عنف ما قبل الرئاسيات يضرب السنغال

16 يونيو 2023
احتجاجات داكار، 3 يونيو الحالي (جون ويسيلز/فرانس برس)
+ الخط -

يرتفع منسوب العنف في السنغال قبل 8 أشهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 فبراير/شباط المقبل، على وقع الصدامات بين أنصار المعارضة بقيادة عثمان سونكو الذي مُنِع من الترشح والسلطات بقيادة الرئيس ماكي سال الذي لا يزال صامتاً بشأن إمكانية ترشحه لولاية ثالثة بالمخالفة للدستور.

وبلغت أعمال العنف ذروتها بين 1 و3 يونيو/حزيران الحالي. ومع أن الرئيس السنغالي، الذي يتولى السلطة منذ عام 2012 لم يفصح عن نواياه بعد، لكنه رفض الإقرار بأن ترشحه لولاية ثالثة أمر غير دستوري.

ضغوط على سونكو

ولا يحق لسال الترشح لولاية جديدة، بحسب التعديلات الدستورية التي أُقرّت في عام 2016. لكن ما يعزز الاعتقاد أن سال يرفض التنازل عن سدة الرئاسة، هو الضغط القضائي على سونكو، إذ اتُهم بداية في مارس/آذار 2021، بالاغتصاب بعد شكوى رفعتها ضده موظفة في صالون تدليك صحي بداكار، ومُنع من خوض الانتخابات التشريعية التي نُظمت في يوليو/تموز 2022.

وفي أواخر الشهر الماضي، حكمت المحكمة الجنائية على سونكو بالسجن سنتين نافذتين بتهمة "إفساد الشباب"، فيما حصل على البراءة في قضية الاغتصاب. وبهذا الحكم، لن يكون في وسع سونكو المشاركة في الانتخابات الرئاسية.

لا يحق لسال الترشح لولاية جديدة، بحسب التعديلات الدستورية، لكن ما يعزز الاعتقاد أن سال يرفض التنازل عن سدة الرئاسة، هو الضغط القضائي على سونكو

وأدت هذه التطورات إلى اندلاع احتجاجات المعارضة ضد السلطات وسقوط ضحايا، فسونكو، الذي يملك شعبية مرتفعة بين الشباب، يمثل واجهة لتحالف معارض يضمّ أكثر من 120 حزباً وجماعة سياسية ومنظمة مجتمع مدني، وافقت على ميثاق حركة "أف 24" في إبريل/نيسان الماضي، المناهضة لترشح سال لولاية رئاسية ثالثة.

ومن الطبيعي أن هذه الأجنحة المعارضة ستدعم سونكو في الرئاسيات المقبلة، بعد أن أثبت قدرته على المنافسة. ففي رئاسيات 2019، حلّ سونكو ثالثاً بـ16 في المائة من الأصوات، بينما جاء سال أول بـ58 في المائة من الأصوات. مع العلم أن سونكو تعرّض للضغط، الذي اشتد عشية انتخابات 2019. ولم يسرِ منع سونكو من المشاركة في التشريعيات على الانتخابات البلدية، فأُعيد انتخابه عمدة لمدينة زيغينشور في يناير/كانون الثاني 2022.

وسونكو معارض للنفوذ الفرنسي في السنغال، خصوصاً استخدام عملة "الفرنك" في داكار. وتحول إلى رمز للشبان السنغاليين الذين ينظرون إليه على أنه الرجل "النظيف" بمعنى غير "الفاسد" مقارنة ببعض المسؤولين الكبار في الدولة والقادر على "إدارة" شؤون السنغال. وعمل كمفتش في المالية والضرائب، قبل تأسيسه "النقابة المستقلة لموظفي الضرائب"، بعد اكتشافه العديد من التجاوزات المالية وسوء التسيير في الإدارة العامة بالسنغال.

وأفضى منع القضاء السنغالي سونكو من الترشح للانتخابات الرئاسية، وعدم إعلان سال عدم ترشحه لولاية ثالثة، إلى اندلاع الاحتجاجات في الشوارع. وأعلنت منظمة العفو الدولية في 8 يونيو، أنها أحصت سقوط 23 قتيلاً، وهي حصيلة أعلى من تلك التي قدمتها السلطات، التي أعلنت مقتل 16 شخصاً.

وطالبت منظمة العفو بإجراء تحقيق مستقل. ومن خلال 18 مقابلة ومقاطع فيديو موثقة وشهادات وفاة وتقارير تشريح جثث تشهد على إصابات بطلقات نارية، نددت المنظمة بـ"الاستخدام المفرط للقوة"، وكذلك باعتداءات على حرية التعبير والإعلام. وقالت المنظمة في بيان إن هناك "23 قتيلاً حسب أرقامنا، قُتل عدد منهم بالرصاص"، بينهم ثلاثة قصّر.

وذكرت منظمة العفو أنها لاحظت، في مقاطع فيديو دققت فيها، وجود مسلحين بملابس مدنية إلى جانب الشرطة يهاجمون متظاهرين بعنف. وذكر المدير التنفيذي لمنظمة العفو في السنغال، سيدي غاساما، في بيان، أنه "يجب على الدولة ألا تسمح بوجود أفراد غير محددي الهوية في صفوف قوات الأمن خلال عمليات لإنفاذ القانون، وألا يتم استخدام القوة. فهذه انتهاكات واضحة للقانون الدولي". من جهته أفاد المالك ندياي، المتحدث باسم حزب باستيف، الذي يقوده سونكو، في 8 يونيو، بسقوط 26 قتيلاً في الاضطرابات حسبما نقل موقع "دكار أكتو".

مبررات الحكومة لاستخدام القوة

وسبق أن بررت الحكومة استخدام القوة بالحاجة إلى إعادة النظام في مواجهة ما وصفته بأنه محاولة لزعزعة استقرار الدولة. وإثر خروج الأمور عن السيطرة، أمر الرئيس السنغالي بالتحقيق لمعرفة المسؤول. وعقب جلسة لمجلس الوزراء في داكار، قبل نحو أسبوع، قال المتحدث باسم الحكومة، عبده كريم فوفانا إن "الرئيس يدين بشدة هذه الهجمات شديدة الخطورة على الدولة والجمهورية ومؤسساتها".

وأضاف أن الاحتجاجات تضمنت عنفاً ونهباً وهجمات إلكترونية "كان هدفها بلا شك زرع الخوف والجمود في بلادنا". وشدّد فوفانا على أن سال منفتح على الحوار والاستشارات مع كل "القوى المحركة للأمة، وبالاتفاق مع سيادة القانون ورغبتنا المشتركة في العيش معاً في سلام واستقرار وتضامن". ولفت إلى أن سال طلب من الحكومة اتخاذ إجراءات لمساعدة "الكيانات والأشخاص الذين تضرروا"، مؤكداً من جديد "تصميمه على حماية الأمة والدولة".

وأعلنت الحكومة السنغالية أخيراً فتح "تحقيقات قضائية فورية"، في "أعمال العنف غير المسبوقة"، بهدف "كشف المسؤوليات المتعلقة بهذه الأحداث". ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان إنهم ينتظرون نتائج التحقيق حتى الآن. وحظرت السلطات مسيرتين للمعارضة كان مقرراً خروجهما الأسبوع الماضي. الأولى بسبب عدم احترام المواعيد النهائية لطلب الإذن والثانية على خلفية مخاطر بالإخلال بالنظام العام، وفقاً لوكالة "فرانس برس".

أعلنت الحكومة السنغالية أخيراً فتح "تحقيقات قضائية فورية"، في "أعمال العنف غير المسبوقة"

وبرأي المحلل السياسي إبراهيما باخوم، فإن السياسيين جندوا "بلطجية" في الماضي لحمايتهم. وقال في حديثٍ لوكالة "فرانس برس"، إن "المشهد السياسي السنغالي كان دائماً عنيفاً لكن العنف لم يصل يوماً إلى المستوى الحالي. نرى الآن عصابات حقيقية يتم تجنيدها في الأحياء من قبل من لديهم إمكانات لذلك".

والسنغال تُعدّ منطقة مستقرة نسبياً، قياساً على محيطها في الساحل الأفريقي، إذ تجاورها مالي وبوركينا فاسو المضطربتان، بينما تبدو الأوضاع في غينيا وغينيا بيساو غير مستقرة. وتمكن سال من نسج علاقات تحالفية مع الفرنسيين والأميركيين طيلة الـ11 عاماً في السلطة، وتلقى اتصالاً من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي، قدّم فيه الأخير "تعازيه" لسال، قبل أن يغرد على "تويتر" قائلاً: "كررت دعم الولايات المتحدة للشعب السنغالي وللقيم الديمقراطية".

(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)

المساهمون