مع تصويت البرلمان التركي بأغلبية واضحة أمس الثلاثاء، بموافقة 287 صوتاً مقابل 55 معارضاً، لتمرير عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، يقترب هذا البلد الإسكندنافي، الذي بقي محايداً طيلة مائتي عام ماضية، نحو الاندماج التام في الحلف الغربي.
وسرّعت الحرب في أوكرانيا، قبل نحو عامين، من ذهاب استوكهولم رفقة جارتها هلسنكي نحو طلب عضوية الأطلسي، التي خضعت للكثير من التعقيدات. إذ مع تجاوز فنلندا، في مارس/آذار العام الماضي، لمناورات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي عارضت عضوية البلدين، عانت السويد طويلا تحت ضغوط متعلقة بمطالب تركية محددة ومتعلقة بضرورة انتهاج البلد سياسة أكثر تشددا مع مقيمين منتمين لحزب العمال الكردستاني، وغيره من جماعات يعتبرها الأتراك مصنفة كجماعات إرهابية. وكانت موسكو تراقب برضا تعقّد وتأخر عضوية السويد وفنلندا في الحلف. والأخيرة لديها علاقات معقدة مع موسكو عبر التاريخ، وتملك حدودا طويلة تمتد إلى نحو 1340 كيلومتراً، ما يجعل حلف "الأطلسي" اليوم على الحدود مباشرة مع روسيا.
صحيح أن الأميركيين رحبوا أمس بالخطوة التركية، معتبرين على لسان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان أنه بهذه العضوية ستصبح السويد "شريكاً قوياً"، إلا أن عضوية استوكهولم ما تزال تحتاج إلى توقيع الرئيس التركي، أردوغان، على قرار برلمان أنقرة قبولها.
وخلال العام الفائت، 2023، خضعت عضوية استوكهولم في الأطلسي إلى ما هو أبعد من علاقة الطرفين، التركي والسويدي، على خلفية مواقف تركية متشددة بشأن اتهام السويد بتوفير المأوى للإرهابيين الأكراد (بصورة خاصة حزب العمال الكردستاني) وفيما يخص استعراضات حرق نسخ من القرآن الكريم على الأراضي السويدية. فأنقرة، وفقا لعديد التحليلات السويدية والأوروبية، ذهبت نحو وضع عضوية استوكهولم في الحلف الغربي على طاولة مفاوضاتها مع واشنطن بشأن صفقة شراء نحو 30 طائرة أف 16.
ويبدو أن المعارضة الأميركية بشأن تلك الصفقة جرى تليينها أخيراً، أقله وفق ما كتب الخبير السويدي في الشأن التركي في صحيفة "داغنزنيهتر" بول ليفين، الذي اعتبر أن تصديق أنقرة على العضوية "قد يكون بسبب حصول تركيا على ضمانات خاصة بإمكانية تسليم تلك الطائرات".
وينتظر السويديون بفارغ الصبر قلم أردوغان للتوقيع على موافقة البرلمان التركي على عضوية السويد لتصبح الدولة الـ32 في الحلف، بعد أن أصبحت فنلندا الدولة 31 فيه.
عقبة مجرية
ومع ذلك، يبدو أن التركيز الغربي، وبصفة خاصة من قبل دول "الأطلسي"، على التمنّع التركي طيلة نحو عامين فجّر في وجوههم ووجه استوكهولم عقبة رئيس وزراء المجر القومي المحافظ، فيكتور أوربان. فالأخير كرر مراراً وتكراراً أن بلده "لن يكون الأخير الذي يمرر عضوية السويد"، إلا أنه فور الموافقة التركية أرسل، أمس الثلاثاء رسالة إلى رئيس حكومة السويد أولف كريسترسون لإجراء مفاوضات حول عضوية "الأطلسي".
فالعضوية تتطلب تمرير كل برلمانات الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي عضوية البلد الجديد، وفي حالة بقاء التمنّع المجري فستستمر استوكهولم واقفة على بوابة الحلف، هذا برغم أنها قطعت شوطا كبيرا في تعزيز أنشطتها المشتركة مع "الناتو"، وبصورة كبيرة وغير مسبوقة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
رئيس الوزراء المجري، أوربان، وإن كانت رسالته الموجهة إلى كريسترسون أمس (وبحسب الصحافة السويدية) حملت كلمات "الثقة القوية والمتبادلة"، فإنه تحدث عن "تعقيدات في العلاقة، والحاجة إلى ترتيبات أمنية وسياسية".
مشكلة أوربان هي أوسع من السويد. فعلاقة الرجل بمنظومة الاتحاد الأوروبي هي الأكثر تعقيدا، وسط اتهامات له بتحويل المجر إلى بلد "غير ليبرالي" وبأنه "يضعف الديمقراطية وفصل السلطات"، بفعل سياساته القومية المحافظة التي تصطدم مرارا بسياسات أوروبا. بل إن أوربان متهم من البعض على مستوى ساسة بروكسل ومشرّعي ستراسبورغ (مقر الاتحاد الأوروبي وبرلمانه)، باعتباره "صديقا حميما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حساب علاقات بلده بالقارة الأوروبية". والسويد من ضمن دول النادي الأوروبي، التي ظلت لسنوات تنتقد سياسات أوربان "غير الليبرالية" و"افتقار المجر للديمقراطية"، وهمينته على وسائل الإعلام والقضاء في بودابست.
مشكلة أوربان هي أوسع من السويد. فعلاقة الرجل بمنظومة الاتحاد الأوروبي هي الأكثر تعقيدا
وعارضت المجر أيضا حزمة مساعدات ضخمة كانت مقررة لأوكرانيا، حيث ينظر ساسة استوكهولم، وغيرهم من الأوروبيين، بأهمية بالغة إلى "عدم تمكين روسيا تحقيق أهدافها في أوكرانيا". وبالتالي، يحاول أوربان من خلال دعوته استوكهولم إلى مفاوضات حول عضويتها الضغط على الأوروبيين لتخفيف تشددهم مع سياساته الداخلية والخارجية. ويريد أوربان استغلال الوقت المتبقي من إجازة برلمان بلاده، حتى منتصف فبراير/شباط القادم، من أجل الحصول على بعض التنازلات السويدية والأوروبية فيما يخص مصالح تحالفه الحاكم، فيديز، الذي يستطيع ببساطة من خلال الأغلبية تأجيل وعرقلة العضوية، المهمة لحلف الناتو من جهة، وللسويد التي ترفع من وتيرة خطاب التحذير من مواجهة غربية لروسيا، شبه حتمية في منطقة بحر البلطيق وغيره. وكان أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، صرح أمس بأن عضوية السويد "تجعل حلف شمال الأطلسي أقوى وتجعلنا جميعا أكثر أمنا".
وكان وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم أكد، أمس، في أعقاب رسالة أوربان، أن علاقات بلده بالمجر جيدة، مستغربا دعوة أوربان إلى التفاوض. وأبرز بيلستروم، مساء الثلاثاء، مواقف المعارضة المجرية (يسار الوسط) التي دعت إلى "التصويت الفوري على عضوية السويد في الناتو".
في كل الأحوال، تبقى عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي أحد أبرز المتغيرات التي طرأت على مستوى علاقات الغرب بروسيا، وبصورة خاصة منذ فبراير/شباط 2022. فالسردية الروسية بقيت دائما تسلط على أن الغرب خالف تعهداته في عدم التوسع شرقا. وحملت الحرب في أوكرانيا ما يشبه مطالب روسية بإعادة الأوضاع إلى ما قبل توسع الأطلسي شرقا وجنوبا.
ويبدو أن تورط الروس في الحرب الأوكرانية، واستغلال الغرب لتلك الورطة، دفع بدول مثل فنلندا والسويد نحو ما يشبه عسكرة المجتمع، وتنامي الدعوات مثلاً لتجهيز كل بيت سويدي بلوازم الحرب مع روسيا، وكأن الحرب ستقع لا محالة.