله إنه "قد تتخذ قسد ربما إجراءات بحق شقيقه (أدهم) كونه المتهم الرئيسي بحادثة اختطاف وقتل المرأة والفتاة".
يرى متابعون أن مطالبة قبيلة البكّارة بتشكيل مجلس عسكري خاص بها، كارثي
من جهته، قال الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات أنس الشواخ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الاحتجاجات والاضطرابات في ريف دير الزور الخاضع لـ"قسد"، له "أسباب مباشرة وهي حادثة قتل المرأة والفتاة".
لكنه لفت إلى "وجود أسباب غير مباشرة كثيرة أخرى، أبرزها الانتهاكات التي يقوم بها مجلس دير الزور العسكري بحق المدنيين، إضافة إلى عمليات الفساد والتهريب"، وأكد أن "مجلس دير الزور العسكري متورط في عمليات تصفية".
واستبعد الشواخ، المواكب للمشهد في شرقي الفرات، أن تتجاوب "قسد" مع مطالب الأهالي، خصوصاً "أنها تتضمن محاسبة قياديين في مجلس دير الزور العسكري"، ورأى أنه "ربما قد تدير قسد هذه الأزمة وفق مصالحها للضغط على مجلس دير الزور العسكري، ومن ثم تفتيته إلى مجالس أصغر وأقل قدرة على الاستقلالية".
وأشار الباحث السياسي في هذا الخصوص، إلى أن "قسد سبق لها أن أنشأت مجالس في الحسكة لشقّ صف قبائل كبرى في المحافظة، كما أنشأت سابقاً مجلس هجين العسكري في ريف دير الزور أيضاً للهدف نفسه".
وفي السياق ذاته، بيّن الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لم يعد بالإمكان احتواء الفساد الموجود داخل مجلس دير الزور العسكري".
وأوضح أن "منظومة الفساد في قوات قسد، خصوصاً ما يُعرف بـ(الكادرو ـ وهم قياديون في حزب العمال الكردستاني غالبيتهم جاؤوا من مقر الحزب في جبال قنديل بالعراق)، دفعت في اتجاه حالة من التمرد الشعبي في ريف دير الزور"، وشدّد على أن "هذه الاحتجاجات المتصاعدة مبررة بسبب هذا الفساد المستشري داخل هذه القوات".
ولفت الشارع إلى أن "بعض الأصوات تدعو إلى عدم التصعيد خشية انجرار المنطقة إلى اقتتال عشائري"، مستغرباً عدم مبالاة التحالف الدولي والقوات الأميركية الموجودة في ريف دير الزور بقاعدة العمر تجاه ما يحدث من احتجاجات.
وأعرب عن اعتقاده بأن "قسد تشجع أي اقتتال عشائري يمكن أن يؤدي إلى تفتيت بنية المجتمع"، مشيراً إلى أن القوات الكردية "تذكي الفتنة في المجتمع لزيادة تهميش العرب وسرقة الثروات في منطقة هي الأغنى في سورية حيث حقول وآبار ومعامل النفط والغاز"، وأعرب عن اعتقاده أخيراً بأن "قسد مرتاحة نتيجة ما يحدث في ريف دير الزور".