استمع إلى الملخص
- يرفض حزب العمل والإنجاز دعوات مقاطعة الانتخابات، مشددًا على أهمية المشاركة فيها لمواجهة الاستبداد وتعزيز الديمقراطية، رغم التحديات والتضييقات من السلطة الحالية.
- المكي يعبر عن تفاؤله بإقبال كبير على الانتخابات ويؤكد على أهمية الحفاظ على المجتمع المدني والديمقراطية، مشيرًا إلى ضرورة توحيد المعارضة وتقديم مرشحين قادرين على المنافسة.
من يدعون للمقاطعة سيمنحون الاستبداد فرصة أخرى
مؤشرات على تغيّر موقف قوى كانت تنادي بمقاطعة الانتخابات
ستكون الانتخابات محطة تحكيم شعبي لما يطرحه سعيّد
يؤكد عبد اللطيف المكي، رئيس حزب العمل والإنجاز المعارض في تونس، لـ"العربي الجديد"، أن حزبه لا يزال يتمسك بقرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، والتي من المفترض إجراؤها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وفق ترجيحات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إذ لا يزال موعدها غير محدد بعد. يأتي ذلك عقب إعلان الحزب في بيان، الأسبوع الماضي، قرار "خوض غمار سباق الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في خريف عام 2024. والمنافسة الجدية في الانتخابات بمرشحه"، مشيراً إلى أنه "سيعلن عن مرشحه في الوقت المناسب".
ويشغل المكي، وهو طبيب، الأمانة العامة لحزب العمل والإنجاز منذ انتخابه في المؤتمر الأول للحزب خلال فبراير/ شباط الماضي، فيما كان يشغل منصب وزير الصحة بعد الثورة بين 2011 و2014، وأيضاً في حكومة إلياس الفخفاخ في 2020. كما يُعتبر من القيادات التاريخية لحركة النهضة التونسية، والتي استقال منها مع عدد من القيادات وأسسوا حزب العمل والإنجاز عام 2022، ليكون هذا الحزب أحد مكونات جبهة الخلاص الوطني، والتي تضم عدداً من الشخصيات والأحزاب المعارضة.
ويشدّد المكي في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن الحزب "متمسك بموقفه بعد التطورات الحاصلة خلال الأسابيع الأخيرة"، موضحاً أن "الأحداث أكدت صواب رؤيته بخصوص الانتخابات، وبأنها معركة سياسية استراتيجية لا بد من خوضها لإخراج تونس من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها". ويعتبر أن "إخراج تونس من الأزمة السياسية يمثل مقدمة لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية وترتيب الملف السياسي بحيث تستقر الديمقراطية وتنتشر حالة من الاطمئنان بين كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين والنخب، وهو الشرط الأساسي للتفرغ لمعركة التنمية الشاملة بعد ذلك".
ويشهد الشارع التونسي أخيراً عودة الزخم للحراك الرافض للمرسوم 54 الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد، في سبتمبر/ أيلول 2022، ويتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. كما يعمل البرلمان التونسي حالياً على سنّ قانون الجمعيات الجديد، وسط مخاوف من تقييد عمل منظمات المجتمع المدني وتهديد آلاف الوظائف، إذ ينص مشروع القانون على أن تمنح وزارة الشؤون الخارجية التراخيص للمنظمات الأجنبية. كذلك فإن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تبحث في الوقت الراهن شروطاً إضافية تتعلق بالترشح للانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، ينظر إليها على أنها تحد جديد أمام المعارضة ومرشحيها المحتملين.
رفض مقاطعة الانتخابات الرئاسية التونسية
وحول موقف بعض المعارضة التونسية التي تدعو للمقاطعة بسبب عدم توفر شروط الانتخابات النزيهة والشفافة والمنافسة المتكافئة، يقول المكي إن "حزب العمل والإنجاز ضد فكرة مقاطعة الانتخابات"، مضيفاً أنه "منذ سنتين ونحن نناضل من أجل انتخابات رئاسية، حتى لو كانت سابقة لأوانها". ويبيّن أن "من يدعون للمقاطعة سيمنحون الاستبداد فرصة أخرى، وسيدعم ذلك تصريحات سعيّد بأن القوى السياسية ضعيفة وغير قادرة على ترشيح شخصية سياسية أو على فرز مرشح من بينها".
عبد اللطيف المكي: قيس سعيّد أو السلطة الحالية لن يفرشوا الحرير للمعارضين والمرشحين
ويكشف عن وجود "تغيرات حصلت أخيراً، كانت انطلاقاً من التطورات التي جدّت على الساحة بخصوص موقف المشاركة في الانتخابات، خصوصاً داخل قوى كانت تنادي بالمقاطعة"، مضيفاً أن مختلف تلك المواقف "ستظهر قريباً للعلن". ويشير إلى أن "هناك عدة مؤشرات حصلت بعد حوارات مستمرة قد تغيّر الموقف باتجاه المشاركة لدى عديد القوى التي كانت تدافع عن فكرة المقاطعة، رغم عدم تغير شروط الانتخابات".
ويفسر المكي هذا الموقف بأن الانتخابات الرئاسية التونسية "معركة، وقيس سعيّد أو السلطة الحالية لن يفرشوا الحرير للمعارضين والمرشحين خلال هذه المعركة، وبالتالي ستكون هناك صعوبات وتضييق، وهذا طبيعي". ويستدرك بأنه "طالما يوجد الحد الأدنى من الضمانات فلا بد من خوض المعركة والانتصار فيها على التضييق والعراقيل بقوة التعبئة الشعبية والانتخابية والأطروحات ومصداقية البرامج".
ويشدّد على أن موقف المعارضة عموماً "بدأ ينضج باتجاه المشاركة" في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، موضحاً أن الإعلان عن الروزنامة الانتخابية وموعد للانتخابات "سيكون عنصراً فاصلاً بين مختلف الأطراف بخصوص المواقف السابقة واللاحقة، لأن جزءاً من السياسيين لا يزال يشكك في إمكانية إجراء الانتخابات أصلاً.
ويرجّح المكي إجراء الانتخابات عازياً ذلك إلى أنه "لا أحد قادر على تأجيل موعدها لأنه سيتحمل مسؤولية إدخال البلاد في طور جديد من الأزمة السياسية، ويكون التساؤل ساعتها حول شرعية الحكم من دون انتخابات"، مضيفاً "أن موقف جبهة الخلاص قابل للتطور في ظل النقاشات والمعطيات".
وبخصوص فشل المعارضة في الاتفاق على شخصية موحدة ترشحها لمنافسة سعيّد، يرى المكي أن "القول إن المعارضة غير قادرة على اختيار مرشح موحد مجرد فكرة لبث الوهن في المعارضة، وهي أصلاً فكرة طوباوية، بمعنى أنه لا يمكن لمعارضة من أطياف سياسية مختلفة أن تتوحد على مرشح واحد، خصوصاً في الدور الأول (الجولة الأولى)"، مضيفاً أنه "ربما سيكون ذلك ممكناً في الدور الثاني، وهناك اليوم ثلاثة أو أربعة أشخاص أعلنوا ترشحهم من دون التنسيق مع بقية الأطراف، ما يعني أن فكرة مرشح موحد غير قائمة".
ويضيف أنه "لا بد من توفير التعدد والتنوع لتمكين المواطن التونسي من الاختيار، وأن يوجد عدة مرشحين، فهذا يمكّن القوى السياسية من تعديل الميزان السياسي، وخلال الدور الثاني قد تحصل اتفاقات مكتوبة ومعلنة حول مرشح واحد للقطع مع سياسة الاتفاقات غير المعلنة".
تكرار تجربة 2019
ولكنه يحذّر في المقابل من "التشتت لأن ما حصل في انتخابات 2019 جعل الاختيار في الدور الثاني ليس بين الحسن والأحسن، بل بين السيئ والأسوأ (يقصد بين قيس سعيد ونبيل القروي)، وبالتالي مطلوب من كل عائلة سياسية أن ترشح مرشحاً واحداً لكي لا تتشتت الأصوات، لأن ذلك أضر بالحياة السياسية في تونس". ويقول إن "الترشح لا يمثل رغبة شخصية بقدر ما هو التزام ورؤية للبلاد".
عبد اللطيف المكي: موضوع ترشحي لا يزال بيد الحزب
وعن ترشحه الشخصي بالنظر إلى تصريح سابق له بأنه "إذا تم تكليفي بالترشح للرئاسة فأنا في خدمة قرار المجموعة"، يقول المكي إن موضوع ترشحه من عدمه "لا يزال بيد الحزب"، موضحاً أنهم "سيقدمون مرشحهم قريباً بالتأكيد، وأنه (من سيتم اختياره) سيكون مرشحاً يتم الاتفاق عليه مع قوى سياسية أخرى، وإذا استحال ذلك فسيقدم الحزب مرشحه الخاص". ويلفت إلى أنه "لم يتم الفصل في ذلك بعد ويبقى الباب مفتوحاً لمرشح يتم الاتفاق والتعاقد عليه باتفاق مكتوب وعلني ليكون مدعوماً من قبل فريق من حوله".
وبخصوص تداعيات تأخر المعارضة في الإعلان عن مرشحيها، يرى المكي "أن "التأخر في الإعلان لا يخدم العملية الانتخابية، لكنه أمر مفهوم في ظل أزمة سياسية وتردد حول المشاركة من عدمها، وفي ظل عدة اعتقالات طاولت سياسيين وإعلاميين، إلى جانب تأخر سعيّد في الإعلان عن موعد واضح للانتخابات".
ويقول إنه توجه برسالة مفتوحة منذ أيام إلى الرئيس على صفحته بمنصة فيسبوك، اعتبر فيها أن "هذا التأخر في موعد الانتخابات فيه مساس بحظوظ بقية المرشحين لترتيب أوضاعهم، وفيه محاولة للتضييق عليهم وقضم الوقت منهم ومن استعداداتهم". ويقول إن "المعارضة إذا اتحدت على مستوى العائلات السياسية فإنها قادرة على التدارك، وإذا كانت الترشحات متعددة فلا بد من أن يكون هناك حد أدنى من النزاهة".
وعن توقعاته بخصوص الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، من حيث المشاركة الشعبية ومن حيث حظوظ المعارضة وقدرتها على المنافسة الجدية لقيس سعيّد، يتوقع المكي أنه "سيكون هناك طوفان انتخابي، والشعب سيختار لفائدة البلاد ولن يبقى على الحياد، خصوصاً بعد حصيلة قيس سعيّد السلبية".
ويتابع أن "العزوف الشعبي في المحطات الانتخابية السابقة لن يستمر، فقد كانت هناك عدة أسباب لذلك سابقاً، منها الوضع العام، كما أن هناك من استجاب لنداءات المعارضة بالمقاطعة، ولكن هذه الانتخابات الرئاسية التونسية ستكون محددة لوضع البلاد، وسيكون هناك إقبال كبير عليها خلافاً لما يُروّج له". ويرى أن اختيار الشعب سيتم قبوله، وستكون الانتخابات "محطة تحكيم شعبي لما يطرحه سعيّد، وهو ما لمسه التونسيون على أرض الواقع، وبين ما تطرحه المعارضة من مشروع ديمقراطي بعد تدارك الأخطاء التي وقعت خلال السنوات العشر السابقة وإبان الثورة"، موضحاً أنه "متفائل بالمستقبل بحكم تجربته السياسية".