عاد مصطلح "الثورة المضادة" إلى الظهور في الخطاب السياسي الرسمي والحزبي بشكل بارز في الجزائر، في خضم الحملة الانتخابية للاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد، والمقرر في الأول من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، دون أن يتم تحديد صفة وهوية القوى الفاعلة في جهة الثورة المضادة.
أحدث تصريحات المسؤولين الجزائريين عن "الثورة المضادة" جاءت اليوم، الاثنين، من وزير العمل والتشغيل الهاشمي جعبوب، الذي أكد أن "هناك ثورة مضادة في الإدارات تقاوم التغيير".
وقال الوزير جعبوب، وهو أيضا قيادي في حزب اسلامي، في اجتماعه مع كوادر وزارته ومفتشي العمل، إن "قوى خفية للثورة المضادة تعمل على عرقلة النمو الاقتصادي من خلال تعطيل المشاريع الاستثمارية في الجزائر"، مضيفا أن "أولى عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي الخلاق لمناصب العمل، تكمن في تحرير الاستثمار من جبروت الإدارة".
واعتبر الوزير الجزائري أن "وجود مئات المشاريع الاستثمارية تعاني في أدراج بعض المسؤولين المحليين ومعطلة لأسباب بيروقراطية بحتة، هي عبارة عن تصرفات ثورة مضادة وممارسات معادية للوطن ولمصالح البلاد، وتتطلب تجندا لمحاربتها وإنهاء وجودها، لتمكين المشاريع من أن تدخل حيز التنفيذ بما يوفر مناصب شغل، ويساهم في إنجاز خطوات الإصلاح، ليشعر الجزائريون بوجود تغيير حقيقي في البلاد، وفق الخطط التي يرسمها الرئيس تبون".
ودخل مصطلح "الثورة المضادة" القاموس الرسمي للخطاب السياسي في الجزائر منذ شهر أغسطس/ آب الماضي، حيث استخدمه الرئيس عبد المجيد تبون في خطاب له أمام الوزراء وحكام الولايات، بحديثه عن وجود ثورة مضادة وعن مجموعات إدارية ومالية كانت مستفيدة من النظام السابق، تسعى لتعطيل مسارات التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، ولا تزال تحلم بالعودة للحكم وباستعادة الأمور في البلاد.
دخل مصطلح "الثورة المضادة" القاموس الرسمي للخطاب السياسي في الجزائر منذ شهر أغسطس/ آب الماضي
كما كان رئيس المحكمة العليا رشيد طبي، وهو أعلى مسؤول قضائي في البلاد، قد استخدم في الفترة نفسها المصطلح نفسه، وقال إن "البلد يتعرض لثورة مضادة".
وارتبط الحديث عن ثورة مضادة في الجزائر من قبل الرئيس والمسؤولين، بالكشف عن حادثة توقيع اتفاق بين مندوبة لعلي حداد، زعيم الكارتل المالي الموجود في السجن والمدان في عدد من قضايا الفساد ونهب المال العام، ومجموعة ضغط أميركية مقربة من الرئيس دونالد ترامب.
وتضمن الاتفاق عقدا بقيمة 10 ملايين دولار للمساعدة والضغط على السلطات الجزائرية للإفراج عن حداد.
ويعبر المتحدثون باسم السلطة من المسؤولين السياسيين والعسكريين، وكذا قادة أحزاب الموالاة بشكل مستمر منذ بدء الحملة الانتخابية، عن وجود "مؤامرة" و"أطراف معادية" و"قوى أجنبية" مناوئة للإصلاح السياسي والدستوري.
وأمس، قال قائد أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة، خلال لقائه قادة الجيش في منطقة تمنرسات، جنوبي الجزائر، إن "هناك متآمرين يسعون إلى تدنيس الجزائر، لكنهم لن يفلحوا في ذلك أبدا بفضل تجند الشعب والجيش، وبهذا التلاحم سيفوت الجزائريون الفرصة على الأعداء".
كما اتهم أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني أبو الفضل بعجي، في تجمع انتخابي لحساب الدستور الجديد، أطرافا داخلية مرتبطة بالخارج بالسعي لتعطيل الإصلاحات السياسية.
خطاب "منتهي الصلاحية"
ويعتقد المحلل السياسي ناصر حداد أن حجم الخطاب المتعلق "بالمؤامرة" غير جدي بالضرورة، ويحيل إلى استخدام خطاب سياسي منتهي الصلاحية.
وقال حداد لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى وإن كانت هناك فعلا بعض الممارسات المعزولة لمسؤولين في الإدارات والمؤسسات الحكومية التي تعطل تنفيذ خطة حكومية أو قرار أو خيارات ما ، فإنها تبقى سلوكا متجذرا في الإدارة الجزائرية أصلا، وهو سلوك ناتج عن ميراث من البيروقراطية، لكنه لا يمكن أن يرقى لأن يكون ثورة مضادة أو مؤامرة".
وأضاف المحلل الجزائري "لا وجود لأي ترابط بين هؤلاء البيروقراطيين، كما أنه لا توجد أطر سياسية أو مدنية تتبنى هذه السلوكات، ولذلك أعتقد أن هناك مبالغة كبيرة من قبل المسؤولين في استخدام وصف الثورة المضادة".
وأشار إلى أن "هذه المبالغة تستهدف التأثير على الجزائريين ودفعهم إلى الاقتناع بأن خيارات السلطة هي الثورة الحقيقية، مع أن جزءا غالبا من مكونات الحراك الشعبي، تعتبر من جهتها أن السلطة في حد ذاتها ثورة مضادة للتغيير الذي طالب به الحراك".