لم يكن الحكم بسجن وزيرة الهجرة الدنماركية السابقة، إنغا ستويبرغ، وربما طردها من البرلمان، تأييداً لزواج القاصرات. فالوزيرة وقعت في فخ انتفاخ شعبويتها حين وجهت موظفيها، من خارج القنوات القانونية، لفصل لاجئات قاصرات عن أزواجهن، وذلك ما حوكمت عليه.
القصة ببساطة قصة "دولة القانون"، إذ لا رأس فيها أكبر وأعلى من الدساتير والقوانين. وهي تعبير عن الفرق بينها وبين نماذج دول/دويلات الزبائنية والمحسوبيات.
القضية بدأت بتدخل "الأومبودسمان" (ديوان المظالم)، المعمول به في السويد منذ 1809، قبل أن تتبناه جارتها كوبنهاغن منذ دستور 1954، حيث انتصر القانون.
زملاء الوزيرة في البرلمان، يميناً ويساراً، لم يقدموا حماية لها. فعيْن هؤلاء على أقلام اقتراع الشعب كل 4 سنوات، تطبيقاً لدساتيره الديمقراطية منذ 1849، والتي جاءت تتويجاً لصراع وكفاح مريرين، للخروج من ظلامية تحالف سلطتي الكنيسة والملكية المطلقة.
ولأن القياس والمقاربة في السياسة والاجتماع يسمحان بقراءة الدروس والعِبَر عربياً، فثمة أسئلة مكررة في ظل أنظمة تمنح نفسها "حق" فصل البشر عن الحياة، وليس عن بعضهم فقط. وبعيداً عن "الديمقراطية الصهيونية" القائمة على تنافس مَن قتل عرباً أكثر، في مذابح فردية وجماعية منذ 1948، لدينا حاجة ذاتية لألف ألف "ديوان مظالم".
النظر إلى الحالة اللبنانية كافٍ لكشف حماية "الديمقراطية الطائفية" لجماعاتها من العدالة، إن على غرار ما جرى في جريمة تفجير مرفأ بيروت، أو بتمييع وطمس جرائم متعددة، والتي وقودها مواطنو الطوائف نفسها.
وإذا كانت الحالة اللبنانية غير كافية، فثمة ما هو أوضح، عسفاً وفظاعة، عند "الشقيقة" سورية. فنظام الزبائنية والمحسوبيات فيها سلك طريق: "الأسد أو نحرق البلد". وبدل الضرب القانوني بداية عام 2011 على يدي محافظ درعا فيصل كلثوم ومسؤولها الأمني عاطف نجيب، هُجّر الشعب وقتل تحت القصف والقمع، وقضى تعذيباً عشرات الآلاف، ومثلهم من الثكالى والأرامل واليتامى، لأنه تجرأ على أن يطلب الكرامة الآدمية.
بالمختصر، ثمة فارق بين تحويل الأوطان إلى كيانات مفككة و"شبه دول"، بحماية محسوبين على "عظام رقبة النظام"، وأوطان تعيش منذ عقود على تطبيق مبدأ دولة القانون وفصل السلطات، تحت أسقف الدساتير الديمقراطية، غير الشكلية. والنتيجة لا تحتاج عناء الاستكشاف، فمحاكمة ستويبرغ مجرد مثل آخر على حتمية نتائج تطبيق ذلك المبدأ.