عودة الجدل حول المحكمة الدستورية في تونس قبل الانتخابات الرئاسية

22 مايو 2024
خلال الندوة التي عقدها "مرصد رقابة"، 21 مايو 2024 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عاد الجدل حول غياب المحكمة الدستورية في تونس إلى الواجهة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، مقارنة بسرعة إيران في التعامل مع الأزمات الدستورية، مما يبرز أهمية المحكمة في إدارة البلاد في حالات العجز أو الوفاة للرئيس.
- "مرصد رقابة" أشار خلال ندوة إلى أن السبب الرئيسي لغياب المحكمة يعود إلى عدم إصدار القانون المنظم لها وتباطؤ السلطات في تحريك المبادرات التشريعية اللازمة لتأسيسها، مؤكداً على أهميتها في ضمان انتخابات شفافة.
- تم التأكيد على أن استقرار التوازنات السياسية والاجتماعية ضروري لتعيين أعضاء المحكمة وضمان قبول قراراتها، مع التشديد على دور المحكمة في تأمين نقل السلطة والحفاظ على السلم الاجتماعي، وأن القانون يجب أن يكون الضامن الحقيقي لانتقال السلطة.

عاد الجدل حول غياب المحكمة الدستورية في تونس قبيل الانتخابات الرئاسية المنتظرة خريف هذا العام (أكتوبر/ تشرين الأول على الأرجح بحسب هيئة الانتخابات)، إذ أثارت سرعة اتخاذ التدابير الدستورية في إيران بعد موت الرئيس إبراهيم رئيسي ومرافقيه، وتعيين نائب الرئيس وموعد الانتخابات وغيرها من الإجراءات، جدلاً في تونس، مقارنةً بحالة الغموض الدستورية في البلاد.

وينص الدستور التونسي الجديد على تولي رئيس المحكمة الدستورية إدارة البلاد في حالة العجز التام أو الوفاة والاستقالة، إلا أن المحكمة غير موجودة حتى اللحظة، ولا أحد يفهم سبب عدم تشكيلها إلى اليوم، رغم أنّ أعضاءها معروفون بصفاتهم. وفي هذا السياق، عقد "مرصد رقابة"، أمس الثلاثاء، ندوة حول "غياب المحكمة الدستورية، هشاشة المنظومة القانونية والسياسية في ظل سنة انتخابية".

أسباب غياب المحكمة الدستورية في تونس

وقال رئيس المرصد عماد الدايمي لـ"العربي الجديد"، إنهم حاولوا رصد مختلف الآراء القانونية والأكاديمية والسياسية بخصوص تواصل غياب المحكمة الدستورية في تونس وأسباب ذلك واستتباعاته، مشيراً إلى أن الندوة جاءت "تزامناً مع قُرب موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، ولضمان أوفر الشروط لانتخابات شفافة ونزيهة تحقق الشرعية القانونية والمشروعية اللازمَة، يطرح مرصد رقابة هذا التقرير حول غياب المحكمة الدستورية وأثَر ذلك على المنظومة القانونية، إضافة إلى الضمانات التي تخولها المحكمة في مجال الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور وتخرقها قوانين ومراسيم على غرار المرسوم عدد 54".

وأضاف الدايمي (سبق أن شغل منصب مدير ديوان الرئيس الأسبق منصف المرزوقي): "أعتقد أن هذا الغياب ناتج أساساً من عدم إصدار القانون المتعلق بتنظيم المحكمة الدستورية والذي من الفروض أن يصدر قبل تعيين قضاتها لتحديد الإجراءات والآجال والضمانات اللازمة لاستقلاليتها وحسن أداء مهامها. كما أنه رغم تبسيط إجراءات التعيين من بين القضاة الأقدم في الدوائر التعقيبية للأقضية الثلاثة (عدلي وإداري ومالي). ورغم إعلان رئيس الجمهورية (قيس سعيّد) منذ يوليو/ تموز 2022 ضرورة الإسراع في إعداد مشروع القانون المنظم للمحكمة الدستورية واعتبار النواب ورئيس مجلس نواب الشعب أن هذا القانون من أولويات المجلس، فإنه لا أثر لأي مبادرة تشريعية في الغرض، لا من رئيس الجمهورية، ولا من النواب".

توازنات سياسية

إلى ذلك، أكد رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التعامل مع موضوع المحكمة الدستورية في تونس منذ عشر سنوات، يتم بطريقة إجرائية وسياسوية. إجرائية؛ بمعنى المطالبة بتطبيق ما جاء في الدستور من إرساء المحكمة الدستورية في موعدها المحدد حتى يتسنى لها القيام بالدور المنوط بعهدتها. وسياسوية؛ بمعنى استغلال هذا الفراغ الدستوري بوصفه إخلالاً من قبل رئيس الجمهورية بالتزاماته الدستورية للضغط عليه وهرسلته".

وأضاف أستاذ القانون الدستوري، أن "مشكلة إرساء المحكمة الدستورية هو أعقد وأعمق من مجرد توافر الإرادة السياسية، وهو مرتبط بضرورة استقرار التوازنات السياسية والاجتماعية. المحكمة العليا في أميركا مثلاً هي انعكاس للتوازنات الاجتماعية والسياسية في المجتمع المنقسم إلى جمهوريين وديمقراطيين، محافظين وليبراليين. وهذا الاستقرار أو التوازن الاجتماعي والسياسي ضروري، لا فقط من أجل تعيين أو انتخاب أعضاء المحكمة، بل ضروري من أجل تمكين أعضاء المحكمة من اتخاذ القرارات المناسبة مع قبولها الطوعي والإرادي من قبل المجتمع. وخصوصاً عندما تكون المواضيع الخلافية التي ستطرح على أنظار المحكمة مرتبطة مثلاً بالعلاقات المثلية ومكانة الإسلام في تونس والمساواة في الإرث والنوع الاجتماعي، وغيرها من المواضيع".

واعتبر الحوكي أنّ "من المعقول أن يطرح موضوع أهمية المحكمة ودورها في تأمين نقل السلطة في حالة وجود شغور في منصب رئيس الجمهورية... هنا يمكن بالفعل أن تلعب المحكمة دوراً مهماً حتى وإن كان دوراً مساعداً في استقرار الوضع والحفاظ على السلم الاجتماعي، ولكن في تقديري هذا الكلام يبقى مثالياً ولا معنى له، إذ إنّ منظومة قيس سعيّد، إن صح أنها منظومة انقلابية، فلا بد أن تسقط برحيله بكل ما فيها وما عليها من البرلمان إلى المحكمة الدستورية. ثم إن الضامن الحقيقي لانتقال السلطة هو العسكر والأمن أو ما يُسمى القوى الصلبة وليس تلك القواعد القانونية الباهتة التي لا تعني التونسي في أي شيء".

الصغير الزكراوي: ما وقع في إيران منذ يومين يجعلنا نطالب بتنزيل المحكمة الدستورية اليوم قبل الغد

بدوره، تناول أستاذ القانون العام، الصغير الزكراوي، في مداخلته خلال الندوة المذكورة مكانة المحكمة الدستورية في تونس. وقال إن "المحكمة الدستورية يجب وضعها في إطار ما يسمى التأسيس الجديد أو الجمهورية الجديدة أو المقاربة الجديدة كما يحلو لرأس السلطة التنفيذية أن يسميها والتي أفرزت هذا البناء الجديد وهذا الدستور". وأفاد بأن "المحكمة الدستورية توضع في هذه المنظومة، ولكن هل يمكن أن تقوم بدورها في نظام الفرد الواحد وماذا ستقدم المحكمة في منظومة الفرد الواحد وفي غياب المؤسسات؟".

وتابع الزكراوي قائلاً: "ما وقع في إيران منذ يومين يجعلنا نطالب بتنزيل المحكمة الدستورية اليوم قبل الغد، فالنائب الأول للرئيس هو من يتولى السلطة مع إجراء الانتخابات في 50 يوماً والعقل السياسي للدول يفرض هذا، فلا يقبل أن تبقى دولة في حالة فراغ، فمن هنا تكمن ضرورة إرساء وتنزيل المحكمة الدستورية ولكن ننتظر قانونها وصلاحياتها، ولا ندري التفسير عن سبب عدم تركيزها؟".

خالد الدبابي: دون محكمة دستورية، لا وجود لدستور ولا وجود لدولة قانون، فالدستور قاعدة قانونية

وأكد أنه لا يمكن لأي دولة أن تقول إنها ديمقراطية دون وجود محكمة دستورية، التي تعتبر بديهية، وأضاف: "لا نتحدث اليوم عن سيادة القانون وحرية التعبير في غياب محكمة دستورية، فالبلدان التي لا يوجد فيها فصل بين السلط وتوازن بينها لا يمكن أن تكون دولة ديمقراطية".

أما أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، خالد الدبابي، فقال في مداخلته إنه "يجب أن نتفق أنه دون محكمة دستورية، لا وجود لدستور ولا وجود لدولة قانون، فالدستور قاعدة قانونية، منذ ظهور المدرسة الوضعية، فالقانون مقارنة بباقي القواعد لا يصبح قانوناً إلا في وجود جزاء عند مخالفة القانون، فيتوجب الأمر وجود سلطة قضائية مهمتها توقيع جزاء على كل مخالف، وفي غياب محكمة دستورية، كل السلطات، وخصوصاً السلطة التشريعية، يمكن أن تضع قواعد تخالف الدستور".

وتابع: "الديمقراطية تقوم على السلطة والسلطة المضادة، وبشكل موضوعي دستور 1959 و2014 ودستور 2022 ليست دساتير بالمعنى الحقيقي للكلمة لأننا لم نعرف رقابة قضائية على دستورية القانونية لأنه في ظل دستور 59 كان هناك مجلس دستوري وليس محكمة دستورية حقيقية، وفي 2014 لم تركز المحكمة الدستورية وفي 2022 لم تركز إلى اليوم أيضاً". وأفاد بأنه "في غياب المحكمة الدستورية في تونس فإن الدستور ليس دستوراً، بل هو مجرد برنامج سياسي يمكن للسلطة التشريعية أو التنفيذية أو أي سلطة أخرى، أن تخرقه متى شاءت ذلك"، بحسب قوله.

المساهمون