عرب "السيادة" و"المؤامرة" إلى بيلاروسيا

12 نوفمبر 2021
وجد العربي نفسه على حدود العراء في غابات بيلاروسيا (الأناضول)
+ الخط -

في تجربة أوروبا، المتحولة خلال 4 عقود من "سوق مشتركة" إلى "اتحاد"، صيغت بلغات متنوعة مجموعة قيم ومبادئ، تضع بولندا والمجر، وحتى الدنمارك والسويد، تحت سقف الانتقاد والعقوبات. صحيح أن اليمين القومي يحاول التحلل من القيم، باسم "مقاومة المؤامرة" والحفاظ على "السيادة"، إلا أنه في نهاية المطاف تبقى الكلمة للشعوب وأحزابها.
في الحالة العربية، المستمرة في خطابات ستينيات "المؤامرة"، وجمود فولكلورية "الجامعة العربية"، بتنا أمام حالة إخضاع "الجماهير" بشعبوية مثيرة للشفقة، إذا ما انتقدت سياسة عربية ما.
فانتقاد التغول يُجابه باسم "السيادة" و"ممانعة المؤامرة"، خصوصاً مع نشوء "الدويلات" فوق الدولة، أو استعادة بعض ملامح "إمارات الطوائف". ظنون بعض اللبنانيين اليوم في أن بلدهم الصغير هو "مركز الكون"، وشاغل كل لقاء سياسي، إقليمي أو دولي، واعتبار البلد "محاصراً" و"معاقباً" من "الإمبريالية"، لا يختلف عن ظاهرة إخضاع العقل العربي المشرقي بشعبوية الوطنية و"كشف المؤامرة".

ذات يوم، بعد 2011، أطل على المشاهدين منتحلو "التحليل الاستراتيجي" من دمشق وبيروت، ليسوقوا أدلتهم على "المؤامرة الكونية"، والتي ستسمى لاحقاً في إعلام "الممانعة" بـ"صهيو-خليجية". فمخيمات لجوء تركيا كانت "جاهزة مسبقاً" وفيها "حملت النساء ووضعن بعد 6 أشهر" من التهجير. وليهبط المستوى دون ذلك، جلب "استراتيجي" سوري كيساً من العظام إلى استوديو تلفزيون ليذم من خلاله حكام الخليج، شرحاً لـ"المؤامرة". وفي السياق نفسه لم يتردد رئيس حكومة عراقي أسبق في حشر جملة "أحفاد يزيد والحسين" لتأكيد ماهية "المؤامرة" في المنطقة وعلى بقاء "الممانع" بشار الأسد.

الهوس بـ"المؤامرة" ليس اعتلالاً جديداً، بل متواصل منذ جيلين، وأخطره المشرعن لروايات ودموية سلطات بعينها، بمن فيها "سلطات الأمر الواقع". فرغم أن "السيادة" مثقوبة، أرضاً وجواً، يستمر في دمشق، وفي "دويلات ما فوق الدول"، سوق خطاب "مقاومة المؤامرة". وبين هذا وذاك ثمة جيل من "مناضلي مقاومة الإمبريالية والرجعية" حائر بين دغدغة شعبوية أخرى للجماهير وعدم إغضاب "أصحاب القرار"، وبالأحرى أمن السلطات. عند بعض هؤلاء "المثقفين" يتعمق الانفصام بين "مواجهة الإسلام السياسي" والتحالف مع أحزاب "الولي الفقيه"، فيزداد الترديد الأجوف لرواية الأنظمة وأدواتها عن "الوطنية" و"السيادة" و"الخيانة". 

في المحصلة، هذا هو المواطن العربي يهرب من "المؤامرة الغربية" على "كرسي وسلالة الزعيم" ليجد نفسه على حدود العراء البارد والعار على مهجريه في غابات بيلاروسيا، برعاية "صديق" مثل ألكسندر لوكاشينكو، سعياً للوصول إلى "الغرب المتآمر" نفسه.