بعد تهدئة استمرت أشهراً عدة، عاود الطيران الجوي الروسي شن هجمات على الشمال الغربي من سورية، وذلك بالتزامن مع ورود معلومات متضاربة عن مقتل ضابط روسي كبير، خصوصاً حول ظروف ومكان مقتله ما بين الشمال الغربي من سورية أو في عمق باديتها.
غارة للطيران الروسي
وشن الطيران الحربي الروسي، أمس الثلاثاء، غارة جوية استهدفت محيط قرية بزابور في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، الواقعة ضمن منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سورية، والمحكومة بتفاهمات تركية روسية ضمن مسار أستانة، قائمة على وقف إطلاق النار في المنطقة التي تسيطر على أغلبها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
كما تعرضت بزابور لقصف مدفعي من قبل قوات النظام المتمركزة في المناطق المجاورة، والتي قصفت أيضاً أطراف بلدة إحسم بجبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.
وفي السياق، أفاد الدفاع المدني السوري، في بيان، بأن قصفاً مدفعياً لقوات النظام وروسيا استهدف صباح أمس الثلاثاء، أطراف قريتي أبديتا وبزابور، جنوبي إدلب، مضيفاً أن "فرقنا تفقدت الأماكن المستهدفة، وتأكدت من عدم وقوع إصابات".
يأتي تصعيد الجيش الروسي بعد معلومات عن مقتل عقيد بصفوفه
وكان الطيران الروسي قد شنّ الجمعة الماضي، غارات على مناطق في ريف إدلب الجنوبي، بعد تهدئة امتدت أشهراً، لم يشن خلالها هجمات على شمال غربي سورية، وتحديداً منذ أواخر العام الماضي، فيما استمر القصف المدفعي والصاروخي من قبل قوات النظام والمليشيات التي تساندها بين وقت وآخر.
وجاء التصعيد الروسي بعد بدء خطوات تقارب بين أنقرة ودمشق بدفع ورعاية منه، ومن المتوقع أن يكون مصير ريف إدلب الجنوبي، وتحديداً جنوبي الطريق الدولي "أم 4" (طريق اللاذقية ـ حلب) محط تباحث بين الأتراك والنظام السوري، الذي يريد استعادة السيطرة عليه، لكونه حيوياً ويربط الساحل السوري بمدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري.
وتبدو خرائط السيطرة في ريف إدلب الجنوبي شديدة التعقيد، إذ تسيطر فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" على بلدات في جنوب الطريق المذكور، الذي يمر أغلبه ضمن مناطق سيطرة "الهيئة" في ريفي إدلب الغربي والجنوبي.
كما يأتي التصعيد الروسي بعد أيام قليلة من تردد معلومات عن مقتل ضابط ذي رتبة رفيعة بالقوات الخاصة الجوية الروسية في سورية، وهو العقيد أوليغ فيكتوروفيتش بيتشفيستي. ولم يتبنّ أي من تنظيمي "هيئة تحرير الشام" و"داعش" المسؤولية عن مقتل الضابط الروسي.
فراس علاوي: لا وجود للروس في عمق البادية السورية
وينشط تنظيم "داعش" بشكل واسع في البادية السورية، التي تعدّ معقلاً بارزاً له في سورية، منذ اندحاره في شرقها، بدءاً من عام 2017، وانتهاء بمطلع عام 2019. وشن التنظيم الكثير من الهجمات في البادية مترامية الأطراف خلال الأعوام السابقة ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية.
ولم تجدِ نفعاً كل الحملات البرية والجوية التي شُنت للحد من نشاط "داعش" الذي يشن هجمات خاطفة بمجموعات صغيرة يصعب على الطيران الروسي استهدافها. ولم ترد معلومات عن عدد أفراد التنظيم في البادية أو مستوى تسليحهم، ولكن من المؤكد أنه يملك القدرة على شن هجمات، خصوصاً في محيط منطقة السخنة الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة تدمر، الواقعة في قلب البادية، وتسيطر عليها مليشيات إيرانية وقوات روسية.
مقتل العقيد الروسي
إلى ذلك، أكد رئيس تحرير موقع "الشرق نيوز"، فراس علاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المعلومات "متضاربة حتى اللحظة حول المكان الذي قتل فيه ضابط روسي قبل أيام"، مشيراً إلى أنه "ليس للروس مقرات في عمق البادية السورية".
وأوضح أن وجودهم يقتصر على مدينة تدمر، لافتاً إلى أنه "في حال صحت الأنباء عن مقتل هذا الضابط على يد تنظيم داعش، فمن المؤكد أن التنظيم رصد تحركاته واستهدفه". وقال إن التنظيم موجود في محيط السخنة على جانبي الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بالبادية، ومنها إلى دير الزور في أقصى الشرق.
من جانبه، لا يستبعد المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات في حديث مع "العربي الجديد" أن يكون تنظيم "داعش" وراء مقتل الضابط الروسي، مشيراً إلى أن "للتنظيم خلايا نشطة في البادية السورية". ولفت إلى أن هذا الحادث ليس الأول ولن يكون الأخير.
وربط فرحات عودة القصف الروسي إلى الشمال الغربي في سورية بعد توقف أشهر عديدة، بالحراك السياسي "الساخن" ضمن المشهد السوري برمته، وفي سياق التباين في المواقف بين مختلف الأطراف في سورية.