لم تعد الضربات الجوية في مسرح العمليات الرئيسية داخل محافظة مأرب هي الهدف الأول للتحالف، الذي تقوده السعودية، حيث لجأ لإعادة ترتيب أولوياته، بتنفيذ هجمات يومية على أهداف عسكرية رسمية ومفترضة للحوثيين داخل العاصمة اليمنية صنعاء.
وعلى مدار الأيام الماضية، كانت معسكرات سرية في منطقة الأعناب وحي ذهبان شمالي العاصمة، والنهدين جنوبها، عرضة لهجمات ليلية، وذلك في إطار تصعيد عسكري واسع يمتد من الساحل الغربي وحتى مأرب وتخوم الجوف.
وبدأت العمليات، الثلاثاء الماضي، بثلاث غارات طاولت مخازن سرية في حي ذهبان. وسُمع دوي انفجارات عنيفة يُعتقد أنها كانت لمخازن صواريخ باليستية، قبل أن يكرر التحالف هجماته طيلة الأيام الخمسة الماضية، وفقاً لما قال سكان في العاصمة لـ"العربي الجديد". وأوضح السكان أن العمليات الأخيرة مغايرة لسابقاتها، حيث تشهد العاصمة انفجارات غير مسبوقة، ما يشير إلى استخدام صواريخ وقذائف شديدة الانفجار، بهدف الوصول إلى أنفاق وملاجئ سرية لأسلحة الحوثيين.
أعلن التحالف أنّ "القيادات الإرهابية" باتت أهدافاً مشروعة
وكانت أحدث العمليات وقعت فجر أمس السبت، عندما طاولت سلسلة غارات حي ذهبان شمال صنعاء، وهو الموقع الذي كان عرضة لأول غارات جوية، الثلاثاء الماضي. وأعلن التحالف، أن الغارات أسفرت عن تدمير ورش لطائرات مسيرة، ومخازن أسلحة للحوثيين، لافتاً إلى أن "التحركات والنشاطات العدائية والقيادات الإرهابية تأتي ضمن الأولويات". وفيما أشار إلى أن الضربات اليومية تحقق أهدافها، فقد لفت إلى أن التقييم العملياتي للتهديد "يتطلب استمرارها". في المقابل، أعلنت جماعة الحوثيين أن غارتين للتحالف استهدفتا حي ذهبان في صنعاء، من دون الإشارة إلى أي خسائر مادية أو بشرية فيما يخص مقاتليها أو في صفوف المدنيين، وفقاً لما أوردت قناة "المسيرة" الناطقة بلسان الجماعة.
وجاءت عملية صنعاء، بعد ساعات من ضربة مماثلة استهدفت منطقة العمشية في مديرية حرف سفيان المحاذية لمحافظة صعدة، المعقل الرئيس للحوثيين، شمالي البلاد، حيث أعلن التحالف تدمير منصة إطلاق صواريخ باليستية تشكل تهديداً وشيكاً. ومساء أول من أمس الجمعة، نشر التحالف، لقطات جوية لتفاصيل عملية استهداف دار الرئاسة في منطقة السبعين جنوبي العاصمة، والتي كان النظام السابق قد شيد فيها ملاجئ وأنفاقا سرية خلال فترة حكمه التي امتدت 33 سنة. وأوضحت الصورة، التي نشرتها وكالة الأنباء السعودية (واس)، آثار ما بعد استهداف عملية نقل أسلحة من منشأة وصفها التحالف بأنها "سرية تحت الأرض" تقع جنوب دار الرئاسة وترتبط بجبل النهدين.
وفي تطور لافت، لم تعد المخازن السرية للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة هي الهدف الوحيد للضربات الجوية، حيث أعلن التحالف، أن ما أسماها بـ"القيادات الإرهابية" في جماعة الحوثيين باتت أهدافاً مشروعة على مدار الساعة. وبناء على هذا الإعلان، من المتوقع أن يبدأ التحالف بعمليات استهداف تطاول منازل القيادات العسكرية والسياسية للحوثيين في صنعاء، خصوصاً بعد تطور العمليات الاستخباراتية.
ومن المرجح أن يكون لأميركا دور في تطور بنك أهداف التحالف والمعلومات الاستخباراتية، والتي كانت قد توقفت منذ مطلع العام الحالي، وتحديداً منذ بدء فترة ولاية الرئيس جو بايدن التي كانت تنوي العمل على وقف حرب اليمن. ويبدو أن تعنت الحوثيين إزاء جهود السلام، واقتحام مجمع السفارة الأميركية في صنعاء، وكذلك اعتقال عشرات الموظفين المحليين الذين يعملون فيها، جعل واشنطن تغير من استراتيجيتها تجاه الجماعة. وبدا ذلك واضحاً من خلال تصريحات المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ، الذي دعا، منتصف الأسبوع الماضي، اليمنيين، إلى التوحد في مواجهة استفزازات الحوثيين.
وتصاعدت الهجمات الجوية، منذ اتهام التحالف لإيران والحوثيين، بتحويل مطار صنعاء إلى قاعدة عسكرية لاستهداف دول الجوار، واستخدام طائرات أممية لاختبار صاروخ دفاع جوي، وذلك بعد الكشف عن لقطات مصورة من داخل المطار. وأقرت جماعة الحوثيين، في تصريح لوكيل الهيئة العامة للطيران التابعة للجماعة رائد جبل، بحقيقة اللقطات المسربة، لكنها قالت إنها تمت في المطار العسكري المجانب لمطار صنعاء المدني. وقال جبل، الثلاثاء الماضي: "الكل يعرف هذا، مثله مثل أغلب مطارات العالم، ومنها مطارا أبها وجدة التي يكون المطار العسكري مجانبا للمطار المدني، وتواكب هذا التصوير مع مرور الطائرة الأممية". وأشار إلى أن طيران الأمم المتحدة يصل إلى مطار صنعاء منذ بداية العدوان، بواقع ثلاث إلى خمس رحلات يومياً بانسيابية تامة، ولم يسجل أي خلل أمني أو فني بشهادة طياري الأمم المتحدة وموظفيها.
تراجعت وتيرة المعارك على أطراف مدينة مأرب الجنوبية
ويبدو أن الهجمات الجوية للتحالف قد نجحت في تحييد ضربات الحوثيين في العمق السعودي، حيث كانت آخر هجمة لهم، يوم السبت قبل الماضي، عندما تم استهداف عدة مواقع عسكرية واقتصادية في العمق السعودي بواسطة 14 طائرة مسيرة، وذلك ضمن ما أطلق عليه "عملية توازن الردع الثامن".
وبعيداً عن غارات صنعاء، تراجعت وتيرة المعارك على أطراف مدينة مأرب الجنوبية، مع خفوت هجمات الحوثيين خلال الساعات الماضية، وفقاً لمصدر عسكري حكومي لـ"العربي الجديد". وقال المصدر، إن "الاستنزاف الكبير الذي تعرضت له المليشيات أجبرها على التراجع إلى أطراف صحراء أم ريش في مديرية الجوبة، وكذلك في وادي ذنة، الذي كان بمثابة المستنقع للجماعة، والتهم المئات من مقاتليها خلال معارك الأسبوعين الماضيين".
وأدى تراجع هجوم الحوثيين إلى انحسار الغارات الجوية في مأرب، حيث أعلن التحالف، مساء أمس السبت، تنفيذ 10 غارات جوية فقط، وهو معدل يومي متدنٍ، مقارنة بالضربات التي كانت تصل إلى 30 في ذروة المعارك. ووفقاً لبيان نشرته وكالة "واس"، فقد أسفرت الغارات الجديدة، عن مقتل 60 عنصراً حوثياً وتدمير 7 آليات عسكرية، وهي أرقام دأب التحالف على نشرها بشكل يومي ولا يمكن التحقق من دقتها.
وفي سياق تطورات معارك الساحل الغربي، أعلنت القوات المشتركة الموالية للحكومية، مساء أمس السبت، تحقيق مكاسب ميدانية جديدة مع دخول عملياتها أسبوعها الثاني، منذ إعادة الانتشار المثير للجدل من تخوم مدينة الحديدة. وقالت القوات المشتركة، في بيان، إنها سيطرت على أطراف وادي سقم وعدد من التلال الاستراتيجية المطلة عليه، منها تلة الجمل شمالي مديرية مقبنة التابعة لمحافظة تعز، وذلك بعد معارك عنيفة مع الحوثيين.