علاقة ربع قرن بين بوتين والغرب... من "لمس روحه" إلى نقطة اللاعودة

26 فبراير 2022
متظاهر يرفع لافتة معارضة لبوتين أمام علم الاتحاد الأوروبي (نيكولو كامب/Getty)
+ الخط -

وصلت العلاقات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والغرب، بعد عقدين، إلى نقطة اللاعودة مع غزوه لأوكرانيا المجاورة، رغم تميّزها في بدايتها بالانجذاب إلى ما يمثّله العنصر السابق في الاستخبارات السوفييتية وبتعزيز التعاون.

وتسبب الهجوم في صدع يصعب ترميمه بين روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، طالما ظل بوتين في السلطة، ومن المرجح أن تلتفت موسكو إلى الصين لتكون حليفها الرئيسي.

ما حصل لم يكن حتمياً، فقد شغلت روسيا في ظل فترة طويلة من حكم بوتين عضوية مجموعة الدول الثماني الكبار، وقد زعم الرئيس الروسي أنه قال، في عام 2000، لنظيره الأميركي، بيل كلينتون، إن بلاده يمكن أن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي.

ظل بوتين يمثل لغزاً لمعظم العواصم الغربية، لكن رغم الأزمات التي أثارها الغزو الروسي لجورجيا عام 2008، وضمّ شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، استمر التعاون وبشكل مكثّف في كثير من الأحيان.

عندما رقّى الرئيس الروسي المريض بوريس يلتسين عام 1999 بوتين، من منصب مدير الأمن إلى رئيس الوزراء ثم جعله خليفته، لم يكن الغرب يعلم هويته. وفي اجتماع مع بوتين في حزيران/يونيو 2001، أدلى الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، بتصريح شهير قال فيه إنه نظر إلى الزعيم الروسي الجديد في عينيه و"تمكنت من الشعور بروحه".

عدد قليل من القادة الغربيين استثمروا في العلاقة مع بوتين، على غرار ما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. واعتبر ماكرون، في مقابلة شهيرة مع مجلة "ذي ايكونوميست" في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أن حلف شمال الأطلسي يعيش حالة "موت دماغي"، وأن أوروبا بحاجة إلى حوار استراتيجي مع روسيا.

وأضاف الرئيس الفرنسي، متحدثاً عن الخيارات الاستراتيجية طويلة الأجل لموسكو في عهد بوتين، أن روسيا لا يمكن أن تزدهر بمعزل عن غيرها، ولن ترغب في أن تكون "تابعة" للصين، وسيتعين عليها في النهاية اختيار "مشروع شراكة مع أوروبا".

ووصف بوتين بأنه "ابن سان بطرسبرغ"، العاصمة الروسية السابقة التي بناها بطرس الأكبر كنافذة تطل على الغرب. ومارس ماكرون حتى نهاية الأسبوع الماضي دبلوماسية نشطة لمنع وقوع كارثة، حتى أنه حاول التوسط لعقد قمة بين بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن.

"خيار أحادي" 

عند إعلانه غزو أوكرانيا في 24 شباط/فبراير، سرد بوتين سلسلة من المظالم السياسية التاريخية والحديثة لتبرير خطوته، وكرر خصوصاً أن روسيا تعرضت للطعن في ظهرها من الغرب بـ"الخداع والأكاذيب" بشأن توسع الحلف الأطلسي.

وفي خطاب تاريخي ألقاه عام 2007 أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، انتقد بوتين دور الولايات المتحدة، قائلاً إن عالماً فيه "سيّد واحد، صاحب سيادة واحد" هو "ضار" للجميع.

لكن بالنسبة لماكرون، يقع اللوم على شخص واحد فقط في ما يحصل، وقال السبت إن "الحرب عادت إلى أوروبا، اختارها الرئيس بوتين من جانب واحد".

من جهتها، قالت المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، التي خبرت بوتين أكثر من أي زعيم غربي آخر خلال 16 عاماً أمضتها في السلطة، ولا سيما أنها كانت قادرة على التحدث معه مباشرة باللغة الروسية، إن "حرب العدوان الروسي تشكل نقطة تحوّل عميقة في التاريخ الأوروبي بعد نهاية الحرب الباردة".

صارت روسيا الآن مستهدفة بعقوبات أوروبية وأميركية وبريطانية غير مسبوقة، وتواجه انهيار مشاريع رئيسية مثل خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 مع ألمانيا.

"شريك صغير" 

لم تعد شركات الطيران الروسية قادرة على التحليق فوق أراضي بعض الدول الأوروبية، ولم تعد فرقها الرياضية موضع ترحيب في المباريات، وحتى الفنانون صاروا يخاطرون بالتعرض للنبذ في الغرب ما لم يدينوا الغزو.

وعلّقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على ذلك في التلفزيون الروسي قائلة "وصلنا إلى الخط الذي تبدأ بعده نقطة اللاعودة".

قد يجد بوتين راهناً بعض العزاء في علاقته مع الصين، رغم امتناع بكين عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يدين العدوان الروسي بدلاً من استعمال حقّ النقض، مثلما فعلت موسكو.

وقال تشارلز غرانت، مدير "مركز الإصلاح الأوروبي" ومقره لندن، إن "روسيا باتت معزولة عن الغرب، ولا خيار لديها سوى أن تصبح شريكاً صغيراً للصين".

وأضاف غرانت أن موقف "بكين ملتبس بشأن الغزو - فهي لا تنتقد روسيا علناً وتلقي باللوم على الولايات المتحدة - لكنها تقدر (مبدأي) الاستقرار ووحدة الأراضي".

من جهته، توقع ديمتري ترينين، مدير "مركز كارنيغي" في موسكو، حصول تداعيات "واسعة النطاق" للغزو الذي يشكّل "نهاية حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي بالنسبة لروسيا" ويمهّد لفترة "اعتماد أكبر على الصين".

(فرانس برس)