أثارت العودة السريعة والمفاجئة لعدد من القيادات السياسية العربية السنّية في العراق إلى واجهة المشهد السياسي، بعد نحو 8 سنوات من إقصائها، على خلفية الاحتجاجات التي عمت محافظات شمال وغربي البلاد عام 2013، وما أعقبها من أحداث، انتهت باجتياح تنظيم "داعش" مساحات واسعة من البلاد، جدلاً واسعاً خلال الأيام الماضية.
هذه الخطوة تعامل البعض معها على أنها خطوة يقف خلفها تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يضم عدداً من القوى الحليفة لإيران، وتهدف إلى مناكفة القيادات السياسية الحالية في تحالف "السيادة"، في معاقلها التقليدية، رداً على انحيازها إلى التيار الصدري في أزمة تشكيل الحكومة الجديدة. أما آخرون فاعتبروها محاولة تصفير للمشاكل بوساطات داخلية.
وأفرج القضاء العراقي، في العاشر من الشهر الحالي، عن نائب رئيس الوزراء الأسبق وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، المدان بقضايا فساد مختلفة، يصل مجموعها إلى سبع سنوات.
محمد الصيهود: عودة القيادات المبعدة سيكون لها دور مؤثر في المشهد خلال المرحلة المقبلة
كما أعلن، مساء الثلاثاء الماضي، عن عودة أمير قبائل الدليم في العراق، الشيخ علي حاتم، المطلوب للقضاء بتهم الإرهاب، بعد إسقاط التهم عنه. في وقت عاد نجل زعيم "الصحوات" السابق سطام أبو ريشة، الذي يقود جبهة مناوئة لرئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، إلى الأنبار بدعم من جماعة "كتائب حزب الله"، التي منعت تنفيذ مذكرة قبض بحقه مطلع الشهر الحالي.
اتهام "الإطار التنسيقي" بإعادة المبعدين
وفي الوقت الذي ينفي فيه "الإطار التنسيقي" علاقته بعودة "القيادات المُبعدة"، إلى الواجهة مجدداً، يؤكد الطرف السياسي الآخر بأن القوى الحليفة لإيران تقف وراء هذه العودة، بدعمها أو بالموافقة عليها، وتغيير موقفها السابق الرافض لعودتها.
هذا الأمر ألمح إليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في تغريدة له على "تويتر"، بالحديث عن الذين "يسارعون بالصلح مع المتشددين الذين تلطخت أياديهم بالدماء من أجل السلطة والنفوذ".
نائب بارز في البرلمان العراقي الحالي، مقرب من العيساوي، قال لـ"العربي الجديد" طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن العيساوي تمت تبرئته من تهمة دعم الإرهاب التي وجهت له عام 2013 إبان حكومة نوري المالكي، وأغلقت القضية بشكل نهائي. كما أن إحدى قضايا النزاهة أسقطت عنه، وهناك قضية تم قبول خروجه بكفالة عنها تتعلق بعمله وزيراً للمالية بين 2010 و2012.
وأكد أن "قوى سياسية مهمة ضمن الإطار التنسيقي كان لها دور في ترتيب أوراق عودة رافع العيساوي، عبر دعمها، وقوى أخرى بالتحالف ذاته لم تعارض ذلك، احتراماً لرغبة زعماء كتل بالتحالف ذاته"، مضيفاً "لو كانت قوى الإطار رافضة لما تحقق ذلك".
كسر احتكار التمثيل السياسي للسنّة؟
واعتبر أن عودة العيساوي (56 عاماً)، وهو أحد أعضاء الحزب الإسلامي العراقي، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق، "من شأنها أن تعيد التوازن داخل محافظة الأنبار وبغداد، بعد احتكار التمثيل السياسي للعرب السنّة عبر شخصيات محدودة فقط، وهو ما تريده الأطراف التي عملت على إعادتهم للمشهد السياسي".
وحصل الحلبوسي على جميع مقاعد محافظة الأنبار البالغة 15 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، فضلاً عن استحواذه على مقاعد مهمة في محافظات أخرى، على حساب قوى أخرى مثل الحزب الإسلامي العراقي، وتحالف "الإنقاذ" بزعامة أسامة النجيفي.
وفي السياق ذاته، قال سياسي بارز في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن كلاً من العيساوي والشيخ علي حاتم استعادا مقرات إقامتهما السابقة في بغداد، وتم توفير أفراد حماية لهما من أفراد وزارة الداخلية إلى جانب حرسهما الشخصي، متحدثاً عن زيارات في مقرات إقامتهما لشخصيات سياسية مختلفة جرت يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
وكان القيادي في تحالف "السيادة" مشعان الجبوري، قد علق على عودة القيادات المبعدة من العراق أخيراً بأنها "خطوة من خصوم تحالف السيادة، ويهدفون لإثارة المشاكل في الأنبار". وأضاف، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عراقية، أنه يعتقد "أنهم لن ينجحوا"، في إثارة المشاكل لـ"حكمة الفرقاء وتعقلهم".
إزعاج تحالف الحلبوسي والخنجر
لكن القيادي في "الإطار التنسيقي"، النائب محمد الصيهود، رد على الاتهامات الموجهة لتحالفه بالوقوف خلف صفقة إعادة القيادات المبعدة، بأن تحالفه "لا يتدخل في عمل القضاء العراقي".
مصطفى الدليمي: عودة حاتم تمت من خلال وساطة جهات وشخصيات حكومية
وأضاف، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "الإطار التنسيقي لا علاقة له بإعادتهم، لكن عودتهم للمشهد السياسي بعد براءتهم من قبل القضاء، سيكون لها دور مؤثر في المشهد خلال المرحلة المقبلة، وهذا الأمر قد يزعج قيادات (السيادة)، كل من محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، اللذين يحاولان أن يكونا الممثلين عن المكون السنّي سياسياً دون غيرهما". ووصف اتهام "الإطار" بالوقوف "خلف هذه الحركة"، بأنه "جزء من استهدافنا سياسياً، من قبل جهات معروفة".
وأمس السبت دعا مجلس القضاء الأعلى في بغداد، لعدم زج اسمه في الخلافات السياسية الحالية، في أول تعليق حول إسقاط التهم عن العيساوي وحاتم. وذكر، في بيان، أن "القضاء ينظر إلى كل قضية والمتهم فيها وفق الأدلة القانونية، بصرف النظر عن شخصية ذلك المتهم وموقعه السياسي أو الوظيفي أو الاجتماعي".
وطالب المجلس بـ"عدم زج القضاء في الخلافات القائمة على أسباب حزبية وشخصية تنافسية معروفة للمطلعين عن قرب، منها أنها تناقض نفسها في مواقفها إزاء كل قضية فيها متهم له نشاط سياسي"، من دون أن يشير إلى أسباب إسقاط التهم أو ظروف ذلك.
من جانبه، قال مصطفى الدليمي، أبرز مساعدي حاتم ضمن مجلس "اتحاد المعارضة العراقية"، الذي أسسه الأخير خلال السنوات الماضية في إقليم كردستان، إنه "تم إسقاط الدعوة الموجهة ضد حاتم، وهو موجود حالياً في بغداد".
وأضاف الدليمي، لـ"العربي الجديد"، أن "الدعوى كانت مرفوعة ضد الشيخ حاتم من قبل وزارة الدفاع، وتم إنهاء القضية، ولا توجد حالياً أي دعوى تتعلق بالإرهاب أو غيرها ضده".
ورداً على سؤال عن كيفية عودته، قال الدليمي إن عودة حاتم "تمت من خلال وساطة جهات وشخصيات حكومية، وليست هناك أي وساطة لأي طرف سياسي بهذا الملف إطلاقاً، وليس لإيران أي دور في ذلك. ونحن موقفنا من إيران واضح ومعلن، وهذا الموقف ثابت كما هو من دون أي تغيير"، وفقاً لقوله.
عمل لترتيب البيت السياسي السنّي
وتابع: "في المرحلة المقبلة، سيكون لنا عمل سياسي كبير في ترتيب البيت السياسي السنّي في عموم المدن والمحافظات العراقية، وليس في محافظة الأنبار فقط. وسيكون لنا دور في المشاركة بالانتخابات وهذا حق مشروع، كما لدينا حالياً بعض النواب القريبين منا في الدورة البرلمانية الحالية".
محمد سلمان: عودة العيساوي وحاتم تهدف لإضعاف نفوذ الحلبوسي في الأنبار
وأضاف: "سنعود إلى محافظة الأنبار خلال الأيام القليلة المقبلة (معقل قبيلة الدليم في العراق)، وتواجدنا هناك سيكون له تأثير كبير في تغيير الواقع السياسي، خصوصاً بعد محاولة جهة واحدة السيطرة على المشهد هناك".
ووجه الدليمي اتهامات للحلبوسي بـ"الإخفاق طيلة السنوات الماضية في تحقيق مطالبات مشروعة، مثل إعادة النازحين، وكشف مصير المغيبين، وقضايا أخرى"، متعهداً بـ"علاقات جيدة مع كافة القوى السياسية، الشيعية والكردية، مبنية على أساس المشاركة الحقيقية، وليس مشاركة الاستماع فقط دون أخذ رأينا في القضايا المهمة".
إضعاف الحلبوسي في الأنبار
في السياق، ذاته قال محمد سلمان، المستشار السابق للحلبوسي، إن "عودة رافع العيساوي وعلي حاتم، وتنشيط دور سطام أبو ريشة وبعض الشخصيات السياسية في محافظة الأنبار وبغداد، لها أهداف سياسية، الغرض منها إضعاف أو خلق منافس داخل منطقة نفوذ الحلبوسي المتمثلة بمحافظة الأنبار".
وبيّن سلمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "قد لا يؤثر العيساوي وحاتم حالياً في مشهد الدولة والتمثيل الحكومي، باعتبار أنهم لا يملكون نواباً أو مناصب في الحكومة الحالية، لكن وجودهم في الساحة من جديد، سيجري خلاله استقطاب جماهيري كبير في الأنبار وغيرها من المدن".
وأضاف: "المعلومات تقول إن قوى الإطار التنسيقي هي من ساهمت بعودة رافع العيساوي وعلي حاتم للمشهد السياسي، وقد يلحقهما خلال الفترة المقبلة النائب المعتقل أحمد العلواني. فالمصالح السياسية تدفع إلى التعامل مع أشد الخصوم، وتحالف الإطار التنسيقي حالياً بحاجة إلى طرف سياسي سنّي آخر غير تحالف السيادة".
في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "عودة رافع العيساوي وعلي حاتم للمشهد السياسي من جديد، تمثل محاولة لإضعاف قيادات تحالف السيادة. وهذه العودة يبدو أنها تمت من خلال بعض أطراف قوى الإطار التنسيقي، خصوصاً بعد ذهاب الحلبوسي نحو التيار الصدري".
واعتبر أن عودة هذه الشخصيات "لها علاقة وثيقة بالأزمة السياسية الحالية، من حيث التوقيت والأشخاص المستهدفين، لكن قد لا يكون لها تأثير في الوقت الحاضر من الناحية السياسية، إنما سيكون لها تأثير سياسي سلبي على نفوذ الحلبوسي، وعلى مستوى الزعامة السنّية السياسية في المرحلة المقبلة".