غروسي يزور إيران.. هل يحقق اختراقاً في الملف النووي؟

غروسي يزور إيران.. هل يحقق اختراقاً في الملف النووي؟

03 مارس 2023
غروسي سيناقش في فيينا البرنامج النووي الإيراني وتطوراته (Getty)
+ الخط -

وصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، اليوم الجمعة، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة يلتقي خلالها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومسؤولين إيرانيين آخرين. 

وجاءت زيارة غروسي بدعوة من رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، فيما من المقرر أن يغادر طهران غداً السبت، متجهاً إلى فيينا للمشاركة في اجتماع دوري لمجلس محافظي الوكالة مطلع الأسبوع المقبل (الميلادي) حيث سيناقش فيه البرنامج النووي الإيراني وتطوراته. 

هذه هي الزيارة الرابعة لغروسي منذ اختياره في هذا المنصب من ديسمبر/كانون الأول 2019. وكانت زياراته السابقة تتوج باتفاقيات وتفاهمات، لكنها لم تفضِ إلى حل القضايا العالقة والخلافات الثنائية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، على الرغم من أنها كانت تبث أجواء تفاؤل وأمل أولية لحل هذه الخلافات التي تعد جزء من العقبات أمام إحياء الاتفاق النووي.  

واستبق المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، زيارته لطهران لإرسال رسائل معينة، تؤكد اعتزام الوكالة استمرار العلاقات والتواصل مع إيران رغم التوترات الثنائية، قائلاً، أمس الخميس، في تصريحات للصحافيين على هامش مؤتمر دول عدم الانحياز، في العاصمة الأذربيجانية باكو، إنّ "الحفاظ على الاتصالات والحوار مع طهران على أعلى المستويات يهمنا". 

ولكن رغم ذلك لم يخف غروسي مخاوفه من تطور البرنامج النووي الإيراني، بقوله: "إننا بدأنا نسجل تغييرات مقلقة في الأنشطة النووية الإيرانية في بعض المواقع". 

استبقت وفود من الوكالة الدولية للطاقة الذرية زيارة غروسي بزيارات إلى طهران خلال الأسبوعين الأخيرين، منها زيارة وفد برئاسة مسؤول "اتفاق الضمانات" في الوكالة الدولية، ماسيو أبارو. وأكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، الإثنين الماضي، أن المنظمة أجرت "لقاءات بنّاءة" في طهران مع وفد الوكالة.  

توقيت مقصود 

مواعيد زيارات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران مخطط لها إيرانياً بعناية وهي مقصودة، فعادة تأتي قبيل اجتماعات مجلس محافظي الوكالة، المشكل من 35 دولة، والتي يحتل الملف النووي الإيراني حيزاً كبيراً من نقاشاتها ومداولاتها. وذلك يشي بأن اختيار هذا التوقيت محاولة إيرانية لبث روح الأمل والتفاؤل للتأثير على مخرجات الاجتماعات وضبطها. 

في السياق، يقول الدبلوماسي الإيراني السابق في الأمم المتحدة، كوروش أحمدي، لـ"العربي الجديد" إنه في بعض الحالات حصل أن عاد غروسي من طهران مباشرة إلى اجتماع مجلس المحافظين في فيينا، مضيفاً أنه "ربما خلال هذه الزيارات تمنح وعود (لغروسي) ويتفق على أشياء لاستمرار العمل". 

ويوضح أحمدي أن "السلطات الإيرانية ربما تهدف إلى إرسال رسالة مفادها أنهم حريصون على القيام بالجهود اللازمة وأنها بحاجة إلى المزيد من الوقت لتفضي إلى النتيجة". 

لكن الدبلوماسي الإيراني السابق يرى في الوقت ذاته أن التخطيط لزيارات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا الشكل، قد عزز هذا الانطباع في الخارج بأن "الهدف (الإيراني) ليس البحث الموضوعي للمسألة والحل الأساسي للمشكلة، بل الهدف هو منع تحرك في مجلس المحافظين وكما يقول المثل الفارسي، على أمل أن تحصل انفراجة من هنا إلى هناك". 

المحلل الإيراني: هذا الأسلوب قد يمثل "آخر حل" تلجأ إليها الحكومة الإيرانية في ظل غياب القرار السياسي المطلوب

غير أن هذا الأسلوب قد يمثل "آخر حل" تلجأ إليه الحكومة الإيرانية "في ظل غياب القرار السياسي المطلوب"، كما يقول المحلل الإيراني كوروش أحمدي، والذي يرمي كما يوضح هو إلى "تأجيل اتخاذ قرار في مجلس المحافظين قد يكون هو إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن".

القضايا العالقة  

تُعدّ قضية التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول ثلاثة مواقع إيرانية، كانت قد أعلنت الوكالة أنها عثرت فيها على جزيئات اليورانيوم المخصب؛ إحدى أهم نقاط الخلاف بين الطرفين. توصل الطرفان إلى تفاهمات لحل هذا الملف، لكنها أخفقت في ذلك وتحولت قضية المواقع الثلاثة إلى العقبة الرئيسية أمام الاتفاق النهائي في المفاوضات النووية الحالية خلال سبتمبر/أيلول الماضي، والرامية إلى إحياء الاتفاق النووي. وهذا قبل أن تبرز عقبات سياسية أخرى في ظل اتهامات أوروبية وأميركية لطهران بتزويد روسيا بالمسيرات خلال حربها ضد أوكرانيا ومطالبتها بوقف هذا الدعم الذي ظلت إيران تنفيه. 

إلى ذلك، تشكو الوكالة الدولية من تراجع عملياتها التفتيشية والرقابية للبرنامج النووي الإيراني، في ظل إيقاف طهران التفتيش والمراقبة في إطار الاتفاق النووي المبرم عام 2015 رداً على تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وحصر التفتيش فقط في الحالات المسموحة بها وفق اتفاق الضمانات الذي يعد ملحقا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.  

وفي السياق، أكد غروسي، من باكو، أمس الخميس أن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجب أن تتمكن من الوصول المباشر إلى المواقع لبحث الوضع عن كثب، وإزالة الشكوك التي اتسعت أخيراً". 

كذلك تأتي زيارة المسؤول الأممي إلى إيران على وقع تطور لافت للقدرات النووية الإيرانية، بعدما أكدت الوكالة الدولية الثلاثاء الماضي، صحة ما أوردته وسائل إعلام أميركية، بشأن عثور مفتشيها على جزيئات اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 83.7 % في منشأة فوردو، وهي نسبة قريبة جداً من درجة النقاء المطلوبة لصنع الأسلحة النووية.  

وقال التقرير "أبلغت إيران الوكالة بأن التقلبات غير المقصودة في مستويات التخصيب ربما حدثت خلال الفترة الانتقالية وقت بدء عملية التخصيب لدرجة نقاء 60 بالمائة في (نوفمبر/تشرين الثاني 2022) أو في أثناء استبدال أسطوانة التغذية". 

رداً على هذا التقرير، نفى رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، الأربعاء، قيام بلاده بالتخصيب بهذه الدرجة المئوية، مؤكداً أن نسبة التخصيب لم تتخط 60 %.  

في غضون ذلك، قال ميخائيل أوليانوف المندوب الروسي لدى المؤسسات الدولية في فيينا والمشارك في المفاوضات النووية مع إيران، الأربعاء، في تغريدة إن مسألة التخصيب بدرجة نقاء 83.7% "قد حلت بنجاح". 

ثمة قضايا أخرى زادت من تعقيدات العلاقات بين إيران والذرية الدولية، كما يقول الدبلوماسي الإيراني السابق كوروش أحمدي لـ"العربي الجديد"، منها إطفاء كاميرات المراقبة في المنشآت النووية الإيرانية، والمرتبطة بالاتفاق النووي، وكذلك ارتفاع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60 في المائة. 

آفاق حل المشاكل 

الدبلوماسي الإيراني السابق، كوروش أحمدي، لا يبدو متفائلاً كثيراً بأن تؤدي زيارة غروسي إلى إيران لحلحلة القضايا العالقة بين الوكالة وإيران بما ينسحب على المفاوضات النووية المتعثرة، ويحدث اختراقاً فيها باتجاه إحياء الاتفاق النووي. 

يقول أحمدي إن ملف المواقع الثلاثة ظل خلال السنوات الأخيرة مركز اهتمامات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشيراً إلى أن هذا الملف على صلة باتفاق الضمانات، ولا علاقة له بالاتفاق النووي أو التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي الملحق باتفاق الضمانات، والذي أوقفت طهران تنفيذه عام 2021.

ويتابع أن أهم أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول هذه المواقع هو عن مصير المواد النووية التي أعلنت الوكالة العثور على جزيئات منها، قائلاً إن إيران في ردها على أسئلة الوكالة أوردت أن هذه المواد إما نقلتها إلى تلك الأماكن "عناصر معادية" أو أنها ناتجة من وجود "أدوات ملوثة" في المواقع، لكن "الذرية الدولية" رفضت هذه الإجابات وكما أعلنت فإنها تطالب بـ"إيضاحات ذات مصداقية". 

يرى الدبلوماسي الإيراني السابق في الأمم المتحدة أن مسألة المواقع الثلاثة أصبحت "معقدة وصعبة" والرد عليها قد "تنجم عنه مشاكل خاصة"، لافتاً إلى أنها كانت آخر عقبة تقنية وحقوقية أمام إتمام اتفاق إحياء الاتفاق النووي خلال أغسطس/آب الماضي، فضلاً عن صدور ثلاثة قرارات مرتبطة بتلك المواقع في مجلس المحافظين ضد إيران، منها القرار "الحاد" الصادر خلال يناير/كانون الثاني.  

إلا أن المحلل الإيراني المحافظ، وهو قيادي سابق في الحرس الثوري الإيراني، حسين كنعاني مقدم، يبدو متفائلًا حول نتائج زيارة غروسي، قائلاً في مقابلة مع "العربي الجديد" إن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "يهدف خلال زيارته إلى فك عُقد المفاوضات النووية". 

ويضيف كنعاني مقدم أن زيارة غروسي هذه المرة "ستكون إيجابية كما يبدو". 

هل سيصدر قرار جديد؟ 

على ضوء التطورات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني وانسداد المفاوضات النووية لإحياء الاتفاق النووي والتوترات المتصاعدة بين طهران والغرب، ثمة توقعات باحتمال لجوء الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى استصدار قرار جديد ضد إيران، خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأسبوع المقبل، وهو قرار يرى خبراء أنه سيسرع عملية إعادة الملف النووي الإيراني إلى أروقة مجلس الأمن.  

وتنتظر الولايات المتحدة الأميركية، من جهتها، نتائج زيارة غروسي إلى إيران، قبل أن تتخذ مع شركائها الأوروبيين خطوات جديدة ضد طهران، إذ قال المبعوث الأميركي للشأن الإيراني، روبرت مالي، في تصريحات، أمس الخميس، إن بلاده ستتريث قبل اتخاذ خطوات أخرى بغية معرفة نتائج زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران والتقرير الذي سيصدره حول التزام إيران من عدمه باتفاق الضمانات الذي ينظم حاليا العلاقة بين الطرفين.  

ثمة خلافات بين واشنطن وشركائها الأوروبيين، حسب وسائل إعلام غربية، حيث تطالب الترويكا الأوروبية باستصدار قرار ضد إيران، لكن الإدارة الأميركية تدعو إلى التريث. 

في الأثناء، حذرت إيران على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان، الثلاثاء الماضي، من جنيف، الوكالة، من مغبة "أي تحرك سلبي" محتمل تجاه طهران في اجتماعها المرتقب، متوعداً بـ"الرد المناسب". 

ولا يتوقع القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني كنعاني، في حديثه مع "العربي الجديد"، صدور قرار جديد ضد بلاده خلال الاجتماع المرتقب للوكالة، قائلا إن "غروسي عكس تقاريره السابقة يسعى إلى عدم استصدار قرار ضد إيران لكي لا يغلق طريق التفاوض". 

وعما إذا ما صدر قرار ضد إيران، يتوقع كنعاني مقدم أن ترد بلاده من خلال تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أساس اتفاق الضمانات. 

ويرى أن الجهود الأوروبية والأميركية تنصب حالياً على استصدار قرارات ضد إيران فيما يرتبط بقضايا حقوق الإنسان بعيداً عن القضايا النووية والمفاوضات النووية، "لكي يزيدوا الضغط على إيران من هذه البوابة". 

المساهمون