عصام الشابي لـ"العربي الجديد": على المعارضة التونسية توحيد صفوفها

09 أكتوبر 2022
الشابي: رفع الدعم عن المواد الأساسية سيدفع لموجة احتجاجات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

في ظل سير الرئيس التونسي قيس سعيّد في مخططه لوضع اليد على مختلف مؤسسات الدولة وفرض مشروعه للتفرد بالحكم في البلاد واستبعاد الأحزاب ومختلف الأطراف الأخرى، ومع بروز أزمة معيشية واقتصادية تزداد حدة، يتحدث الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن مآلات الأوضاع في البلاد. ويتطرق إلى الدور الذي يجب أن تؤديه المعارضة. كما يقدّم رأيه في الموقف الدولي تجاه تونس والاتفاقيات المتوقعة مع صندوق النقد الدولي.

كيف تقرأ المشهد السياسي اليوم ومآلاته المحتملة، الرئيس قيس سعيّد يمضي نحو انتخابات لبرلمانه، بأفراده ونظامه الانتخابي، والمعارضة مشتتة، والوضع الاقتصادي والاجتماعي معقّد؟

الوضع في تونس يبعث على القلق، وقيس سعيّد مصرّ على المضي قدماً في تنفيذ الأجندة السياسية الخاصة به وتغيير شكل الدولة بعدما غيّر الدستور بطريقة غير ديمقراطية، وأصدر مرسوماً عدّل به القانون الانتخابي بصورة انفرادية تمهيداً لإرساء النظام القاعدي الذي يشبه إلى حد بعيد نظام الجماهيرية السابق في ليبيا. وبعدما أضعف المؤسسات وضرب التوازن بين السلطات، يتجه اليوم لإضعاف الأحزاب وإلغاء دورها، وهمّه الوحيد هو استكمال هذا البناء لضمان سيطرته المطلقة على كامل مؤسسات الدولة وانفراده بالقرار والحكم.

سعيّد يسير بالبلاد نحو أزمة عميقة، وإذا استمر الوضع على هذا الحال، فإن السلم الأهلي سيكون مهدداً، والانفجار الاجتماعي آتٍ

ويبيّن الوضع اليوم عدم قدرة سعيّد لا بل عجزه الواضح عن فهم المعطيات الاقتصادية للأزمة الخطيرة التي تشهدها البلاد، وعلى الرغم من وجوده في الحكم منذ 3 سنوات وانفراده بالسلطة منذ عام ونصف العام، فهو يردد الشعارات الجوفاء نفسها، التي لم تقدّم للتونسيين أي حل، وأمله الوحيد اليوم هو أن تنال حكومته بعض التمويلات البسيطة. وحتى في حال الحصول عليها، فلن تكون كافية لإعادة التوازنات المالية للدولة ومعالجة المعضلات الاقتصادية الكبرى والتوقي من انفجار اجتماعي محتمل.

سعيّد يسير بالبلاد نحو أزمة عميقة تهدد بالانفجار، والجميع اليوم في الداخل والخارج يرجح أنه لو استمر الوضع على هذا الحال، والأرجح أنه سيستمر، فإن السلم الأهلي سيكون مهدداً، والانفجار الاجتماعي آتٍ لا ريب، وتداعياته لن يكون بإمكان مؤسسات الدولة تحمّلها ولا المجتمع المدني تأطيرها ولا الأحزاب السياسية أيضاً ستكون قادرة على تحويل الغضب من غضب مدمر إلى قوة اقتراح البديل، فهذه أزمة حكم حقيقية تمر بها البلاد اليوم.

على الرغم من ذلك، فإن سعيّد ماضٍ إلى وضع برلمانه، وستكون بين يديه الحكومة والرئاسة وكل المؤسسات. هل يعني هذا أنه سيستفرد بالمشهد تماماً، وأن الأصوات الأخرى المعارضة ستصبح مجرد أصوات ناقدة للمشهد لا تأثير لها؟

سعيّد هو الآن مستفرد بالحكم فعلاً، وسيستفرد بالمؤسسات التي يريد إرساءها، ولكن في المقابل فإن الأغلبية الساحقة من الأحزاب قاطعت مساره. هذه الأحزاب على اختلافها، من يمينها إلى يسارها، ومن العلمانية إلى ذات المرجعية الدينية، كلها تقريباً تقول إن تونس ستدخل في نفق مظلم باعتماد نهج سعيّد، وبالتالي هو يسيطر على كامل مؤسسات الدولة، والمؤسسات التي سيعمل على بعثها ستكون رجع الصدى لقراراته، ولكنه لن ينفرد بالمشهد السياسي لأن القوى السياسية اليوم لها وزن يتنامى في الشارع.

كما أن التململ وخيبة الأمل يسودان صفوف شرائح واسعة من المجتمع، والتونسي الذي علّق آمالاً أو أوهاماً على هذه الشعارات يواجه اليوم واقعاً مريراً، ويجد نقصاً في المواد الأساسية، وإن وجدها فبأسعار غير مقدور عليها. بالتالي هذا يعطي شرعية أكثر لخطاب المعارضة، ولكن المطلوب من المعارضة التي وحّدت هدفها بإسقاط الانقلاب أن تعمل على وحدة الصفّ، وهذا لا يزال مفقوداً، لإحداث تغيير في موازين القوى ولكي تكون المعارضة في موقع تحمّل للمسؤولية ووضع حد للمغامرة التي يقودها قيس سعيّد.

التصدي للانقلاب وإنقاذ البلاد يستدعيان خلق موازين قوى حقيقية في الشارع، تكون قادرة على صدّ هذا النهج وتعبئة الشارع على بديل موحد

أنت تدعو لتوحيد صفّ المعارضة؟

أقول بكل وضوح إن كنا نرغب في الاحتجاج على الانقلاب فقد نجحنا في الاحتجاج عليه، كل من موقعه، أما التصدي له وإنقاذ البلاد فإنهما يستدعيان خطوة أخرى وخلق موازين قوى حقيقية في الشارع تكون قادرة على صدّ هذا النهج وتعبئة الشارع على بديل موحد. ولا بد من تمهيد الطريق لذلك، فالاحتجاج متواصل منذ أكثر من عام ونجحنا في ذلك، ولكنه لن يغيّر الأمر الواقع، ولا بد أن يتحوّل إلى قوة اقتراح وقوة ميدانية تكون قادرة على فرض الإصلاحات وإنقاذ البلاد، لأنه ليس بمقدور أي قوة سياسية ولا حتى مجموعة متعددة إنقاذ البلاد وقيادتها في المرحلة المقبلة لوحدها. حان الوقت لإنهاء الخلافات بين المعارضة وبناء جسور التواصل والحوار والاتفاق على خريطة طريق وأرضية في أجل المرحلة المقبلة.

تحدث القيادي في حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، الحبيب بوعجيلة، عن ضرورة التسويات الكبيرة والتنازلات التاريخية، وهناك أصوات كثيرة تدعو إلى تأجيل الخلافات بين المعارضة إلى ما بعد عودة الديمقراطية، فهل يمكن أن يتم ذلك اليوم؟

عندما تصاب مؤسسات الدولة في مقتل ويتم الاستيلاء على الحكم من دون شرعية، فإن هذا يستدعي اصطفاف كل القوى وتجاوز الخلافات وحصرها والاتفاق على المهمة المرحلية، فالخلافات هي من طبيعة الحياة الديمقراطية نعود إليها في المؤسسات الديمقراطية المقبلة عندما تتوفر شروط المنافسة الانتخابية، وقد حان الوقت للحوار والالتفاف حول خريطة الطريق وعلى أرضية تتجاوز خلافات الماضي وتوحد الجهود.

خطورة الوضع تفرض علينا ذلك، والمسألة ليست اختيارية بل الواقع يفرض علينا أن نحصر الخلافات، لا أن نطمسها، أو أن تتحوّل إلى عائق، بل نخدم بلادنا بما نتفق عليه من العودة لحياة سياسية ديمقراطية يحكمها القانون وتحكمها المنافسة الشريفة والعادلة والمصلحة العليا للوطن. وعندما نؤمن بذلك فإن الخلافات لا يمكن أن تكون عائقاً أبدياً أمام التقاء القوى التي تتفق على خطورة الانقلاب وضرورة غلق القوس والعودة إلى حياة ديمقراطية متطورة. الدعوات لوحدها غير كافية إذ لا بد من العمل على ذلك وإتاحة الوقت لتحقيقه، حتى تلتقي هذه الأطراف على خريطة طريق وإنقاذ البلاد، وإلا فإننا سنكتفي بدور الاحتجاج على الانقلاب، بينما هو سيمرر سياسته وتغرق تونس، وليس هذا الدور الذي نريده.

أحزاب الجمهوري والتكتل والعمال والقطب والتيار ستعلن عن تحالف سياسي جديد وبتوجّهات واضحة

رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي وجّه دعوة مباشرة للخماسي، (الجمهوري والتكتل والعمال والقطب والتيار) وقال بوضوح "إننا نمدّ أيادينا للحوار"، وطرح مشروع حوار وطني يقود لحكومة إنقاذ وانتخابات تشريعية ورئاسية وكل ما يمكن أن تتفق عليه المعارضة، كيف تتفاعلون مع هذه الدعوة؟

سمعنا الدعوة بالفعل وتلقيناها، وهي دعوة لا يمكن إلا أن تكون إيجابية، لكن عناصر الاستجابة للدعوة، على الرغم من أنها ضرورية، ما زالت موضوعياً غير متوفرة. ونحن لدينا الآن نقاش في الحزب الجمهوري مع أصدقائنا في التحالف الخماسي وبقية الأحزاب الديمقراطية واليسارية، ونحن بصدد الخوض في هذه المرحلة بكل أبعادها. وأعتقد أن الظرف الآن غير مناسب لتتحوّل هذه الدعوة إلى مبادرة عملية، فلا تزال هناك عوائق، وقوى المعارضة غير جاهزة، ولكنها بصدد النقاش، وأرى أنه يجب ألا نستعجل أكثر من اللازم. الدعوة إيجابية، ولكن لا بد من منحها عنصر الوقت.

نحن، الأحزاب الخمسة، بصدد مناقشة تحالف جديد، قمنا بتأسيس حملة وطنية لإسقاط الاستفتاء والمهمة كانت مرتبطة بذلك، والآن نحن بصدد نقاش مكثف، وقريباً سنعلن عن تحالف سياسي جديد، وبأرضية وتوجّهات واضحة. هناك مكونات أخرى طلبت الحوار معنا ونحن لم نرد استعجال ضم قوى أخرى قبل استكمال بناء الأرضية بين الأحزاب الخمسة.

هل ترى تغيّراً في الموقف الدولي تجاه الوضع في تونس، خصوصاً أن صندوق النقد الدولي في طريق الاتفاق مع الحكومة بعدما كان يتلكأ، والقمة الفرنكوفونية قد تُعقد بعد تأجيلها؟

لا أعتقد أن هناك تغيّراً، الدولة التونسية أو دولة قيس سعيّد تعاني من عزلة دولية غير مسبوقة، وهذه العزلة لا تزال قائمة، بل تعززت بقرار تاريخي من المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التي اعتبرت أن ما قام به سعيّد انقلاب، ودعت إلى التراجع عن المراسيم التي أصدرها والعودة إلى الديمقراطية، وحددت مهلة لذلك. هذا القرار جاء من جهة لا يمكن نعتها بالاستعمارية أو أداة للهيمنة أو التدخّل في شؤوننا، بل جهة أفريقية تتكوّن من كبار القضاة والحقوقيين.


القروض قد تعطي متنفساً لسعيّد، إلا أنها لا يمكن أن تعطي حلاً لمعالجة الوضع الاقتصادي جذرياً

بالنسبة لصندوق النقد الدولي فقد يبرم اتفاقات مع تونس، ونحن لا ندعو طبعاً إلى مقاطعة اقتصادية لتونس، ولكننا نعرف أن الشعب سيدفع ثمن هذه الشروط، وفي المقابل لا ندعو إلى إبرام أي اتفاق لأن الحكومة الحالية فاقدة للشرعية ولا يمكنها أن تلزم تونس باتفاقات لم نطلع عليها ولم نشارك فيها. ومهما كان حجم القروض التي قد تعطي متنفساً لسعيّد، إلا أنها لا يمكن أن تعطي حلاً لمعالجة الوضع الاقتصادي جذرياً، لأن تغيير الوجه الاقتصادي لتونس وتطويره لا يكونان بالحلول الوهمية والشركات الأهلية والسير بالبلاد نحو الانغلاق والتقوقع. الحكومة قد تُقدم على مغامرة رفع الدعم عن المواد الأساسية، ولكنها ستدفع البلاد إلى موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة، جربناها في ثورة الخبز وجربتها الشعوب في مصر والأردن، الحكومة ستغامر وستتحمّل مسؤولية عواقبها.

ما هي الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها الديمقراطية التونسية في التجربة القصيرة حتى تسقط سريعاً في هذه الأزمة العميقة؟

أعتقد أن الخطأ الذي وقع فيه الديمقراطيون وليس الديمقراطية، أننا بعدما قمنا بثورة واسترجعنا بفضلها حريتنا وسيادتنا على دولتنا، وأتيحت لنا الإمكانية لبناء المؤسسات وإرساء نظام ديمقراطي وقمنا بخطوات في ذلك، إلا أننا لم نعطِ الديمقراطية الوقت الكافي ولم نرعها لتستقر. والخطأ هو أن الانتقال الديمقراطي لم يصاحبه اتفاق ضروري على إدارة المرحلة بروح توافقية. ذهبنا إلى الصراعات الحادة وفي كل المجالات، بينما كانت الديمقراطية وليدة، وعودها أخضر، ولم تكن قادرة على الصمود في وجه العواصف السياسية والصراعات التي استغلها أعداء الثورة وأعداء الديمقراطية ليستردوا أنفاسهم في الداخل والخارج كي يتسللوا ويصبحوا رقماً مهماً في واقع البلاد.

الحزب الجمهوري العريق كان يفترض أن يلعب دوراً تاريخياً في البلاد، ما هي أحواله اليوم؟

الحزب الجمهوري كغيره من الأحزاب التونسية مرّ بظروف صعبة وهزات، وهذا أثّر على استقراره، ولكن هذا ليس بمبرر لفتح المجال لسعيّد ليلغي دور الأحزاب. وعلى الرغم من ذلك فإن الحمض النووي للحزب الجمهوري، وتموقعه، دائماً هو نفسه، فهو حزب يؤمن بالعيش المشترك، والمصلحة الوطنية والعطاء من أجل الوطن، ولا يعتقد أنه الرأي الوحيد في البلاد ومستعد للتفاعل والبناء على المشترك مع الآخرين. ونعتقد أنه على الرغم من تنوعنا فإن ما يجمع التونسيين كثير، ولكننا للأسف عملنا في بداية الثورة على ما يفرقنا، واليوم علينا أن نعمل على ما يجمعنا.

سيرة
ولد عصام الشابي في 23 ديسمبر 1957 في ولاية توزر جنوب تونس.

 هو رجل قانون، انتخب عضواً في المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

شغل الشابي مناصب متعددة في الحزب الجمهوري، قبل أن يصبح أمينه العام منذ 2017.

كان عصام الشابي يشكّل مع أحمد نجيب الشابي والراحلة مية الجريبي ثالوثاً مناضلاً قبل الثورة وبعدها، وأسسوا الحزب الجمهوري مع عدد من الشخصيات والأحزاب الأخرى في 2012، بعد أن كان الحزب يحمل اسم الحزب الديمقراطي التقدمي قبل الثورة.

عُرفت مواقف عصام الشابي على مدى السنوات الماضية بالوسطية والاعتدال، وهو سياسي يعارض كل دعوات الإقصاء ويدعو لتجميع الصف الديمقراطي، واليوم يقف ضد الانقلاب.

أسس مع أحزاب التيار الديمقراطي، والتكتل من أجل العمل والحريات، والعمال، والقطب، حملة لإسقاط الاستفتاء على الدستور الذي دعا له سعيّد.

المساهمون