قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنه لا يمكن اعتبار أن الاتصالات التي تُجرى في قضية سد النهضة عبر المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، حققت تقدماً كبيراً في سبيل الحل، بقدر ما كانت تهدف إلى اطمئنان واشنطن والعواصم المعنية بالملف إلى أن مصر والسودان لن يقدما على حل القضية عسكرياً، وأن إثيوبيا على استعداد لاستئناف التفاوض. وتلقي هذه الأجواء بظلال من الغموض على تصورات الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي لكيفية استئناف التفاوض خلال الأيام المقبلة لإنهاء اتفاق جزئي بشأن الملء الثاني للسد، وما إذا كان من الوارد البدء في مفاوضات لإتمام اتفاق نهائي وشامل من عدمه.
وأضافت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، أنه على الرغم من توجه الوسطاء الدوليين إلى الحل المؤقت لضمان إتمام الملء الثاني بدون مشاكل، فإن الجانب الإثيوبي أبدى خلال زيارة فيلتمان إلى أديس أبابا أمس الأول شروطاً جديدة، تحاول واشنطن حاليا تخفيفها لعرض مسودة مكتملة للاتفاق الجزئي على الدول الثلاث.
أميركا تريد التأكد من عدم اللجوء إلى الحل العسكري
وأكدت المصادر أن الشروط الإثيوبية لم تخرج عما كشفه مصدر حكومي إثيوبي لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، عشية زيارة فيلتمان، على رأسها ألا يتطرق الاتفاق إلى المشاركة في إدارة عملية الملء وأن يقتصر التنسيق على تبادل المعلومات والإبلاغ بتغير التصرفات فقط، وألا يتطرق الاتفاق إلى وقف أعمال الإنشاءات التي يجب أن تتم بالتزامن مع الملء الثاني لتقليل حجم الأضرار التي من الممكن أن تلحق بدولتي المصب.
وأوضحت المصادر أن الخلاف السوداني الإثيوبي على أزمة الحدود، ربما يبطئ التوصل إلى محطة الحل المؤقت، نظراً لتحفظ الخرطوم على الصيغة التي عرضتها الإمارات خلال لقاء ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد برئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان في أبو ظبي منذ يومين وتمسك الأخير بالغلق التام للحدود. كما أن السودان يطالب بصياغة مواد صريحة تضمن حماية سد الروصيرص والحفاظ على مستوى بحيرته التي تبعد عن سد النهضة أقل من 25 كيلومتراً، تخوفاً من تكرار سيناريو العام الماضي الذي تسبب في إغراق آلاف الأفدنة، الأمر الذي يصطدم بالتحفظات الإثيوبية سابقة الذكر.
وذكرت المصادر المصرية أن القاهرة تتضامن مع القيادة السياسية والدبلوماسية السودانية في هذا الموقف بصورة مطلقة، وأنها تتابع أيضا اتصالات موازية للتدخل الأميركي، تجريها السودان بالصين، لحثها على الضغط على إثيوبيا في قضيتي السد والحدود، لم تؤت ثمارها المنشودة حتى الآن. مع العلم أنّ الصين ترفض تحرك مجلس الأمن في قضية سد النهضة، من منطلق الحفاظ على استثماراتها في السد ومنع المجلس من التدخل في صراعات المياه ارتباطا بمنازعات خاصة بها مع دول أخرى.
ومن مجموع ما جرى خلال الأيام الأربعة الماضية، وصفت المصادر المصرية الوساطة الأميركية بأنها "أضعف من المأمول" حيث شابتها العديد من السلبيات، مثل عدم الجاهزية بمقترحات مكتملة، على الرغم من إجراء اتصالات من خلال المبعوث الأميركي للسودان دونالد بوث منذ شهرين. كما أشارت المصادر إلى عدم إلمام فيلتمان بتفاصيل القضية وحضوره محملاً بكم كبير من المعلومات غير الدقيقة أو الخاطئة، والتي يعتقد المصريون أن سببها وجود مساعدين له من الناشطين الشبان بالحزب الديمقراطي من ذوي الأصول الأفريقية، المعروفين منذ فترة طويلة بتوجهاتهم الداعمة لمشروع السد وتأثرهم بالدعاية الطويلة التي أجرتها إثيوبيا للسيطرة على توجهات دائرة الرئيس الأميركي جو بايدن قبل فوزه بالرئاسة بنحو عام ونصف العام.
الوساطة الأميركية "أضعف من المأمول" حيث شابتها العديد من السلبيات
وعن التحرك الذي كانت مصر قد بدأته لحث مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة على التدخل في القضية، ولو بصورة فنية، قالت المصادر إن المساعي المصرية تواجه كالعادة رفضاً صينياً وروسياً بسبب رفضهما وصول صراعات المياه للمعترك الدولي، لكن مصر تراهن على إمكانية دفع واشنطن ولندن وباريس للملف حال استمرار الموقف الإثيوبي المتعنت.
وربطت المصادر بين ما يحدث في كواليس المنظمة الأممية، وبين النقد النادر واللافت الذي وجهه وزير الخارجية المصري سامح شكري لمجلس الأمن أمس الأول في كلمته خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب لبحث قضية الاعتداءات الإسرائيلية على القدس المحتلة، إذ قال إن "تسوية القضية الأساس هي مسؤولية المجتمع الدولي ولذا كنا نتمنى أن يصدر عن مجلس الأمن أمس (يوم الإثنين الماضي) موقف يعكس إدراكه لخطورة ما يجري في الشرق الأوسط، ولكن للأسف دأب المجلس على التنصل من مسؤولياته بما يفقده مصداقيته".