عزمي بشارة: انضمام المقاومة لمنظمة التحرير تعزيز لقيادة فلسطينية موحدة

10 فبراير 2024
أعمال المنتدى السنوي لفلسطين تستمر ليومين (حسين بيضون)
+ الخط -

العدوان على غزة طرح تحديات جديدة على مستويات القضية الفلسطينية

الحرب على غزة كشفت الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية

ليست قضية فلسطين قضية كل دولة عربية على حدة

الرأي العام العربي عموماً متضامن مع فلسطين

المنظومة الدولية والإقليمية لا تستطيع تجاهل الثمن الفادح

قال المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، اليوم السبت، في محاضرته الافتتاحية للدورة الثانية للمنتدى الفلسطيني السنوي، إن "فصائل المقاومة إن أرادت المشاركة في تقرير مستقبل الشعب الفلسطيني والمناطق المحتلة، وترجمة نضالها وتضحياتها إلى إنجازات سياسية يجب أن تدخل في منظمة التحرير، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأن تتوافق الأطراف على شروط هذا الدخول".

وتناول المفكر العربي في محاضرته الافتتاحية للمنتدى الذي تحتضنه العاصمة القطرية الدوحة مفترق الطرق التاريخي، قائلاً إن السلطة الفلسطينية إن أرادت أن تحبط مخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن تحكم سلطة واحدة الضفة وقطاع غزة، "فعليها أن تدرك أن هذا غير ممكن إلا من خلال أحد خيارين: إما بالتفاهم الوطني مع فصائل المقاومة في الطريق إلى السيادة والاستقلال، وإما على ظهر دبابة إسرائيلية في الطريق إلى تكريس سلطة فاقدة السيادة".

عزمي بشارة: ليس الصراع في فلسطين نزاعاً بين طرفين ليسمى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل قضية تحرر وطني هي القضية الفلسطينية

ووجه بشارة كلمة إلى المثقفين الفلسطينيين قائلا إن دورهم اليوم في ما عدا ما يقومون به أصلاً كلٌ من موقعه ووفقاً لقيمه هو التضامن الوطني والإنساني لتخفيف معاناة الناس في غزة، والعمل على التصدي لدعاية حرب الإبادة الإسرائيلية وافتراءاتها، والضغط على القوى السياسية الفلسطينية المركزية، لكي تأتلف في قيادة موحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تمنع ذهاب كل هذه التضحيات هدراً، باستثمارها لصالح تمرير ترتيبات ما يسمى "اليوم التالي"، من دون حل عادل لقضية فلسطين يضمن عدم تكرار مثل هذه الجرائم الإسرائيلية.

وقال المفكر العربي، في مستهل محاضرته، إن الدراسات ذات الصلة بفلسطين ليست تخصصاً قائماً بذاته، فهي تتداخل مع العلاقات الدولية والدراسات الإقليمية والتاريخ العالمي والإقليمي فضلاً عن التخصصات المختلفة في العلوم الاجتماعية وقد حققت تقدماً كبيراً لناحية استقبالها في المؤسسات الأكاديمية المرموقة بما في ذلك الجامعات والدوريات في مختلف البلدان.

في هذا الإطار، رأى بشارة ضرورة عدم تجاهل الخطر المحدق بإنجازاتها في هذه المرحلة نتيجة محاولات جماعات الضغط الإسرائيلية ورأس المال المرتبط بها واليمين المتحالف معها وبعض الأكاديميين غير المسيسين المرعوبين من تهمة العداء للسامية فرض مكارثية جديدة على المؤسسات الجامعية في الغرب وذلك باستغلال أجواء تعرض إسرائيل لهجمات المقاومة الإسلامية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحرب الإبادة التي تشن على قطاع غزة حتى اليوم وإذكاء حمى مكافحة الإرهاب تارة ومكافحة اللاسامية تارة أخرى أو جمعهما معاً.

ولفت إلى أن العدوان على غزة طرح تحديات جديدة على مستويات القضية الفلسطينية كلها، وأيضاً على صعيد العلاقات الدولية والإقليمية والأبعاد السياسية والثقافية والقانونية التي تتداخل معها، مشيراً إلى أن الحرب على غزة كشفت أكثر من أي وقت مضى الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية ليس فقط للعلاقة بين الحركة الصهيونية والشعب الفلسطيني، وإنما لطابع دولة إسرائيل ذاتها.

عزمي بشارة: طغيان غريزة الانتقام لدى المجتمع الإسرائيلي

ومما سلط الضوء عليه المفكر العربي "تصرف المجتمع الإسرائيلي مثل قبيلة موحدة كما في جميع الأزمات الكبرى، بحيث تشده عصبية نابذة لأي رأي مخالف، وطغيان غريزة الانتقام والثأر على تفكيره. فالسكان الأصليون يجب أن يدفعوا ثمن ما جرى في ذلك اليوم جماعةً، لكي يتعلموا الدرس. وهم لا يفهمون سوى لغة القوة وفق هذه العقلية".

عزمي بشارة: ليس الضرر اللاحق بالمدنيين الفلسطينيين عرضياً أو جانبياً، بل هو من أهمّ أهداف الحرب، ما يؤدي حتماً إلى الإبادة

هذا النهج بمستويات متعددة وصل، كما عاينه بشارة، إلى التدمير في قطاع غزة وتمادي هذا النهج إلى درجة التوحش، باعتماد الاحتلال على العنف وأن أي توانٍ في ممارسته يؤدي إلى انكشاف مجتمع المستوطنين أمنياً، ما يضطرّ الدولة إلى استخدام العنف أضعافاً مضاعفة، فتُعبّأ كل الطاقات من أجل المعركة بوصفها ردّاً على تهديد وجودي.

وعليه كما يخلص في هذه النقطة فليس الضرر اللاحق بالمدنيين الفلسطينيين عرضياً أو جانبياً، بل هو من أهمّ أهداف الحرب، ما يؤدي حتماً إلى الإبادة بتعريفها الدولي.

انطلاق أعمال المنتدى السنوي لفلسطين - حسين بيضون

وتطرق إلى الحملة الشرسة التي تشن على مجتمع السكان الأصليين حتى أن كل الأساليب تصبح مباحة بما في ذلك التفنن في الكذب، وشيطنة الآخر، والاستخدام المغرض و"السينيكي"، لاستعارات المحرقة النازية التي وقعت في مكان وزمان آخرين وحضارة أخرى، إلى درجة أن جنوداً إسرائيليين قوبلوا في الإعلام في طريقهم إلى غزة وهم يقولون إنهم يشعرون بأنهم يدخلون إلى معسكر أوشفيتز لمحاربة النازيين.

قضية العرب المركزية

وعلى مستوى العلاقة بين الدول العربية وقضية فلسطين قال إن الحرب على غزة أكدت مرة أخرى ما سبق أن كشفه حصار بيروت عام 1982، وحصار المقاطعة في رام الله عام 2004، وحرب 2006 على لبنان، والحروب الأربع المتتالية على غزة، ليست قضية فلسطين قضية كل دولة عربية على حدة. بعض الدول تتأثر بها أكثر من غيرها، لكنها قضية العرب المركزية بوصفهم عرباً بوجود مشروع عربي إن وُجد، لا بوصفهم دولاً منفصلة.

وبين بشارة أن لا علاقة لمواصلة التوقعات من الدول العربية والخيبات، واللوم والهجاء لواقع الدول العربية، إذ ليس هناك فاعل يمكن تسميته النظام العربي إلا شكلياً، مبدياً أسفه لذيوع مصطلح "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" وثمة محاولات جارية لتسريبه إلى الوثائق الرسمية العربية.

وقال إنه إذا كانت دول قد تخلت عن مصطلح "الصراع العربي الإسرائيلي" فهذا شأنها. أما أن تستبدل قضية فلسطين بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي فهذا أمر آخر. إذ ليس الصراع في فلسطين نزاعاً بين طرفين ليسمى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل قضية تحرر وطني هي القضية الفلسطينية.

عزمي بشارة: حركات الاحتجاج العربية لو كانت مستمرة ومثابرة ومنظمة يمكن أن تؤثر في مواقف الدول الغربية المعنية باستقرار الأنظمة الحليفة لها في المنطقة

 

ومع ذلك يرى بشارة أن سبب الأمل "الذي لا شفاء منه" أن الرأي العام العربي عموماً متضامن مع فلسطين، وليس ذلك فحسب بل مع فعل المقاومة أيضاً، وهو رافض لأي تطبيع مع إسرائيل بغضّ النظر عن درجات الوعي بما يجري، فليس جميع الناس محللين.

وهذا التضامن الشعبي كما يقرؤه عزمي بشارة قد يكون خميرة للمستقبل كما أصبح بعد حرب 2009 على غزة، لكنه لا يغير على نحو فوري سلوك الحكومات الناجم عن شبكة تربط بنية كل نظام على حدة في علاقات دولية وإقليمية، وإن كانت تضطر إلى مسايرة الحراك الشعبي خطابةً.

بالمقارنة مع هذه الأشكال التضامنية، ذهب إلى حركات التضامن الإنساني مع قطاع غزة المتواصلة في بعض الدول الغربية واصفاً إياها بذات النفس الطويل والتي تتصاعد ولا تتراجع، بينما ثورات الغضب تصعد في بلداننا ثم تخبو، موضحاً أنه لا يشير هنا إلى مشكلة ثقافية فربما كان العامل الرئيس هنا الخوف من تبعات المشاركة في أي حراك شعبي، فقد أصبح حتى التضامن مع فلسطين في بعض البلدان العربية محظوراً.

ولدى حديثه عن حركات الاحتجاج العربية قال إنها لو كانت مستمرة ومثابرة ومنظمة يمكن أن تؤثر في مواقف الدول الغربية المعنية باستقرار الأنظمة الحليفة لها في المنطقة.

أما ما يرى أنه يستحق التعامل معه نقدياً "بكل ود ومحبة"، فيتعلق بالتناسب العكسي بين تقلص الحراك الشعبي وتفشي المكلمة على مواقع التواصل واتخاذها طابع المزايدة في استعراض المشاعر من خلال طوفان المرئيات الواردة التي تصور آلام الناس ومعاناتهم في مقابل تراجع الفعل السياسي المؤثر في الفضاء العام.

ترتيبات إسرائيلية جديدة

وفي تقديره لمفترق الطرق تحدث المفكر العربي عن محاولة إسرائيل وحلفائها فرض ترتيبات سياسية جديدة تبعد الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقوقه الوطنية أكثر مما أبعدته اتفاقيات أوسلو التي لجأت إليها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قبل ثلاثة عقود، باستثمار منجزات الانتفاضة الأولى بغرض تجاوز التهميش بعد حرب 1982 في لبنان وحرب الخليج وانهيار المعسكر الاشتراكي، وقال إن هذا الترتيب الجديد إن فرض فسوف يمر الوقت أيضاً كما فرض منذ تلك الاتفاقيات بتعوّد مراحل انتقالية جديدة، واستيطان لا يبقي أثراً لأي احتمال لنشوء دولة فلسطينية، وانتخابات إسرائيلية تتلوها انتخابات أميركية، وصراعات على سلطة بلا سيادة، قد تصبح هذه المرة صراعات داخل حركة فتح على السلطة.

وختم بأن المنظومة الدولية والإقليمية لا تستطيع تجاهل الثمن الفادح الذي دفعه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والجحيم الذي عاشه من قتل الأطفال إلى قهر الرجال، ومن تدمير المساكن والمدارس والمستشفيات والجامعات والمؤسسات الثقافية إلى التجويع.

كما لا يمكن تجاهل بسالة المقاومة وصبرها ومثابرتها، وهي فوق ذلك كما يؤكد إنجاز للشعب الفلسطيني على مستوى التنظيم وبناء المؤسسات، بوصف تضحيات الشعب الفلسطيني والمنجزات على مستوى المقاومة تعزيزاً لموقف قيادة فلسطينية موحدة تشمل فصائل المقاومة والوطنيين المستقلين في إطار منظمة التحرير، إذا أصرت على الحل العادل وإذا دعمتها الدول العربية.