تواجه السلطة الفلسطينية عمليات المقاومة الأخيرة في العمق الإسرائيلي بإعلان إدانتها على لسان الرئيس محمود عباس، وتعليمات مشددة بالتعتيم على أخبار عمليات المقاومة ومنفذيها في جميع وسائل الإعلام الرسمية التابعة للسلطة وعدم ذكرها، ولو "بالحد المهني الأدنى".
وتأتي هذه الإدانات المتتالية من عباس في الوقت الذي طالب فيه وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بني غانتس الأولَ "بتوسيع العمليات ضد منفذي العمليات في الضفة الغربية".
وأعلن الرئيس عباس، أمس الجمعة، إدانته العملية التي نفذها الشهيد رعد حازم.
وقال قيادي فتحاوي، في حديث لـ"العربي الجديد": "إن هناك ضغوطا كبيرة على الرئيس عباس ليقوم بإدانة العملية، وإسرائيل طلبت منه سابقًا أن يدين عملية الطعن التي نفذها الشهيد محمد أبو القيعان في بئر السبع وأسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين، إلا أن الرئيس عباس رد عليهم بأنه لا يستطيع إدانة عملية نفذها شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية".
الجماهير الفلسطينية التي توجهت منذ صباح يوم الجمعة، لبيت الشهيد رعد حازم منفذ عملية تل أبيب هي أكبر استفتاء لمصلحة المقاومة الفلسطينية
وتابع القيادي الذي اشترط عدم ذكر اسمه: "أمام الضغوط الإسرائيلية الكبيرة وطلبهم بشكل مباشر الإدانة، قام الرئيس عباس بإدانة عملية الشهيد ضياء حمارشة من بلدة يعبد جنوب غرب جنين يوم 29 مارس/ آذار الماضي، والتي قُتل فيها خمسة إسرائيليين في منطقة (بني براك) قرب (تل أبيب)".
لكن لم تتم إدانة عمليات المقاومة من أي قيادي فتحاوي من الصف الأول أو من أولئك المحيطين بالرئيس عباس ويصنعون القرار ودرجوا على التغريد عبر "تويتر" بشكل شبه يومي، كما امتنعوا عن التعليق حول أهمية إدانة الرئيس للعمليات وما إن كان يترتب على هذه الإدانة أي مكسب سياسي فلسطيني، تخوفا من تعرضهم لانتقادات علنية من الشارع الفلسطيني الغاضب.
وقال مسؤول فلسطيني، لـ"العربي الجديد": "هناك أمران وراء الإدانات المستمرة للعمليات في العمق الإسرائيلي؛ الأول الرئيس (أبو مازن) لا يريد للأوضاع أن تتدهور أكثر، وثانياً سيفعل أي شيء حتى لا يكون في وضع الرئيس السابق ياسر عرفات الذي اعتبرته إسرائيل في نهاية مرحلته (غير ذي صلة)".
وقال عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" جمال حويل وهو من مخيم جنين: "أتمنى اليوم أن أسمع إدانة لاقتحام الاحتلال لمخيم جنين وقتل شاب وإصابة 15 آخرين بجراح، وخطف جريح إصابته خطيرة، بشكل يخالف كل القوانين الدولية واتفاقيات جنيف".
وتابع حويل المعروف بقربه من الأسير مروان البرغوثي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "الجماهير الفلسطينية التي توجهت منذ صباح يوم الجمعة، لبيت الشهيد رعد حازم منفذ عملية تل أبيب هي أكبر استفتاء لمصلحة المقاومة الفلسطينية".
وقال حويل: "المراهنة على الاحتلال وعلى المجتمع الدولي هي عبارة عن إضافة تركيبة الوهم الذي وعدونا فيه منذ اتفاق أوسلو 1993 وحتى الآن، وهم السلام المتبدد الذي لم تكن نتيجته إلا المزيد من الاستيطان وقتل الفلسطينيين واعتقالهم، تمهيدا لإقامة دولة المستوطنين في الضفة الغربية".
وأكد حويل، "هناك إدانات سابقة صدرت عن الرئيس عباس، ماذا فعلت؟ اليوم هناك حكومة إسرائيلية يقودها إرهابي هو نفتالي بينت يرفض أن يقوم بأي اتصال سياسي مع الرئيس عباس، وقضيته تتلخص بتوفير الأمن للاحتلال وشراء مزيد من الوقت للمشروع الاستيطاني، كما أن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يتواصل حتى الآن مع القيادة الفلسطينية سياسيا، وبالتالي تجربة المجرب ليس إلا مهزلة سيذكرها التاريخ".
وقال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد، لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن هذه الإدانات مفيدة سياسيا".
وتابع شديد: "اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل كان مقابل الحصول على الضفة الغربية، أما الآن وبعد تهويد الضفة وتعميق الاستيطان والاحتلال فيها فلم يعد مجديا لنا التمسك بالخطاب القديم الذي يعكس مرحلة انتهت".
وكالة "وفا" ذهبت أبعد من ذلك حين ألغت وصف "شهيد" عند ذكر اسم منفذ عملية "تل أبيب" رعد حازم
ولا يمكن فصل إدانات الرئيس عباس المتتالية لعمليات المقاومة في العمق الإسرائيلي، بمعزل عن حجب وسائل إعلام السلطة الفلسطينية الرسمية لجميع أخبار عمليات المقاومة ومنفذيها، وهي وكالة الأنباء الرسمية "وفا" وتلفزيون فلسطين الرسمي، وصحيفة الحياة الجديدة، التي تلقت تعليمات مشددة وصلت للمشرف العام على الإعلام الرسمي أحمد عساف بعدم التعاطي مع أخبار عمليات المقاومة وتغطيتها.
وتعود هذه التعليمات حين قام تلفزيون فلسطين بالنشر على صفحته على "فيسبوك" خبر عملية "بئر السبع" في 22 من الشهر الماضي، ووصف الشهيد أبو القيعان بـ"الأسير المحرر والشهيد"، حيث احتجت إسرائيل وأرسلت صوراً من منشور التلفزيون الرسمي لجميع السفراء والقناصل الأوروبيين كمثال على دعم السلطة الفلسطينية لـ"الإرهاب"، وأن إعلام السلطة يدعم "داعش" حسب وصفها، فما كان من رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون أحمد عساف الذي تلقى اتصالاً هاتفياً قاسياً من الرئاسة الفلسطينية، إلا أن قام بحذف المنشور من صفحة "فيسبوك" الخاصة بالتلفزيون، وأمر بسحب الخبر حول العملية المنشور على الوكالة الرسمية "وفا"، بحسب تصريحات لمسؤول فلسطيني لـ"العربي الجديد"، فضّل عدم ذكر اسمه.
وتبعت ذلك تعليمات مشددة من الرئاسة الفلسطينية لعساف بعدم التعامل أو تغطية أي أخبار عن عمليات المقاومة.
ويقول المسؤول الفلسطيني ذاته: "هذا الأمر ينطبق فقط على العمليات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وليس عمليات المقاومة التي تقع في الأراضي 1967".
لكن وكالة "وفا" ذهبت أبعد من ذلك حين ألغت وصف "شهيد" عند ذكر اسم منفذ عملية "تل أبيب" رعد حازم ضمن خبرها المنشور اليوم السبت عن اقتحام مخيم جنين، والذي حمل عنوان "استشهاد شاب وإصابة 14 آخرين واعتقال أحدهم خلال اقتحام الاحتلال مخيم جنين؛ في حين نقلت صحيفة "الحياة الجديدة" التابعة للسلطة خبر اقتحام وتخريب منزل والد الشهيد رعد كالتالي: "اقتحم الاحتلال مزرعة ومنزل المواطن فتحي زيدان حازم في قرية دير غزالة شمال شرق جنين" من دون أي إشارة إلى أن هذا المواطن هو والد الشهيد رعد.
وكان لافتا ما كتبته رئيسه تحرير وكالة "وفا" خلود عساف، شقيقة رئيس الإعلام الرسمي أحمد عساف، على صفحتها في "فيسبوك" في تعليق على عملية الشهيد رعد حازم: "الفدائي الشبح يختفي بالرغم من استدعاء قوات النخبة لشارع (ديزنغوف) وتحليق المروحيات وتعزيزات من كل مكونات أجهزتهم الأمنية"، بينما حجبت الوكالة التي تترأسها خلود عساف أي خبر عن العملية ولو بالحد الإخباري المعلوماتي الأدنى مثل أي وسيلة إعلام في العالم.
ولم ترد عساف على الاتصال الهاتفي من"العربي الجديد" لمعرفة سبب حجب أخبار المعلومات في وكالة الأنباء الرسمية"وفا".
ويتسبب هذا القرار بإحراج كبير لموظفي الإعلام الرسمي الفلسطيني الذين بدأ بعضهم بكتابة منشورات يدافعون فيها عن إعلام السلطة ويهاجمون أي منتقد متهمين إياه كالعادة بـ"الأجندات الخارجية".