عن الهدنة وتبادل الأسرى ونهاية الحرب

25 فبراير 2024
تظاهرة في لندن أمام مقر حزب العمال للمطالبة بوقف دائم لإطلاق النار (مارك كيريسون/Getty)
+ الخط -

سلمت حركة حماس في أوائل فبراير/شباط الجاري للوسيطين القطري والمصري ردّها على ورقة باريس للهدنة في غزّة، التي كانت قد تسلمتها نهاية يناير/كانون الثاني. قال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إنّ الردّ أتى بأجواءٍ إيجابيةٍ، وعليه استقبلت العاصمة المصرية مباشرةً وفدًا من الحركة برئاسة عضو المكتب السياسي خليل الحية، للتباحث التفصيلي في ردها، قبل أن يتوجه رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية نفسه إلى القاهرة، التي استضافت لقاءاتٍ مكثفةً أميركيةً مصريةً قطريةً إسرائيليةً لمتابعة جهود التوصّل إلى التهدئة، وصفقة تبادل الأسرى، وفقًا لرئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، الذي أكد مواصلة العمل من أجل التوصل إلى تهدئةٍ بغزّة، كما حصل بالمرّة الأولى في الأسبوع الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

تحدثت ورقة باريس عن هدنةٍ إنسانيةٍ تشبه نظيرتها السابقة، ولكنها بدت كتوسيعٍ أو تحديثٍ لها كمًّا ونوعًا، تمتد على ثلاث مراحل، من ثلاثة إلى أربعة أشهر، وتتضمن تبادل أسرى يشمل النساء والأطفال والمسنّين والمرضى أولاً، ثم الجنود، وأخيرًا جثث الإسرائيليين لدى المقاومة في غزّة مقابل أعدادٍ متفق عليها من الأسرى الفلسطينيين، وزيادة المساعدات الإنسانية الواردة إلى غزّة كمًّا ونوعًا.

روح ورقة باريس التي صيغت بين أميركا وإسرائيل أولاً، وعمل عليها رئيسا السي أي إيه والموساد، وليم بيرنز ودافيد برنياع، تتعلق أساسًا بالتوصل إلى هدنةٍ إنسانيةٍ طويلةٍ، وتبادل أسرى، وإدخال المساعدات إلى غزّة، تماماً كما كان الحال في نوفمبر الماضي، لكن بشكلٍ موسّعٍ أو مرنٍ أكثر، بغرض إبقاء الأفق مفتوحًا أمام وقف إطلاق نارٍ مستدامٍ في ما بعد، ومن دون أن تنص على ذلك صراحةً، كي تقبلها حكومة بنيامين نتنياهو. ثم أدخل الوسيطان العربيان، قطر ومصر، بالتفاهم مع الطرف الأميركي تعديلاتٍ تتعلق بالمدى الزمني وأعداد الأسرى، ومضاعفة المساعدات الإنسانية مضاعفةً جديةً لغزّة تصل إلى 300 شاحنة يوميًا، قابلة للزيادة 100 شاحنة حاليًا، من معابر ومنافذ بريةً وبحريةً وجويةً متعددةً، رفح وكرم أبو سالم ومطار وميناء العريش وأسدود، مع عودة النازحين إلى خانيونس والمعسكرات الوسطى، وإذا أمكن إلى غزّة والشمال أيضًا.

هذه قضايا غابت عن ردّ حماس الذي بدا وكأنه أقرب وأشبه بالعودة إلى تفاهمات الهدوء مقابل الهدوء

تلحظ الورقة كذلك، أو هي استندت في توقيت طرحها إلى حقيقة انتهاء إسرائيل من المرحلة الثانية للحرب، وسحب ألويةٍ وفرقٍ قتاليةٍ عديدةٍ، والانتقال إلى المرحلة الثالثة في الشمال والوسط، وقريبًا في خانيونس. إذ تشهد المرحلة الجديدة إعادة انتشارٍ خارج المناطق السكنية والمدن والبلدات والمخيّمات، وإبقاء حاجزٍ عسكريٍ بالوسط، للتحكم بالحركة داخل القطاع بين الشمال والجنوب، الفرقة 99، ونشر الجيش على الحدود، ولكن داخل غزّة نفسها، حيث المنطقة الآمنة التي أوشك الاحتلال على الانتهاء من إقامتها، وتضم 60 كيلومترًا مربعًا، أي سدس مساحة القطاع الإجمالية البالغة 360 كيلومترًا مربعًا.

من جهتها ردّت حماس بروحٍ إيجابيةٍ على ورقة باريس، كما قال عن حق رئيس الوزراء القطري ومسؤولون مصريون، إذ ترك الردّ مجالاً للتفاهم، حسب تعبير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والبيت الأبيض، كونه جاء أقرب للموافقة على فكرة الهدنة نفسها، مع وضع جداول زمنيةً، وتفاصيل ومطالب بهدف الوصول إلى وقفٍ نهائيٍ لإطلاق النار والحرب عامةً، وانسحاب جيش الاحتلال، بالتزامن مع المرحلة الثانية، التي تضم الجزء الأهمّ والأكبر من صفقة تبادل الأسرى، إضافةً إلى طرح ملفات إعادة الإعمار، ورفع الحصار عن غزّة، بمعنى العودة بنهاية المرحلة الثالثة، بعد أربعة أشهر تقريبًا، إلى ما قبل طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

عمليًا؛ ترتبط هذه الملفات أكثر بما يوصف بصباح اليوم التالي للحرب، والذي تعمل عليه واشنطن بمساراتٍ منفصلةٍ، أو للدقة موازيةٍ لورقة باريس وتفاهماتها، مع توسيع الدائرة لتشمل إضافةً إلى الوسيطين الرئيسيين، قطر ومصر، دولٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ أخرى، تركيا والسعودية والإمارات والأردن، وإسرائيل نفسها، وبدرجةٍ أقلّ السلطة الفلسطينية.

غالبًا، حسب القبول القطري والمصري، وتصريحات بلينكن والبيت الأبيض، وحتّى تصريحات نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، فإنّ ردّ حماس لم يغلق الباب أمام ورقة باريس، إنّما فتحه على مزيدٍ من التفاوض، خاصّةً أنّها، أي الورقة، كانت أقرب إلى اتّفاق الإطار الفضفاض، وتحتاج بنودٍ عديدةٍ فيها إلى تفاوضٍ وتوضيحٍ وتفصيلٍ، وهناك قبولٌ وتفهمٌ لمعظم مطالب حماس، ذات البعد الإنساني والمرحلي والمرتبطة بروح الورقة وسياقها، كونها خاصّةٌ بالهدنة وتبادل الأسرى والوضع الإنساني، وستتم الموافقة على زيادة حجم المساعدات كمًّا ونوعًا، بما في ذلك الوقود والخيم والبيوت الجاهزة، ودعم المستشفيات والمؤسسات الصحية لاستئناف عملها، خاصّةً بالشمال؛ أخرجت إسرائيل غالبيتها العظمى عن الخدمة، مع عودة النازحين الأكيدة إلى مدنهم وبلداتهم ومخيّماتهم، أو للدقة أطلالها وأنقاضها، في خانيونس والمخيّمات الوسطى، وبدرجةٍ أقلّ وجزئيًا إلى مناطق غزة والشمال، ولو للنساء والأطفال، مع انعدام مقومات الحياة هناك، وربطها بمرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار الشاملة للقطاع.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

بالطبع، ستكون صفقة تبادل للأسرى، إذا خرجت للنور، على ثلاث مراحل، مع فارقٍ زمنيٍ بينها، لأسبوع على الأقلّ، ويفترض أن تمتد لثلاثة أو أربعة أشهر على الأقلّ، تستمر خلالها التهدئة ووقف إطلاق النار، ودور لحماس في اختيار أسماء الأسرى من القادة وأصحاب المحكوميات الطويلة، تطالب حماس بتحديد أسماء 500 أسيرٍ على الأقلّ من أصل 1500، الوسطاء منفتحون على 200 إلى 300، للإفراج عنهم، خاصّةً في المرحلة الثانية، التي تشمل إطلاق الجنود الأحياء، مع إجماع على التوافق على إطلاق سراح النساء والمرضى والمسنين الفلسطينيين، وبالطبع جثث الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال.

غير أنّ ملفات إدارة غزّة، وإعادة الإعمار، ورفع الحصار، ونهاية الحرب، والانسحاب مرتبطةٌ كلّها باليوم التالي، مع فترةٍ انتقاليةٍ تشهد الإغاثة والتعافي أو الاستشفاء، وإشاعة أجواء الأمن والاستقرار قبل الشروع الجدي في إعادة الإعمار، التي تستغرق سنوات وتحتاج الى عشرات المليارات من الدولارات.

وهي مرتبطة كذلك بالأفق السياسي بما في ذلك اصلاح وتجدد السلطة، وشق مسار جدي لا رجوع عنه نحو الدولة الفلسطينية، والمستند بالضرورة لنهاية الحرب ووقف إطلاق النار النهائي، والانسحاب من غزّة وتشكيل حكومة جديدة بصلاحياتٍ أوسع، وهي الملفات التي تربطها واشنطن كذلك بالتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل. هذه قضايا غابت عن ردّ حماس الذي بدا وكأنه أقرب وأشبه بالعودة إلى تفاهمات الهدوء مقابل الهدوء، بعد جولات القتال والحروب الصغيرة والمعارك السابقة خلال العقد الأخير، وهي غير مطروحة بذهن الوسطاء بهذه الطريقة لا حاليًا ولا بعد نهاية الحرب.

لا شك أن الردّ تأثر ولو نسبيًا بموقف الفصائل الأخرى، التي رفعت السقف كعادتها من دون أن تمانع حماس الاستفادة من ذلك في تحسين موقفها التفاوضي، وأعتقد أن الحركة تعي جيدًا التعارض بين ردّها وروح وفلسفة وسياق ورقة باريس، لكنها سعت إلى إبقاء قضية انتهاء الحرب، ووقف إطلاق النار المستدام، والانسحاب على الطاولة، بعد التضحيات الجسام التي قدمتها غزّة، ولا يقل عن ذلك أهمّية إبقاء نفسها في دائرة التفاوض خلال الشهور القادمة، وحتّى بعد ذلك، في ما يتعلق بحوارات ونقاشات اليوم التالي للحرب.

ترتبط هذه الملفات أكثر بما يوصف بصباح اليوم التالي للحرب، والذي تعمل عليه واشنطن بمساراتٍ منفصلةٍ، أو للدقة موازيةٍ لورقة باريس وتفاهماتها

لا بدّ من التوقف كذلك عند التعاطي الإسرائيلي مع ورقة باريس، التي كانت تل أبيب، أو للدقة المؤسسة الأمنية شريكةً فيها، بالتنسيق مع البيت الأبيض، قبل أن يتراجع نتنياهو ويطلّب من وزرائه مهاجمة الورقة، ويضع تهديد اجتياح رفح على الطاولة، للضغط والابتزاز باتجاه القاهرة وحماس معًا.

في الأخير ومع رفع الوسطاء جهودهم ومساعيهم، والحديث عن قمةٍ سياسيةٍ أمنيةٍ جديدةٍ في باريس، وانفتاح المقاومة على تلك الجهود، إلّا أنّ العقبة كانت ولا تزال في إسرائيل، وسعي نتنياهو وحلفائه الأكثر تطرفًا إلى مواصلة الحرب إلى أبعد مدىً زمنيًا، حتّى بثمن التضحية بالأسرى، ونحن أمام فترةٍ حاسمةٍ قبل شهر رمضان الكريم، فإما هدنةً طويلةً مفتوحةً على نهاية الحرب، وصفقة تبادل أسرى عادلةً، وتحسين جدي للأوضاع الإنسانية في غزّة ، أو نسف الجهود كلّها واجتياح رفح، وغرق إسرائيل بحرب استنزافٍ بالوحل الغزّاوي، وتصعيدٍ وانفجارٍ كبيرٍ في القدس والضفّة، وربّما في عمان والقاهرة والإقليم برمته، وهو ما تخشاه إدارة جو بايدن على  أعتاب  الانشغال بالانتخابات الحاسمة المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

المساهمون