عين تركيا على كازاخستان: المصالح الاقتصادية وتوسع النفوذ الروسي

10 يناير 2022
طلب توكاييف المساعدة من روسيا لا من تركيا (Getty)
+ الخط -

كشفت تركيا بشكل رسمي وسريع ومباشر عن موقفها من التطورات المتسارعة في كازاخستان، حيث دعت لحل الأزمة المتصاعدة بين النظام والشعب بطرق سلمية، وبأسرع وقت.

والدعوة التركية مدفوعة برغبتها في منع التدخلات الخارجية في البلاد، إلى جانب المحافظة على العلاقات والمصالح الاقتصادية بين البلدين، ومحاولة تفعيل منظمة الدول التركية، التي تعتبر أنقرة راعيتها والدافعة لها، وتعتبر كازاخستان حجر أساس فيها.

وأعرب وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، خلال اجتماع لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في أنطاليا يوم الأحد الماضي، عن أمل بلاده في إحلال الاستقرار والسلام في كازاخستان بأسرع وقت. وأوضح أن تركيا ومنظمة الدول التركية "ستقدم كافة أشكال الدعم لتحقيق ذلك".

حصلت الشركات التركية العاملة في كازاخستان على مشاريع بحجم تجاوز 26 مليار دولار

وكانت وزارة الخارجية التركية قد أعربت، في بيان الأربعاء الماضي، عن "ثقتها التامة بقدرة الإدارة الكازاخية على تجاوز أزمة الاحتجاجات في البلاد". وأشارت إلى أنها تتابع عن كثب الاحتجاجات، وتولي أهمية كبرى من أجل استقرار كازاخستان الصديقة.

اتصالات لأردوغان بزعماء منظمة الدول التركية

بدوره بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الخميس الماضي، مع زعماء الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية، التطورات الجارية في كازاخستان. 

مع العلم أنه قبل قرابة شهرين افتتح في إسطنبول مقر منظمة الدول الناطقة باللغة التركية، التي تأسست في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2009 وتضم 7 دول، وسط اهتمام كبير من قبل تركيا بتفعيل دور هذه الدول في العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية والثقافية في وسط آسيا. وتضم المنظمة تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزيا وأوزبكستان، إلى جانب المجر وتركمانستان اللتين تحملان صفة مراقب.

وأجرى أردوغان محادثات هاتفية مع كل من نظرائه في كازاخستان قاسم جومرت توكاييف، وأذربيجان إلهام علييف، وقيرغيزيا صدر جباروف، وأوزبكستان شوكت ميرضيائيف. وأعرب عن تضامن تركيا مع كازاخستان، وأن بلاده مستعدة لمشاركة كازاخستان كل أشكال معرفتها وخبرتها التقنية إذا لزم الأمر.

كما يعقد وزراء خارجية منظمة الدول التركية اجتماعاً افتراضياً طارئاً غداً الثلاثاء، لبحث التطورات في كازاخستان، التي تخشى تركيا أن يكون لها ارتدادات سلبية على مخططاتها في آسيا الوسطى والقوقاز. ويأتي ذلك بعد أن لجأت كازاخستان إلى طلب المساعدة سريعاً من روسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، لا من تركيا أو منظمة الدول الناطقة باللغة التركية.

وضع تركيا قدماً في منطقة القوقاز

وكانت التطورات الحاصلة بين أرمينيا وأذربيجان، قبل أكثر من عام، بعد معركة ناغورنو كاراباخ، وسيطرة أذربيجان على الإقليم المتنازع عليه، قد شكلت نقطة تحول لصالح تركيا بدعمها لأذربيجان، بحسب المراقبين، وذلك من خلال وضع قدم لها بمنطقة القوقاز.

طه عودة أوغلو: تركيا تراقب تطورات الأوضاع في كازاخستان بقلق

وتتحدث تركيا عن مشاريع الخط التجاري الواصل إلى قلب القارة الآسيوية، وإنعاش طريق الحرير التجاري التاريخي مجدداً، عبر انفتاح أنقرة واتصالها بوسط آسيا، من خلال دول العالم التركي المنتشرة بهذه المنطقة، ومساعيها لفتح معبر زنغزور التجاري الرابط بين شرق تركيا وأذربيجان عبر إقليم ناهجيوان.

واعتبرت هذه التطورات في حينه، وتوسع المصالح التركية، ضربة للنفوذ الروسي في المنطقة. واليوم، وعلى الرغم من أن العلاقات التركية مع كازاخستان، ومصالح تركيا في البلاد تبدو راسخة، إلا أن أنقرة تتوجس من تداعيات التطورات في نور سلطان، وبشكل خاص تعزيز موسكو لنفوذها أكثر.

وتعتبر كازاخستان الدولة الأبرز في منظمة الدول التركية التي ترعاها أنقرة، وذلك لاتساعها وغناها، حيث يبلغ حجم التجارة بين البلدين قرابة 4 مليارات دولار. والهدف المشترك المعلن بين البلدين هو الوصول إلى 10 مليارات دولار، فضلاً عن الاستثمارات التركية، حيث يبلغ عدد الشركات التركية العاملة في كازاخستان أكثر من 2700. 

وحصلت هذه الشركات على مشاريع بحجم تجاوز 26 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية. ورغم أن أنقرة تسعى لأداء دور في حل الأزمة الحاصلة، لكن مراقبين يستبعدون أن يكون لتركيا تأثيرات كبيرة بسبب التدخل الروسي السريع من جهة، ولبعدها الجغرافي من جهة ثانية، ولرغبتها باستقرار الأمور بسبب المصالح الاقتصادية من جهة ثالثة.

التنافس الروسي التركي في كازاخستان

وعن المواقف التركية، والخيارات أمام أنقرة للتدخل سياسياً وعسكرياً، قال الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا تراقب عن كثب تطورات الأوضاع في كازاخستان، لكن بقلق خاص. لذا جاءت التصريحات من رأس الهرم التركي، أردوغان، سريعة لمتابعة مجريات الأحداث هناك، بعدما أعرب عن أمله في أن يتم تشكيل حكومة جديدة في كازاخستان، وإنهاء التوتر بأسرع وقت ممكن.

واعتبر عودة أوغلو أن "مسارعة تركيا لدعوة وزراء خارجية منظمة الدول التركية للاجتماع بشكل طارئ، بالتزامن أيضاً مع إرسال روسيا قوات من الجيش إلى كازاخستان لدعم السلطات هناك، إشارة واضحة إلى التنافس التركي الروسي المتعاظم مؤخراً في آسيا الوسطى، حيث تسعى أنقرة إلى اقتناص أي فرصة من أجل تعزيز حضورها في تلك المنطقة التي تحظى بنفوذ روسي قوي".

فراس رضوان أوغلو: تركيا لا تستطيع منافسة روسيا بكازاخستان حالياً

وأشار إلى أنه "حتى اللحظة يمكن وصف الموقف التركي بالمتزن، ويميل بشكل كامل لصالح السلطة الحاكمة في البلاد، على الرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين البلدين. لكن الأسباب السياسية والاقتصادية لعبت دوراً كبيراً في توطيد العلاقات بين البلدين خلال السنوات الماضية". وقال: "لا أعتقد أن الدعم التركي سيتجاوز هذا السقف، بسبب التدخل الروسي القوي والسريع".

التوازنات السياسية في كازاخستان لصالح روسيا

من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف التركي هو موقف المترقب والحذر. وكان هذا واضحاً من خلال بيان الخارجية الذي اتصف بالحيادية نوعاً ما، وطالب الأطراف بالتهدئة". 

واعتبر أن هذا الأمر "دليل على أن هناك خلافا سياسيا داخليا في كازاخستان. ولا ننسى أن كازاخستان عضو رئيس في رابطة الدول التركية، ومن هنا يمكن فهم الموقف المترقب، وفي الوسط، دون إظهار ميول لأي طرف".

وأضاف رضوان أوغلو أن "التوازنات السياسية هناك دقيقة، لكنها لصالح روسيا بشكل عام. ولا تستطيع تركيا أن تنافس روسيا هناك في الوقت الحالي، خصوصاً أن روسيا تعتبر أن الغرب يحاصرها من أوكرانيا، وقبلها في بيلاروسيا، والآن في كازاخستان. ولا أظن أن تركيا قادرة على التدخل، لا سياسياً ولا عسكرياً. وأعتقد أنه من المصلحة التركية دعم الحكم الحالي".

المساهمون