تشكل الأرض جوهر الصراع في النقب مع السلطات الإسرائيلية، إذ توجد 36 قرية مسلوبة الاعتراف في النقب وقضائه، لم تعترف السلطات الإسرائيلية بها، ولا توفر لسكّانها الخدمات الأساسية.
ويقطن في النقب اليوم 350 ألف عربي من فلسطينيي الداخل. وقبل النكبة، سكن 111 ألف فلسطيني في النقب وتمّ تهجيرهم في عام النكبة (1948)، وبقي منهم بما يقدر بـ13 ألفاً.
ويخوض العرب في النقب صراعاً يومياً ووجودياً للحفاظ على منازلهم وأرضهم التي يمتلكونها من قبل النكبة، فهي أرض الأجداد والآباء، وذلك في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية. وتعمل سلطات الاحتلال على اقتحام القرى مسلوبة الاعتراف وتحريج الأراضي وتوزيع إخطارات لهدم البيوت.
يقول أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بئر السبع منصور نصاصرة، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد إقامة إسرائيل عام 1948، وما تبعها من نكبة وتهجير الغالبية العظمى من النقب إلى الضفة الغربية والأردن وغزة وضواحي القدس والخان الأحمر ومسافر يطا، تمّ تركيز من تبقى من أهل النقب، أي ما يقدر بـ13 ألف نسمة في منطقة عسكرية مغلقة تدعى السياج، أي المنطقة المغلقة في شمال شرقي مدينة بئر السبع".
ويلفت مؤلف كتاب "بدو النقب وبئر السبع: مائة عام من السياسة والنضال" (إصدار جامعة كولومبيا)، إلى أنه "في جنوب هذه المنطقة، واجه أهل النقب وقضاء بئر السبع تحديات مختلفة: تمّ إخلاء العديد من أراضيهم ومصادرتها، ما دفعهم للعيش كنازحي ولاجئي داخل في منطقة مطوقة في شمال شرق مدينة بئر السبع".
فترة الحكم العسكري: 1948 - 1966
يضيف نصاصرة: أما في فترة الحكم العسكري الذي استمر حتى عام 1966، فقد استطاعت إسرائيل السيطرة على غالبية أراضي النقب، وبذلك خلقت واقعاً جرى فيه نقل غالبية العشائر من موطنها الأصلي، بمعنى أن غالبية سكّان النقب هم مهجرون داخل وطنهم، تحولت أراضيهم وأملاكهم إلى أملاك غائبين.
ويشير أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بئر السبع إلى أن سقوط بئر السبع في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1948 يمثل النكبة في النقب، بنظر عرب النقب، ويتابع: كان سقوط بئر السبع "يوماً أسودَ" في تاريخهم، وأشاروا إلى احتلال بئر السبع في عام 1948 باسم "كسرة السبع"، أي "نكبة بئر السبع" باللهجة البدوية.
ملكية الأراضي في النقب
ويشير نصاصرة إلى أن "إسرائيل لا تعترف بملكية عرب النقب للأرض ولا بصكوك الملكية العثمانية والبريطانية، وتواصلت بعد عام 1948 وحتى اليوم مخططات تجميع السكان قسرياً بهدف السيطرة على أراضيهم".
أشار عرب النقب إلى احتلال بئر السبع في عام 1948 باسم "كسرة السبع"، أي "نكبة بئر السبع" باللهجة البدوية
ويوضح نصاصرة أن آخر هذه المخططات "كان مخطط برافار، والذي يسعى إلى السيطرة على ما تبقى من أراضٍ في حوزة أهل النقب، والذي تمّ تجميده خلال السنوات الأخيرة نتيجة الضغط الشـــعبي النقباوي الفلسطيني والعالمي، فيما تتواصل محاولات إيجاد آليات أخرى لتنفيذ المصادرة"، ويشدد على أن "أهل القرى مسلوبة الاعتراف يصارعون للبقاء في قراهم الـ36 وفوق أرضهم، ورفض مخططات التجميع والترحيل كما حدث في أم الحيران والعراقيب".
36 قرية عربية في النقب مسلوبة الاعتراف
ويوضح نصاصرة أنه "على مدى قرون عديدة، عاش عرب النقب وبئر السبع في جنوب فلسطين، في منطقة بئر السبع غالباً، وحافظ هذا المجتمع العربي الفلسطيني تحت الحكم العثماني والبريطاني وبعد النكبة، على مميزاته"، ويلفت إلى أن تعداد سكّان النقب العرب بلغ خلال السنوات الأخيرة نحو 350 ألفاً يقطنون في أكثر من 36 قرية غير معترف بها، وأيضاً في قرى أقيمت منذ سنوات الستينيات ضمن مشاريع الاسـتيطان والتمدين القسري، مثل رهط وتل السبع وحورة واللقية وشقيب السلام وكسيفة وعرعرة وغيرها من قرى المجلس الإقليمي، أبو بسمة والقيصوم وواحة الصحراء".
ويشير نصاصرة إلى أن "عرب النقب يشكلّون اليوم ما يقارب الـ31 في المائة من كامل التعداد السكاني في النقب، وما يقارب 12 في المائة من العدد الإجمالي للأقلية الفلسطينية في إسرائيل"، ويشرح أن حالتهم المعيشية هي بمثابة صراع دائم وصمود يومي، حيث إن النازحين لبلدات الاستيطان القسري يعانون من البطالة والفقر نتيجة فقدان أراضيهم ومواردهم الاقتصادية، ومن آثار التخطيط المدني السيئ، إضافة إلى أولئك الذين يعيشون في قرى تاريخية لم تعترف بها الحكومة الإسرائيلية، فهم محرومون من خدمات الدولة، ومحاصيلهم الزراعية ومواشيهم مهددة على الدوام.
ويوضح أنه منذ أواخر الستينيات، انتقل ما يقارب نصف عرب النقب قسراً إلى البلدات المخططة حكومياً، بإدعاء "تحديث" المجتمع لينتج شعباً بلا أرض (هو ما تدعيه إسرائيل عن النقب) ويتحولون إلى لاجئين في أراضيهم بالبلدات المخططة حكومياً.
تحول سكّان النقب إلى لاجئين في أراضيهم بالبلدات المخططة حكومياً
ويلفت إلى أنه عندما اكتمل تجهيز البلدات المخططة من قبل الحكومة، تم تصنيف كل أولئك العرب الذين رفضوا الرحيل كـ"غير قانونيين وغيـر معترف بهم"، على الرغم من أنهم "أصحاب البلاد والوطن".
ويشدد أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بئر السبع على أن "عرب النقب الذين قاوموا فكرة البلدات المخططة استمروا في العيش بالقرى غير المعترف بها"، وقد صيغ هذا المصطلح في أواخر الثمانينيات بعد تعرض المجتمع النقباوي لموجة من ضغوط وسياسات التخطيط التي لا تتناسب مع أنماط عيشه التاريخية".
التصدي لمخططات مصادرة الأراضي بالنقب
يتصدى أهالي النقب للمخططات الإسرائيلية ولمخططات التهجير ضمن نضال جماهيري واسع يشمل مؤسسات ونشطاء ولجان القرى واللجنة العليا لتوجيه عرب النقب.
وفي السياق، يقول مُركز (منسق) فرع مركز "عدالة" في النقب مروان أبو فريح: "نحن نعمل في النقب ضمن مؤسسات ولجان القرى والهيئات بشكل شمولي للتصدي لمخططات النقب، ويقوم الصندوق القومي اليهودي بمحاولات تشجير أراضي النقب على أراض لم تحسم ملكيتها بعد، وهذه المحاولات تأتي من خلال بنود ما يسمى الغزاة، أي حماية الأراضي من "الغزاة"، وفي نظر السلطات الإسرائيلية نحن الغزاة".
ويوضح أبو فريح أنه من خلال هذا البند تتم السيطرة والاستيلاء على أراضي عرب بدو بالنقب ويتم وضع لافتات بأن هذه المنطقة مغلقة، ثم يحضرون البلدوزرات تحت حراسة شديدة ويغلقون المنطقة ويبدأون العمل لزراعة الأرض بالأشجار.
ويشير أبو فريح إلى أن هذه المحاولات بلغت خلال السنوات الأخيرة الماضية مراحل جديدة وأصبحت تحت حماية مغلقة، على عكس ما كان في السابق، حين لم تكن هناك حماية مغلقة من الجيش أو من الشرطة"، ويلفت في هذا الصدد إلى أنه "في العام ما قبل الأخير، أصبحت هناك حماية مشددة كاملة، بحيث تغلق الحراسة المنطقة، ويتم عملياً تشجير المنطقة بعد الإغلاق".
ويقول أبو فريح: "انطلقنا في عملنا النضالي قبل سنوات عدة، بعد كل حدث تكون فيه قوات شرطة وخاصة أو إنذارات من قبل الصندوق القومي اليهودي للناس، يتم التواصل معنا من قبل أصحاب الأراضي، كمؤسسات ومجلس إقليمي للقرى غير المعترف بها، ونحن بدورنا نقوم بزيارة الناس ونشرح لهم الخطوات النضالية والعملية وما علينا اتباعه".
ويشير إلى أنه قبل ثلاث سنوات، انطلقنا في التصدي من خلال وضع خيم اعتصام على الأراضي المهددة بزرع الأشجار والتشجير، موضحاً أنه من خلال هذه الخيم، توافدت الناس وألقينا محاضرات وتمّ التصدي لمحاولات غرس الأشجار. وبرأيه، فإن إسرائيل تهدف من خلال هذه الطريقة إلى محاولة فرض التوجه إلى المحاكم والقضاء على أصحاب الأراضي. ومن يذهب للمحكمة يخسر أرضه.
ويضيف: نقوم بإلقاء محاضرات ورفع الوعي لدى أصحاب الأراضي، ونقول لهم إن إسرائيل تريد منكم أن تتوجهوا إلى المحاكم، موضحين لهم خطورة المسألة. كما يتحدث عن المبادرة في دعوتنا للقيام بخطوات نضالية وحراك شعبي على أرض الواقع من خلال خيم اعتصام وما إلى ذلك، وهذه المحاولات نجحت.
تحاول إسرائيل أن تفرض على أصحاب الأراضي التوجه إلى المحاكم والقضاء، ومن يذهب إلى المحكمة يخسر أرضه
ويلفت إلى أنه بعد نجاح هذه المحاولات، بدأ نهج جديد من قبل السلطة الإسرائيلية، بفرض إغلاق المنطقة بالوحدات الخاصة. ومن خلال هذا النهج، تم عملياً إيجاد حلّ من قبل السلطات لمنع خيم الاعتصام، وهذه كانت الاستراتيجية الجديدة من قبلهم.
ويعطي مثالاً على ما حدث في قرية سعوة قبل عام على خلفية الاحتجاجات ضد تجريف وتحريج الأراضي.
ويشرح أبو فريح أنه في 12 يناير/ كانون الثاني 2022 كانت هبة سعوة - كما أطلق عليها - كبيرة جداً، وتمّ اغلاق المنطقة وتصدى الناس وسجلت اعتقالات كثيرة، ويلفت إلى أنه تم اعتقال 150 شاباً وشابة، 40 في المائة من بينهم قاصرون، على خلفية الاحتجاجات ضد تجريف وتحريج الأراضي في نقع بئر السبع (منطقة تشمل داخلها 6 قرى) وسعوة.
ويوضح أن إسرائيل تبنت بعد هبة سعوة أدوات جديدة لإسكات الأصوات التي خرجت وشاركت في هبة سعوة ومنها الاعتقالات، وبعدها قالوا إن كل من قام في هبة سعوة، هم أبناء لمّ شمل، بالتالي هم فلسطينيون يعيشون بيننا وهم العدو.
ويقصد أبو فريح بـ"أبناء لمّ شمل"، أن أحد ذويهم من أراضي 48 والآخر من منطقة الضفة الغربية. ويطلق عليهم "أبناء لمّ شمل" نسبة إلى قانون لمّ الشمل لأن أحد ذويهم يحمل الهوية الإسرائيلية والآخر يحمل هوية سلطة فلسطينية، ويكونون في انتظار عملية لمّ شمل.
وفي السياق، يلفت أبو فريح إلى أن هذه الأدوات هي محاولة من المخابرات الإسرائيلية لترهيب الشباب حتى لا يشاركوا في نضالات مقبلة، ويقول في هذا الشأن: النضال قابلته أدوات قمع واستخدام برونز (نوع من السلاح) مسيل للدموع، في تظاهرات سعوة، وهي المرة الأولى التي يتم استعماله فيها في الداخل الفلسطيني، وهي وسيلة مستخدمة لليوم إلى جانب الضغوط.
ويشير أبو فريح إلى وجود 14 مخططاً لتهويد النقب، ونحن ننطلق بحسب وتيرة المخطط، فمثلاً هناك قرار بهدم حي كامل في قرية أم رتام من أجل شقّ شارع لمدينة ديمونا، ويختم بقوله: نحن ننظم نضالنا بحسب الوضع الراهن وواقع الأحداث.