غارات دير الزور: أعنف قصف إسرائيلي لأهداف إيرانية

14 يناير 2021
استنفار وتدريبات إسرائيلية في الجولان المحتل (جلاء مرعي/ فرانس برس)
+ الخط -

في أعنف قصف يُعتقد أن إسرائيل مسؤولة عنه في سورية منذ بدء غاراتها في هذا البلد، استهدفت مقاتلات جوية بعشرات الغارات قواعد ومراكز عسكرية وأمنية إيرانية مساء الثلاثاء-الأربعاء في دير الزور في أقصى الشرق السوري، في رسالة إسرائيلية واضحة بوضع الوجود الإيراني في سورية على رأس أولوياتها. واللافت أن الضربات نُفِّذت بتنسيق أميركي-إسرائيلي وبناء على معلومات استخبارية قدمتها الولايات المتحدة، وفق ما كشفت وكالة "أسوشييتد برس"، وذلك في الأيام الأخيرة لإدارة دونالد ترامب، قبيل تسلم الديمقراطي جو بايدن الحكم في 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، وسط توتر شديد تشهده المنطقة تخوفاً من تطورات أمنية في هذه المرحلة.

وبعد أيام قليلة من هجوم مماثل على قواعد تتبع للحرس الثوري الإيراني في جنوب سورية، استهدف قصف جوي ليل الثلاثاء-الأربعاء العديد من المواقع والمقرات في دير الزور وريفها، ليسقط عشرات الضحايا من عناصر قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية المتمركزة في المنطقة، ما بين قتيل وجريح. وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام، نقلاً عن مصدر عسكري، أنه "في تمام الساعة الواحدة وعشر دقائق (بالتوقيت المحلي) من فجر اليوم (الأربعاء)، قام العدو الإسرائيلي بعدوان جوي على مدينة دير الزور ومنطقة البوكمال، ويتم حالياً تدقيق نتائج العدوان"، من دون تفاصيل إضافية.

من جهتها، قالت شبكة "فرات بوست" الإخبارية المحلية إن القصف استهدف مواقع لمليشيات "لواء زينبيون" الباكستاني، و"لواء فاطميون" الأفغاني، و"الفوج 47"، و"كتائب حزب الله" العراقية. وأشارت إلى أن المواقع المستهدفة هي: مدينة البوكمال ومحيطها، وأطراف مدينة الميادين، وشارع بورسعيد ومقر الأمن العسكري في مدينة دير الزور، إضافة إلى اللواء 137، وتلة الحجيف، ومخازن عياش، ومحيط مطار دير الزور، ومقر "فاطميون" الواقع بالقرب من منطقة عياش، وجبل ثردة، وحي العمال وأطراف هرابلش. وأكدت الشبكة وقوع عشرات القتلى والجرحى في صفوف المليشيات وقوات النظام، مشيرة إلى أن هذه الغارات "هي الأعنف" منذ سيطرة المليشيات الإيرانية على أغلب محافظة دير الزور أواخر عام 2017.

من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن القصف استهدف المنطقة الممتدة من مدينة الزور إلى الحدود السورية-العراقية في بادية البوكمال، وطاول مستودعات ومعسكراً في أطراف مدينة دير الزور، ومواقع ومستودعات أسلحة في بادية البوكمال، وأخرى في بادية الميادين، تابعة لكل من قوات النظام و"حزب الله" اللبناني والقوات الإيرانية والمجموعات الموالية لها. وتحدث المرصد عن سقوط 57 قتيلاً في القصف، بينهم 14 عنصراً من قوات النظام، بالإضافة إلى 43 آخرين من المقاتلين الموالين لإيران، بينهم 16 عراقياً و11 عنصراً من لواء "فاطميون" الأفغاني. كذلك، أصيب 37 آخرون بجروح بعضهم في حالات خطرة، وفق المرصد. في المقابل، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن "مصدر مسؤول" لم تسمه قوله إنه لم يسقط أي قتيل إيراني في الاعتداء الإسرائيلي. وتعدّ حصيلة القتلى هذه، وفق ما قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة "فرانس برس"، "الأكثر دموية التي توقعها غارات إسرائيلية في سورية" منذ بدء الاحتلال بقصف مواقع في سورية. وبحسب عبد الرحمن، فإن الضربات الإسرائيلية جاءت بعد أيام من استقدام "لواء فاطميون" الأفغاني الموالي لإيران أربع شاحنات محمّلة أسلحة إيرانية من الجانب العراقي، تمّ تفريغ حمولتها في مستودعات في المواقع المستهدفة.

تحدث المرصد عن سقوط 57 قتيلاً إضافة إلى إصابة 37 آخرين

والملاحظ أن القصف الجوي استهدف هذه المرة مقر جهاز الأمن العسكري (الأكثر قسوة في أجهزة النظام الأمنية) داخل مدينة دير الزور، وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن قيادات إيرانية تتخذ من هذا المبنى مقراً لها، مؤكدة أن طيراناً يُعتقد أنه إسرائيلي نفذ 50 غارة على مواقع للنظام والإيرانيين في عموم محافظة دير الزور. فيما تحدثت شبكة "عين الفرات" الإخبارية المحلية عن "حالة من التخبط" تسود صفوف المليشيات الإيرانية في مدينة دير الزور، مشيرة إلى هذه المليشيات نقلت عناصر وسياراتها من المربعات الأمنية إلى المقرات الواقعة بين منازل المدنيين.

ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن هذه الهجمات حتى مساء أمس، ورفض وزير شؤون المستوطنات تساحي هنغبي، رداً على سؤال من إذاعة "ريشيت بيت" الإسرائيلية، التعليق حول مسؤولية بلاده، لكنه أضاف أن إسرائيل تضرب الأهداف الإيرانية في سورية "مرة بعد أخرى... عندما تملي علينا ذلك معلومات المخابرات ووفقاً لقدراتنا العملياتية".

لكن اللافت كان ما نقلته وكالة "أسوشييتد برس" عن مسؤول استخباراتي أميركي بارز على علم بالهجوم، لم تسمه، أن الضربات الجوية نُفِّذت بناء على معلومات استخبارية قدمتها الولايات المتحدة، واستهدفت مستودعات في سورية كانت تُستخدم كجزء من خط الأنابيب لتخزين وتجهيز أسلحة إيرانية، بحسب المسؤول. وذكر المسؤول أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ناقش الغارة الجوية مع رئيس "الموساد" يوسي كوهين، في اجتماع بمطعم ميلانو الشهير في واشنطن يوم الإثنين. وقال المسؤول إن المستودعات كانت بمثابة خط أنابيب لمكونات تدعم البرنامج النووي الإيراني.

بومبيو ناقش الغارة الجوية مع كوهين في واشنطن

وكان الطيران الإسرائيلي قد قصف في السابع من الشهر الحالي أهدافاً عسكرية إيرانية في جنوب سورية شملت محافظة السويداء لأول مرة. ولا يتبنى الجانب الإسرائيلي عادة الغارات على الأهداف الإيرانية بشكل رسمي، ولكن الجيش الإسرائيلي قال قبل أسبوعين في تقريره السنوي إنّه قصف خلال عام 2020 حوالى 50 هدفاً في سورية، من دون أن يقدّم تفاصيل عن الأهداف التي قصفت. كما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، غداة إعلان إسرائيل عن قصفها "أهدافاً عسكرية لفيلق القدس الإيراني وللجيش السوري" في جنوب سورية، إنّ إسرائيل "ستواصل التحرّك وفق الحاجة لضرب التموضع الإيراني في سورية الذي يشكل خطراً على الاستقرار الإقليمي". من جهته، أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي الشهر الماضي أن الضربات الصاروخية "أبطأت وتيرة ترسيخ الوجود الإيراني في سورية".

وكان الحرس الثوري الإيراني قد انتزع جانباً كبيراً من ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات من تنظيم "داعش" أواخر عام 2017، فنشر قوات إيرانية ومليشيات متعددة من مدينة الميادين غرباً إلى مدينة البوكمال وشرقاً بطول أكثر من 50 كيلومتراً. وتشير المعطيات إلى أن طهران تعتبر دير الزور ذات أهمية كبيرة لها، خصوصاً أنها تقع في منتصف ممر بري تخطط لجعله أمراً واقعاً يبدأ من إيران وينتهي على البحر المتوسط مروراً بالعراق. ورأى المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القصف الجوي ليل الثلاثاء-الأربعاء ضد المواقع الإيرانية في محافظة دير الزور "يؤكد الإصرار الإسرائيلي ليس على الحد من الوجود الإيراني في سورية، بل القضاء عليه، وهذا واضح من خلال حجم الغارات ونوعها وأهدافها".

وتضاربت الأنباء حول مصير قاعدة "الإمام علي" في ريف مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، إذ أشارت مصادر محلية إلى أن القاعدة تعرضت لقصف وصفته بـ"الشديد" في الضربات المنفذة فجر الأربعاء، ما أدى إلى تدمير جانب منها. وأكد مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ القاعدة "تعرضت لضربات، ولكن لا توجد معلومات عن الأضرار". وبيّن علاوي أن القاعدة "تقع جنوب شرقي البوكمال بحدود 3 كيلومترات"، مشيراً إلى أن الجانب الإيراني بدأ أواخر عام 2018 بإنشائها على مراحل لتكون مقراً للحرس الثوري، وتعرضت لقصف من طيران التحالف الدولي عدة مرات. وأوضح أن القاعدة تضم مليشيات إيرانية، وأسلحة متوسطة وثقيلة، مشيراً إلى أن القائد السابق لـ"فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني زار هذه القاعدة قبيل مقتله مطلع العام الماضي.

وكانت "فوكس نيوز" الأميركية قد نشرت أواخر عام 2019 صوراً التقطتها الأقمار الصناعية تظهر شروع إيران في بناء قاعدة "الإمام علي"، مشيرة إلى أنه من المقرر أن تؤوي آلاف العناصر، كما يمكن إخفاء شاحنات وكميات كبيرة من المعدات العسكرية داخلها بحسب الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية. ولفتت إلى أن الصور الفضائية أظهرت خمسة مبانٍ مختلفة تم بناؤها حديثاً وتحيط بها أكوام ترابية كبيرة، كما تظهر في الجزء الشمالي الغربي من القاعدة 10 مخازن إضافية مع حماية خارجية أقل، وأيضاً مبانٍ جديدة وهياكل تخزين الصواريخ. وأضافت أن هذه ستكون من أكبر القواعد التي تبنيها إيران في سورية، وأسندت مهمة بنائها لـ"فيلق القدس". وكان مركز "جسور" للدراسات قد أشار في تقرير صدر عنه منتصف العام الماضي إلى أن قاعدة "الإمام علي" أكبر وأضخم القواعد العسكرية الإيرانية في سورية، وهي "محصنة تحصيناً عالياً جداً". ووفق المركز، تضم القاعدة آلاف الجنود ومختلف أصناف القوات، مشيراً إلى أن هناك 13 موقعاً عسكرياً إيرانياً في محافظة دير الزور وحدها.

المساهمون