عبد الله باتيلي.. متمرس في حل النزاعات ومدافع شرس عن حقوق أفريقيا مبعوثاً أممياً إلى ليبيا
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الليلة الماضية، تعيين الوزير السنغالي السابق عبد الله باتيلي مبعوثاً أممياً جديداً إلى ليبيا، خلفاً للسلوفاكي يان كوبيتش، الذي قدّم استقالته من المنصب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعدما كان قد تسلّمه في فبراير/شباط 2021.
وشغل قبل باتيلي منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا كل من عبد الله الخطيب وإيان مارتن وطارق متري وبرناردينو ليون ومارتن كوبلر وغسان سلامة، وأخيراً يان كوبيتش.
وكان غوتيريس قد عيّن الأميركية ستيفاني وليامز، التي شغلت في السابق منصب نائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا (نائبة سلامة)، ثم المبعوثة الأممية بالإنابة إلى هذا البلد، مستشارته حول ليبيا، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، واستمرت في مهامها حتى نهاية يوليو/تموز الماضي. وفي نهاية يوليو الماضي مُدِّدَت مهمة البعثة الأممية في ليبيا لـ3 أشهر فقط، وذلك للمرة الرابعة من دون أن يكون لها رئيس أو رئيسة.
وأصبح باتيلي المبعوث الأممي الثامن إلى ليبيا (بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا) منذ اندلاع الثورة الليبية في 2011، بعد موافقة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي.
وباتيلي الدبلوماسي الأول من أفريقيا الذي يقود البعثة في ليبيا، منذ بدء مهامها، وذلك بعد موافقة الصين وروسيا في مجلس الأمن، اللتين اعترضتا سابقاً على تعيين أي مرشح غير أفريقي في المنصب.
واعترضت روسيا خصوصاً، أكثر من مرة، على مقترحات أسماء تقدمت بها الدول الغربية في مجلس الأمن، لتولي قيادة البعثة الأممية إلى ليبيا، واعترضت أيضاً الولايات المتحدة على أسماء جرى تداولها لشغل المنصب بدعم روسي. وحصل ضغط أفريقي في الفترة السابقة لتولي رايزيدون زينينغا المنصب رسمياً، فيما تداولت مواقع إخبارية عدة أخيراً أن غوتيريس بدأ بطرح اسم بتيالي منذ فترة.
باع طويل في السياسة
ولعبد الله باتيلي باع طويل في العمل السياسي والنضالي الحقوقي والدبلوماسي، بالإضافة إلى كونه مؤرخاً ملتزماً شؤون القارة الأفريقية وأزماتها.
وخدم عبد الله باتيلي (مواليد 1947) بلاده كمؤرخ ومثقف، وكنائب سابق (انتخب نائباً للمرة الأولى في 1998)، وشغل منصب نائب رئيس البرلمان السنغالي من 2001 إلى 2006، ووزيراً للبيئة في الحكومة السنغالية من 1993 إلى 1998، ثم للطاقة من 2000 حتى 2001.
في الأمم المتحدة، أوكلَت إلى باتيلي مسؤوليات دبلوماسية عدة، ولا سيما في مجال الوساطة الأممية والمساهمة في حلّ النزاعات. وقد عيّن في 2013 نائباً للممثل الأممي الخاص لبعثة الأمم المتحدة متكاملة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، وشغل منذ 2014 منصب رئيس المكتب الإقليمي للأمم المتحدة في وسط أفريقيا.
وفي 2015، اختارته المنظمة الأممية وسيطاً في أزمة بوروندي، ورئيساً لمنتدى بانغي الوطني للمصالحة الوطنية في أفريقيا الوسطى. وعيّن في إبريل/نيسان 2018 مستشاراً خاصاً للأمين العام الأممي حول مدغشقر.
وترأس باتيلي لجنة المراجعة الاستراتيجية لعمل البعثة الأممية في ليبيا، وأشرف في مايو/أيار 2018 على مفاوضات (غير رسمية) ليبية ليبية في العاصمة السنغالية دكار، وذلك بالإضافة إلى مهام أخرى رسمية وغير رسمية للمساهمة في حل النزاعات.
مدافعٌ شرسٌ عن الحقوق الأفريقية
ويحمل باتيلي دكتوراه في التاريخ من جامعة برمنغهام البريطانية، ودكتوراه دولة من جامعة الشيخ أنتا ديوب في السنغال. له مؤلفات عدة حول التاريخ الأفريقي وسياسة القارة. عيّن في 2016 أستاذاً زائراً في مركز القيادة الأفريقية في معهد الشؤون العالمية في كلية كينغز بلندن، ومستشاراً في الحوكمة في مؤسسة "مو إبراهيم" الدولية.
ويتولى باتيلي مهامه في ليبيا، في وقت لم يتمكن جميع أسلافه من حلّ المعضلة الليبية التي اشتدت استعصاءً خلال السنوات الماضية بعد سقوط نظام معمر القذافي. ففي كل مرة تخرج بوادر حلّ للأزمة، يعود الانسداد السياسي ليخيّم على المشهد، حتى مع انخفاض قرقعة السلاح.
يتولى بتيالي مهامه في ليبيا، في وقت لم يتمكن جميع أسلافه من حلّ المعضلة الليبية التي اشتدت استعصاء خلال السنوات الماضية
وكانت آخر انفراجة قد لاحت في ليبيا مع تمكن وليامز من إدارة ملتقى للحوار السياسي الليبي، تمخض عن خريطة طريق للحلّ، كانت ستقود إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر الماضي، بعدما أنتجت حكومة انتقالية تحت مسمى حكومة وحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة. لكن شيطان التفاصيل حول الآلية الدستورية التي ستجري من خلالها الانتخابات، والانقسامات بين أطراف الصراع، وحسابات المصالح والسباق على النفوذ، فضلاً عن الأسماء "الإشكالية" التي طرحت نفسها لانتخابات الرئاسة، حالت دون حصول الانتخابات بموعدها، ما أعاد الخشية لدى الليبيين من العودة إلى مرحلة الصراع العسكري الذي كان قد توقف بين محوري الشرق والغرب، مع فشل اللواء المتقاعد خليفة حفتر في حربه لاقتحام طرابلس، ولا سيما بتدخل تركي إلى جانب حكومة الوفاق السابقة.
وإثر فشل إجراء الانتخابات، كلّف مجلس النواب المنعقد في طبرق وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا تشكيل حكومة موازية لحكومة الدبيبة (أدت اليمين الدستورية في مارس/آذار الماضي)، ولم تتمكن حتى الآن من دخول طرابلس، بالرغم من محاولتها ذلك أكثر من مرة.
من جهته، يتمسك الدبيبة بعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، فيما لا يزال شيطان التفاصيل يكمن أيضاً في لقاءات رئيسي مجلس النواب والأعلى للدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، للوصول إلى توافق حول الآلية الدستورية لإجراء الانتخابات.
وكان كوبيتش قد استقال في وقت كانت تتحضر فيه ليبيا لإجراء انتخاباتها في ديسمبر، واتهم حينها بالانحياز إلى أحد أفرقاء الصراع (معسكر حفتر)، كذلك سادت تكهنات عدة تتعلق بطلب استقالته، منها رفضه أن تكون طرابلس مقر إقامة المبعوث الأممي إلى ليبيا.
وغالباً ما يعزو المبعوثون المستقيلون من مهمة البعثة الأممية الليبية (كوبيتش، سلامة أو حتى البلغاري نيكولاي ميلادينوف الذي عيّنه غوتيريس، لكنه أبلغه أنه لن يتمكن من تولي المنصب)، أسباب استقالتهم، لأسباب مغايرة عن الواقع، والذي يتعلق على الأرجح بتعقيدات الملف الليبي، وتشعباته الخارجية الثقيلة.
وتقود البعثة الأممية إلى ليبيا مسارات عدة للحل، اقتصادية وسياسية وعسكرية، فيما يلوح تقدّم على صعيد اجتماعات لجنة 5+5 العسكرية من طرفي الصراع، لتوحيد الجيش.