غضب ضد "هيئة تحرير الشام"

غضب ضد "هيئة تحرير الشام": فاعلون متعددون في الاحتجاجات ومحاولات للاحتواء

03 مارس 2024
من التظاهرات ضد "تحرير الشام" في إدلب أمس الأول (العربي الجديد)
+ الخط -

تعهدت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي تمثل سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، بالاستجابة لمطالب متظاهرين بـ"إصدار عفو عام"، وتوقيف مسبّبي التجاوزات داخل سجونها، في محاولة لامتصاص الغضبة الناتجة عن تراكم التجاوزات التي يقوم بها الذراع الأمني لهذه الهيئة، وآخرها اعتقال المئات، بينهم قيادات داخلها، بتهمة "العمالة"، تبيّن لاحقاً بطلانها.

وقال ما يسمّى بـ"رئيس المجلس الأعلى للإفتاء" في "هيئة تحرير الشام" عبد الرحيم عطون، أول من أمس الجمعة، إن الهيئة بصدد القيام بعدة خطوات، منها زيارة السجون وإصدار عفو عام عن المعتقلين، وتوقيف المحققين الذين ارتكبوا تجاوزات، وتشكيل لجنة قضائية تنظر في حقوق المفرج عنهم وفيما تعرضوا له، وتحاسب كل من يثبت تورطه وتجاوزه.

احتجاجات في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام"

وتأتي هذه الإجراءات المزمع القيام بها على وقع احتجاجات سادت خلال الأيام القليلة الماضية في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب، والتي وصلت إلى حد المطالبة بـ"إسقاط (أبو محمد) الجولاني" الذي يتزعم "تحرير الشام"، و"تبييض السجون"، ومحاسبة المعتدين بحق المعتقلين، ووقف الظلم والاستبداد واحتكار القرار، وحل جهاز الأمن العام التابع للهيئة.

وكان الجهاز الأمني للهيئة نفذ خلال العام الماضي حملة اعتقالات واسعة، طاولت قياديين في الصفين الأول والثاني وعناصر في الهيئة، وفصائل أخرى بـ"تهمة العمالة لأجهزة استخبارات مختلفة".

غير أن الهيئة اضطرت الى إطلاق سراح معظم المعتقلين بسبب بطلان التّهم، بعد تعرضهم لتعذيب داخل المعتقلات، أدت كما يبدو إلى مقتل عدد منهم. وأكد فصيل "جيش الأحرار"، التابع لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، قبل نحو أسبوع، مقتل أحد عناصره تحت التعذيب في سجون "هيئة تحرير الشام"، أواخر العام الماضي.

باحث: الجولاني ليس من النوع الذي يتخلى عن السلطة
 

وأوضح باحث مقيم في الشمال السوري، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تخص سلامته، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاحتجاجات ضد هيئة تحرير الشام في شمال سورية مختلفة من حيث الفاعلون وتوجهاتهم واختلافاتهم".

ولفت إلى أنه على سبيل المثال توجه تظاهرات "حزب التحرير الإسلامي" (جهة متشددة ولكن لا تأثير فعلياً لها)، في كللي والأتارب مختلف عن شباب الثورة في مدينة إدلب، ومختلف عن تظاهرة بلدة مارع في ريف حلب الشمالي التي شارك بها بشكل واسع "جيش الإسلام" الذي يختلف مع "هيئة تحرير الشام" في نواح متعددة.

وتابع: الفاعلون متعددون في الحراك الذي تشهده المنطقة، لجهة المطالب، فشباب الثورة يطالبون بإصلاح حقيقي يبدأ بإسقاط الجولاني. وأشار إلى أن أسباب هذا الحراك "تراكم الظلم والانتهاكات من هيئة تحرير الشام بحق الجميع". ولفت إلى أن "الهيئة اعتقلت وعذبت وسيطرت على كل القطاعات، ما خلق حالة من الضغط القابل للانفجار".

ترجيح احتواء "تحرير الشام" الغضب

ورجّح الباحث احتواء الغضب من الهيئة، موضحاً أن هناك حركة مكوكية من كوادر الهيئة لإرضاء النشطاء في المنطقة، لدرجة أنها وفّرت حماية للتظاهرات، خاصة الإعلاميين.

وبيّن أن "لدى الناس غضب واستياء من كل الفاعلين في المنطقة، مثل الفصائل وحزب التحرير، وهو ما يمنع الكثيرين من الخروج في التظاهرات لكي لا يُحسبوا على هذا الطرف أو ذاك".

وبرأيه فإن "تدخل الفاعلين غير المرغوب فيهم شعبياً سيكون له انعكاسات سلبية على الحراك، ويعزز من تماسك الهيئة وينهي المساحة التي حصلنا عليها نتيجة الخلافات الداخلية داخل هذه الهيئة".

وأعرب عن اعتقاده أن الجولاني "ليس من النوع الذي يتخلى عن السلطة". واعتبر أنه "ربما يرجع خطوة إلى الوراء، إلا أني أرى أن الجولاني سيعمل على احتواء ما يجري، فهو في الداخل السوري مطلوب لأنه قتل الكثير من الناس، وفي الخارج هو شخص إرهابي، لذا لن يتنازل عن الحكم".

إلى ذلك، أشارت مصادر محلية في بلدة سرمدا في ريف إدلب إلى أن العناصر الذين تعرضوا للتعذيب في سجون الهيئة "كانوا من ضمن المتظاهرين الجمعة (الماضي) في محافظة إدلب، إضافة إلى أهاليهم وأقاربهم".

وبحسب المصادر فإن "هناك حالة من الغضب الشديد اتجاه الهيئة وجهازها الأمني الذي يعمل من دون حسيب أو رقيب". بيد أن المصادر أشارت إلى أن "بعض الجهات تحاول الاستثمار في هذه الحالة، وأبرزها حزب التحرير الذي يناصب الهيئة العداء".

وأضافت أن الطابع العام للتظاهرات هو احتجاجات شعبية تتطلع إلى إجراء إصلاحات وتغييرات تنهض بالمنطقة من الأزمات المعيشية والاقتصادية. وبيّنت أن الهيئة "تحاول امتصاص غضب الشارع بعدم الاحتكاك مع المتظاهرين"، مضيفة: "أنصار الهيئة يحاولون خلط الأوراق من خلال الخروج بتظاهرات مناصرة لغزة".

وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها "تحرير الشام" غضبة نتيجة فرض القوانين المتشددة والقبضة الأمنية التي تضغط على كل القطاعات، في منطقة تضم ملايين السوريين، وجلّهم نازحون من مناطق أخرى، تحيط بهم الأزمات المعيشية من كل جانب.

سالم: تكرار مظالم الهيئة وراء هذه الغضبة الشعبية
 

وبرأي مدير وحدة الدراسات في مركز "أبعاد" محمد سالم فإن "تكرار المظالم التي تقوم بها الهيئة وكثرتها في مناطق سيطرتها، والقبضة الأمنية الشديدة في إدلب وراء هذه الغضبة الشعبية". وأضاف: هذه التظاهرات انعكاس للأزمة الداخلية في الهيئة، مع تفجّر ما بات يُعرف بقضية العملاء داخل "تحرير الشام"، والتي توسّعت على إثرها رقعة الاعتقالات، وأدت أيضاً إلى مقتل مواطنين تحت التعذيب في السجون.

ورأى أن "هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني حالياً تسعى إلى امتصاص هذه النقمة، من خلال دفع ديات القتلى وإطلاق وعود للتحسين والإصلاح"، معرباً عن اعتقاده بأن مآل هذه التظاهرات لن يختلف عما سبقها، موضحاً أنها "سوف تهدأ بعد فترة لتعاود النشاط مرة أخرى في مرحلة لاحقة".

يشار إلى أن "هيئة تحرير الشام" فصيل متشدد يدور في فلك تنظيم "القاعدة"، على الرغم من إعلان زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، في يوليو/تموز 2016، فك الارتباط بـ"القاعدة" تحت ضغوط شعبية. وطيلة سنوات الصراع في سورية، كانت "تحرير الشام" لاعباً عسكرياً مهماً في مجريات هذا الصراع في أغلب الجغرافيا السورية، لكنها في الوقت نفسه، كانت مدخلاً واسعاً للنظام وداعميه الروس والإيرانيين لوأد الثورة السورية تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".