أعاد التصعيد الذي تفجر، الليلة الماضية وفجر اليوم الأحد، بين المقاومة في قطاع غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، في أعقاب إطلاق فصائل فلسطينية صواريخ على المنطقة المحيطة بتل أبيب ورد الاحتلال بمهاجمة أهداف لحركة "حماس"، الاهتمام بمستقبل التهدئة بين غزة وإسرائيل.
وسلط هذا التصعيد الأضواء على طابع الخلافات داخل المؤسستين العسكرية والأمنية في تل أبيب من مسألة التهدئة مع المقاومة في غزة.
وبحسب يوسي يهشوع، المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، فإنه في الوقت الذي يبدي عدد من قادة الجيش، وضمنهم رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش هرتسلي هليفي، حماساً للتوصل إلى اتفاق ينظم تهدئة طويلة الأمر مع "حماس"، فإن رئيس جهاز "الموساد"، يوسي كوهين وقيادات عسكرية أخرى يحذرون من مثل هذا الاتفاق، على اعتبار أن التوصل لتهدئة يتطلب أولاً تحقيق الردع في مواجهة الفصائل الفلسطينية.
وكتب يهوشوع عل حسابه على "تويتر"، اليوم، أن "كوهين وبعض الجنرالات يرون أن تحقيق تهدئة طويلة يفرض أولاً على إسرائيل "تغيير المعادلة" القائمة بين حماس وإسرائيل".
وإن كان كوهين وزملاؤه لم يبينوا المقصود بتغيير "المعادلة القائمة"، فإنهم يعنون شن عمل عسكري كبير ضد قطاع غزة يفضي إلى المس بدافعية حركات المقاومة للتصعيد والاحتكاك بإسرائيل.
وإلى جانب الرؤى المتعارضة بشأن التعامل مع قطاع غزة داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية في تل أبيب، فإن هناك تباينا أيضاً داخل المستوى السياسي من مسألة التعاطي مع غزة.
فقد عاد وزير المالية الليكودي يسرائيل كاتس، اليوم الأحد، في مقابلة مع إذاعة "كان" الرسمية، إلى الترويج لخطته التي تدعو إلى الفصل الاقتصادي التام مع غزة، وضمن ذلك السماح بتدشين ميناء عائم قبالة ساحل القطاع، والشروع في مشاريع بنى تحتية كبيرة توفر فرص عمل.
ومن الواضح أنه في ظل الأزمة السياسية الكبيرة التي تعصف بإسرائيل، فإنه من غير المتوقع أن تحسم حكومة تل أبيب موقفها من الخلاف بين قيادات المؤسستين العسكرية والأمنية، ولا يمكنها أيضاً قبول خطة كاتس.
فرئيس الحكومة الإسرائيلية يعي أنه ليس بوسعه تمرير اتفاق تهدئة طويل مع "حماس"، لأنه سيتضمن حتماً تقديم تسهيلات اقتصادية كبيرة تقلص كثيراً من حدّة الحصار المفروض حالياً على غزة.
فقادة الأحزاب اليمينية والكثير من القيادات في المعارضة يرفضون اتفاق تهدئة مع "حماس" لا يضمن في الوقت ذاته إطلاق سراح الجنود والمستوطنين الذين تأسرهم الحركة. ومما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن الحد الأقصى الذي تبدي إسرائيل استعداده لقبوله في إطار هذه الصفقة أقل بكثير من الحد الأدنى، كما تراه "حماس".
وتطالب حركة "حماس" تطالب بإطلاق سراح عدد كبير من الأسرى، وتحديداً من ذوي المحكومات العالية الذين أدينوا بقتل جنود للاحتلال ومستوطنين؛ وهو ما لا يمكن أن تقبله إسرائيل.
وفي المقابل، فإن الإقدام على عمل عسكري كبير ضد غزة حالياً يعد مخاطرة كبيرة بالنسبة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لأن عدم حسم نتائجها بشكل واضح لصالح إسرائيل سيوظف ضده داخلياً، لا سيما مع تعاظم المؤشرات على تبكير الانتخابات.
وفي الوقت ذاته، فإن إسرائيل ليس بوسعها التورط في عمل عسكري طويل في غزة في ظل مواجهتها تفشي وباء كورونا؛ إلى جانب سيادة حالة انعدام اليقين على الجبهة الشمالية.
وفضلاً عن ذلك، فإنه حتى المتحمسين لشن عمل عسكري كبير على غزة بهدف مراكمة الردع في مواجهة فصائل المقاومة يعون تماماً أن كلاً من تل أبيب و"حماس" ستعودان إلى النقطة ذاتها التي كانت سائدة قبل شن هذا العمل، كما حدث في أعقاب الحرب التي شنتها إسرائيل في 2014.
وفي ظل ما تقدم، فإن إسرائيل ستواصل حالياً محاولة العودة إلى صيغ الهدنة المؤقتة التي عادة ما تتوصل إليها مع "حماس" برعاية مصرية، على اعتبار أنه على الرغم من أن هذه الهدنة لا تضمن وقف إطلاق الصواريخ من غزة بشكل تام، إلا أنها بشكل عام تعد أقل الخيارات خطراً بالنسبة لتل أبيب.