غزة.. جرائم حرب

09 اغسطس 2014
إسرائيل تحضّر ملفاً للدفاع عن جرائمها (مصطفى حسونة/الأناضول/getty)
+ الخط -

شكّلت إسرائيل منذ حوالي أسبوعين لجنة مختلطة من عدّة وزارات، منها الدفاع والعدل والخارجية، من أجل إعداد ملفات للدفاع عن إسرائيل في حال واجهت اتهامات بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان على غزّة. وظلّت هذه اللجنة طيّ الكتمان حتى أسبوع مضى، ومن ثم ذاع خبرها، وصارت حديث الأوساط الإعلامية والسياسية الخارجية. وتؤكّد تقارير صحافيين أجانب، أنّ هذه القضية تشغل الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحاضر إلى حدّ كبير.

جرى تشكيل اللجنة في وقت لم يكن عدد شهداء العدوان على غزة تجاوز 1200، ولم يكن قد اتضح العدد الفعلي من الأطفال والنساء بين الضحايا. ولم يأت ذلك من فراغ، بل عكس قراراً لدى السلطات العليا باتباع سياسة الأرض المحروقة في القطاع بعدما فشلت في تحقيق أربعة أهداف رئيسية: إسكات سلاح المقاومة، تدمير الأنفاق، التقدم برّاً، وفرض تسوية مذلّة على المقاومة.

عند هذا الفشل، قرّرت إسرائيل اتباع سياسة البطش بالمدنيين وتدمير البنية التحتية والعمرانية، فكانت مجازر الشجاعية، وخزاعة، وخان يونس ودير البلح، وقصف عدّة مدارس تابعة لوكالة غوث اللاجئين (أونروا)، لأنها آوت المدنيين، بالإضافة الى تدمير عدد كبير من المساجد.

نبّهت تقارير الأمم المتحدة منذ الأسبوع الثاني للعدوان إلى التكتيك الإسرائيلي الذي يستهدف المدنيين، ولكن إسرائيل كانت تردّ على ذلك بأنّ المقاومة تستخدم المدنيين كدروع بشرية، ولكن وجود صحافيين أجانب فضح "البروباغندا" الإسرائيلية، وتحديداً، صحافيي "بي بي سي"، جون سنو، وجيرمي بوين. وكلاهما أكّد على أنهما لم يلاحظا شيئاَ من هذا القبيل، وجاء قصف مدارس وكالة غوث اللاجئين، ليؤكّد مصداقية الرواية المضادة، وهو ما استفز الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي قال إن "كل من يستهدف مقرّات الأمم المتحدة يجب أن يساق للعدالة".

إنّ إعادة تركيب الوقائع تؤكّد بالدليل القاطع أنّ إسرائيل ارتكبت جرائم حرب مع سبق الإصرار، ولم تحسب مسألة تعرضها للمساءلة، وذلك لعدّة أسباب: الأول، أنّها على قناعة باستحالة رفع دعوى ضدّها أمام محكمة الجنايات الدولية. وقد عوّلت على موقف السلطة الفلسطينية التي تردّدت في الانضمام إلى "اتفاقية روما". والثاني، أنّ إسرائيل لم تنضم أصلاً لاتفاقية روما، وبالتالي فإنّ أيّ إدانة دولية لها لا تلزمها. وثالثاً، إنّ تشكيل المحكمة للنظر في القضية يتطلب قراراً من مجلس الأمن الدولي، وهذا أمر غير ممكن، لأنّ الولايات المتحدة على الأقل، لن تسمح بتمرير القرار، وستمارس حق النقض (الفيتو)، وستسير على منوالها كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا، وربما الصين أيضاً.

قد تكون كل هذه الحسابات صحيحة، ولكنّ هناك إجماعاً على مستوى الرأي العام السياسي والإعلامي، أنّ العدوان على غزّة نموذج صارخ لجرائم الحرب، ولا يحتاج إلى أدلة كثيرة، وتكفي الإحصائية التي صدرت من الأمم المتحدة التي قالت إنّ من بين أكثر من 1800 شهيد في غزّة هناك 80 في المئة من المدنيين، وهذه هي المرة الأولى التي تصل فيها نسبة الضحايا المدنيين إلى هذا المستوى. وكانت في كافة الجولات السابقة لا تتجاوز 40 في المئة. عدا عن أنّ صور الأطفال الشهداء جابت العالم كله، والإسرائيليون أنفسهم وصلتهم رسالة الرأي العام الدولي، الذي عبّر عن استنكاره للعدوان.

وتكفي نتائج العدوان لبناء ملف فلسطيني متين أمام محكمة الجنايات الدولية، بحيث بلغت حصيلة البيوت المهدمة منذ بدأ العدوان 10703، وعدد المساجد المستهدفة 129 مسجدا، دُمّر 43 منها بشكل كلي. ووصل عدد المدارس المستهدفة إلى 189 مدرسة تقدّم خدماتها لقرابة 152 ألف طالب.


كما استهدفت القوات الإسرائيلية أكثر من 8 محطات مياه وصرف صحي تقدّم خدماتها لما يزيد عن 700 ألف مواطن، وتعرّضت 22 جمعية خيرية يستفيد منها 183 ألف مواطن للاستهداف. وجرى قصف 315 مصلحة تجارية وصناعية، ولم تسلم المقارّ الحكومية، وقوارب الصيادين، ومحطات ومحولات الكهرباء، والمراكز الصحية، والطرق وخطوط المياه والكهرباء، والأراضي الزراعية، والمؤسسات الأهلية، والكنائس والقبور. والرقم الصارخ هوعدد الضحايا الإجمالي حسب إحصائية المرصد الأورومتوسطي، الذي بلغ 1892 شهيداً، بينهم 447 طفلاً و235 امرأة.