عقار القاهرة المنكوب: إخفاق سياسة تسيير المحليات

28 مارس 2021
انهار العقار فجر أمس في ضاحية جسر السويس (فرانس برس)
+ الخط -

صُعق المصريون فجر أمس السبت بثالث فاجعة خلال خمسة أيام فقط، بانهيار عقار في تقسيم عمر بن الخطاب بالسلام في ضاحية جسر السويس شرقي القاهرة، مما أسفر عن مصرع عشرة مواطنين وإصابة أكثر من 40 شخصاً. وأججت الفاجعة تراكم الأزمات على كاهل السلطات المصرية، مع تعمّق ظاهرة فشل الأجهزة في إدارة الأزمات، رغم إعادة هيكلتها على يد الجيش والشرطة. وتجلى الفشل في تعاطي هيئة قناة السويس مع قضية السفينة الجانحة، وتعاطي وزارة النقل مع واقعة حادث تصادم قطاري سوهاج، بالإضافة التعاطي السلبي في ملف المحليات ودواوين المحافظات، وعجز إداراتها عن التنبه المبكر لتلك المشاكل، خصوصاً إذا كانت متوقعة أو مرجحة الحدوث أو وارداً تكرارها.

وبالتركيز على المحليات التي كانت مجال انهيار العقار المكون من 10 طوابق في قلب العاصمة، يبدو أن الكارثة كان من السهل توقعها، لكن محافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال، الذي كان مديراً لأمن العاصمة قبل تعيينه محافظاً لها، لم يمضِ قدماً في اتخاذ الإجراءات الكافية لمنع حدوث مثل تلك الكارثة على الرغم من التحذير منها منذ فترة قصيرة. مع العلم أن محافظة الجيزة، القطب الثاني للعاصمة، شهدت مطلع العام الحالي واقعة قريبة باشتعال حريق ضخم في العقار المطل على الطريق الدائري في فيصل، الذي تم نسفه منذ أسبوعين، بعد عجز السلطات عن إخماد الحريق الذي تسبب فيه وجود ورشة لصناعة الأحذية داخل العقار.

شهدت محافظة الجيزة انهياراً مماثلاً مطلع العام الحالي

ولا يختلف تقسيم عمر بن الخطاب الذي شهد انهيار العقار أمس عن منطقة عقار الدائري لجهة انتشار المخالفات، لكن على مدار عامين وتسعة أشهر قضاها عبد العال محافظاً للقاهرة، لم يكن الاهتمام كبيراً بإزالة الأخطار القائمة على أرواح الأهالي في منطقة التقسيم بصفة خاصة، وضاحيتي السلام وجسر السويس بصفة عامة. وجولات عبد العال القليلة في المناطق الأكثر خطورة، لم تبدأ إلا أخيراً بعد حريق عقار الدائري، بناء على تعليمات من وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي.

واللافت أنه في 17 فبراير/ شباط الماضي، أعلنت محافظة القاهرة شن حملات على المخازن والورش والمصانع غير المرخصة في منطقة تقسيم عمر بن الخطاب، عبر إغلاق الورش والمخازن غير المرخصة التي تحتوي على مواد قابلة للاشتعال، وانتهت بغلق وتشميع أربعة مخازن للأقمشة، وعدد محدود من الورش والشقق السكنية المتحولة إلى ورش صغيرة ومخازن. ووفقاً لمصادر من سكان المنطقة، فإن هذه الحملة لم تستمر لأكثر من ثماني ساعات، وغابت الأجهزة منذ ذلك الحين عن الانتشار لحل المشاكل وبحث الشكاوى المتعددة من الأهالي بشأن المخالفات الخطيرة على المنشآت والأرواح، والتي قدّمت بخصوصها أيضاً طلبات إحاطة في مجلس النواب من دون طائل.

ومن غير المعلوم تماماً ما إذا كان العقار المنهار قد شملته بعض تلك الشكاوى، لكنه جزء لا ينفصل من صورة كلية للتقسيم، سمحت الدولة على مدار السنوات الخمس الماضية، تحت قيادة التركيبة العسكرية الشرطية للسلطة، بتفاقم المخالفات الخطيرة فيها. وتبين أن العقار كان يضم ورشة كبيرة ومخزناً للأقمشة وآخر للملابس الجاهزة، إلى جانب عدم التأكد من سلامة وصحة التراخيص الحاصل عليها العقار إنشائياً من الأساس.

وبات الفشل التنفيذي في التعامل مع ملف فساد المحليات ثابتاً، بفعل اقتصار التعاطي معه على الناحية الاقتصادية، التي تهدف في المقام الأول إلى مكافحة الفساد المالي والقبض على المسؤولين المرتشين وتعظيم عوائد الدولة. وهو ما يعزز حاجة المجتمع المصري الكبيرة إلى سلطة محلية قوية منتخبة لها صلاحيات مراقبة عمل الأجهزة المختلفة في مجالها الجغرافي، وتوجيهها والرقابة المالية والإدارية عليها، فضلاً عن ضمان تلبية مطالب الأهالي والعمل على حل مشاكلهم.

ويعود تعطيل النصوص الدستورية الصادرة عام 2014، وألزمت الدولة بالتحول تدريجياً إلى نظام الإدارة المحلية الجديد، إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، الذي تدخل لمنع تسريع إجراء الانتخابات المحلية لتأجيل حدوث نزاع بين أجهزة نظامه حول السيطرة على التنظيمات المحلية الجديدة.

وكان من المتوقع أن يتم الالتزام بالاستحقاق الدستوري سريعاً، على أن تُجرى انتخابات المحليات خلال عام 2017، غير أنه تمّ تجميد المشروع منذ مطلع ذلك العام، بسبب مخاوف النظام من سيطرة فلول الحزب الوطني المنحل ورموز عهد الرئيس الراحل حسني مبارك على المجالس المحلية، واستغلال شبكة العلاقات القوية التي يمتلكونها في الأقاليم لتهديد سيطرة النظام الجديد على المحافظات. سيطرة تبدو حالياً محكمة بواسطة تعدد الجهات المنتمية للنظام، التي تملك سلطة إدارة الأمور التنفيذية في مختلف المناطق، وعلى رأسها المخابرات العامة والرقابة الإدارية ومساعدو ومستشارو المحافظين الذين تخرجوا في الأكاديمية الوطنية للشباب والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.

واعتمد السيسي بشكل شبه مطلق على قياديي الجيش والشرطة السابقين في أعمال الإدارة المحلية، وأقحم الجيش والرقابة الإدارية في تنفيذ أعمال محلية خالصة، كمتابعة ملف مخالفات البناء والرقابة على الإنشاءات وحصر الشكاوى وتحريك القضايا، خصوصاً العام الماضي، من دون إعطاء اعتبار لاختلاف الخبرات وانعدام الاختصاص القانوني لتلك الأجهزة في هذا القطاع الحيوي.

بات الفشل التنفيذي في التعامل مع ملف فساد المحليات ثابتاً

ووفقاً للدستور، فهناك فصل كامل خاص بالإدارة المحلية معطل وغير مطبق، ينص ضمن مواده على تقسيم الدولة إلى وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، منها المحافظات، والمدن، والقرى، ويجوز إنشاء وحدات إدارية أخرى تكون لها الشخصية الاعتبارية، إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك. وتراعى عند إنشاء أو إلغاء الوحدات المحلية أو تعديل الحدود بينها الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتلزم الدولة بدعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، وتنظيم وسائل تمكن الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية، والنهوض بها، وحسن إدارتها، وتحدد البرنامج الزمني لنقل السلطات والموازنات إلى وحدات الإدارة المحلية.

كذلك يلزم الدستور الدولة بتوفير ما تحتاجه الوحدات المحلية من معاونة علمية، وفنية، وإدارية، ومالية، وتضمن التوزيع العادل للمرافق، والخدمات، والموارد، وتقريب مستويات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات، على أن تكون للوحدات المحلية موازنات مالية مستقلة، يدخل في مواردها ما تخصصه الدولة لها من موارد، والضرائب والرسوم ذات الطابع المحلي الأصلية والإضافية، وتطبق في تحصيلها القواعد والإجراءات المتبعة في تحصيل أموال الدولة.

ولم تستجب الدولة على مدى أكثر من ست سنوات للإلزام الدستوري بإصدار قانون يحدد شروط وطريقة تعيين أو انتخاب المحافظين، ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى، وانتخاب مجلس لكل وحدة محلية بالاقتراع العام السري المباشر، لمدة أربع سنوات، مع اختصاصها بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفي سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية. ويثير قلق الدولة من هذه الاستحقاقات الدستورية أنها توفر حماية لقرارات المجلس المحلي في حدود اختصاصه باعتبارها نهائية، ولا يجوز تدخل السلطة التنفيذية فيها، إلا لمنع تجاوز المجلس لهذه الحدود، أو الإضرار بالمصلحة العامة، أو بمصالح المجالس المحلية الأخرى.

المساهمون