عام على رئاسة بايدن: غياب ترامب الإنجاز الأكبر

20 يناير 2022
لا يملك بايدن رفاهية الوقت قبل الانتخابات النصفية للكونغرس (شيب سوموديفيلا/Getty)
+ الخط -

تقول مقدمة تقرير لقناة "سي بي أس" الإخبارية، بمناسبة مرور عام على تسلم جو بايدن الرئاسة الأميركية، خلفاً لدونالد ترامب، إنه من "كليشيهات السياسة، أن يحكم السياسيون بالنثر، بعد أن يقودوا حملاتهم بالشعر".

وليس أصدق تعبيراً عن ذلك، حين يستعاد خطاب بايدن الأول، لدى وصوله إلى البيت الأبيض، وتبوئه رسمياً منصب الرئاسة في 20 يناير/كانون الأول الماضي. فبعد عام من ذلك الخطاب، الذي صيغ باستلهام اللحظة، بعد اقتحام دموي للكونغرس من قبل أنصار ترامب، وانتقال دراماتيكي للسلطة، تعود عجلة السياسة الأميركية إلى الدوران داخل حلبة تقليدية من الكباش السياسي. أما أبطالها فهما الحزبان الديمقراطي والجمهوري، وأجنحتهما المتفرقة، بالإضافة إلى اللوبيات وصنّاع القرار.

وإذا كان بايدن قد أخفق في تنفيذ الكثير من وعوده الفضفاضة للأميركيين، إلا أنه تبقى له "علامات مسجلة باسمه" في العام الأول من رئاسته، لعلّ أولها عودة الحياة السياسية في واشنطن، إلى ما يشبه "مجاريها الطبيعية"، بعد أربع سنوات صاخبة من عهد ترامب.

تلقى بايدن الضربات التي واجهت أجندته الداخلية، من الجمهوريين، ومن الحزب الديمقراطي

ولكن من وجهة نظر سياسية، لم يعد بالإمكان، بعد عام على رحيل الرئيس الجمهوري، افتراض أن بايدن هو "عملة نادرة" من السياسيين الأميركيين، يرفعون شعار الوحدة والديمقراطية والعدالة في الداخل والعالم. أو حتى اعتبار فقط أنه يسخّر كل جهوده لمحو عاصفة أربع سنوات من عهد سلفه. وكل ذلك يجعل تقييم عامٍ على رئاسة بايدن، أكثر واقعية بالنسبة للكثير من المحللين النقديين، بخلاف "الاحتفالية" التي ظلّلت وصوله إلى البيت الأبيض قبل عام، خصوصاً في الإعلام الأميركي التقليدي.

عودة كورونا وعراقيل في الكونغرس الأميركي

وتداخل العام الأول من ولاية جو بايدن، مع العام الأخير من عهد ترامب، على الصعيد الداخلي، بشكل لم يكن يشتهيه أبداً الرئيس الديمقراطي. فمع عودة فيروس كورونا، بمتحوري دلتا وأوميكرون، إلى الولايات المتحدة، وتباطؤ استراتيجية التلقيح واختبارات رصد الإصابات، أصيب أكبر نجاح لانطلاقة عهد بايدن، وهو تراجع انتشار الفيروس القاتل مع الآمال العالية بنهايته، بانتكاسة قوية على أبواب عام 2022. وتعزز ذلك مع استمرار مقاومة شريحة واسعة من القاعدة الجمهورية لحملات التلقيح.

وفيما غَلّفت العام الأخير من عهد ترامب، مرارة كبيرة لدى الأقليات الأميركية، لا سيما من الأصول الأفريقية، ما جعلهم يشنّون أكبر حملة تحشيد للتصويت لبايدن، أخفق الأخير أيضاً، في تنفيذ ثاني أهم وعوده بتمرير إصلاحات جذرية من أجل العدالة العرقية، أو إصلاح الشرطة. مشاريع تدرك الأقليات جيداً أنها قد لن تمر أبداً خلال الأعوام الثلاثة المتبقية من هذه الولاية.

ضربات ديمقراطية لأجندة بايدن الداخلية

وتلقى بايدن الضربات الموجعة التي واجهت أجندته الداخلية، من الجمهوريين، ولكن أيضاً من داخل الحزب الديمقراطي. وأصبح سيناتوران ديمقراطيان، هما كيرستن سينيما وجو مانشين، عنواناً جديداً لأسبوع قاسٍ أخير من الفشل مع نهاية العام الأول من ولاية نائب الرئيس الأسبق. وأعاد ذلك تسليط الضوء على البراغماتية المتجذرة في العمل السياسي الأميركي، وصعوبة تحقيق اختراقات كبيرة لأي رئيس في ظلّ هوامش الكونغرس الضيقة المتاحة وتحالفاته المعقدة.

وعلى غرار قانون الرعاية الصحية "أوباماكير" في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، أنجز بايدن في عامه الأول، ما قد يصبح العلامة الفارقة لولايته بأكملها، وهو تمرير خطة البنى التحتية الضخمة بقيمة 1200 مليار دولار، لاستثمارها في الطرقات والجسور والإنترنت، وهو مبلغ تاريخي نال حتى دعم بعض البرلمانيين الجمهوريين.

وتحقق ذلك بسبب تناغم بين الحزبين على تمرير المشروع، الذي يخدم مصالحهما الانتخابية، وتحضير الأرضية الداخلية، لمواجهة الصين.

أنجز بايدن تمرير خطة البنى التحتية الضخمة

في المقابل، لم يتمكن الرئيس الأميركي من الاستفادة كثيراً من مرحلة قصيرة طغت بعد اقتحام أنصار الرئيس السابق مبنى الكابيتول في 6 يناير الماضي، لجهة إمكانية العمل مع الحزب الجمهوري، لكسر الهامش الضيق جداً من السيطرة الديمقراطية على مجلس الشيوخ.

وفي هذا الإطار، لا يزال مشروعان كبيران عالقين بين رفض الجمهوريين، وعرقلة ديمقراطية بسيطة لا يسمح هامش المناورة بتجاوزها. يرتبط الأول بمشروع الإصلاح الانتخابي لحماية وصول الأميركيين المتحدرين من أصول أفريقية إلى صناديق الاقتراع. أما الثاني فيتعلق بتوسيع قانون الحماية الصحية ورعاية الأطفال، وهو قانون "لنبنِ معاً بشكل أفضل" (أو ما بات يُعرف بالقانون الكبير أو البيغ بيل)، بقيمة 1.38 تريليون دولار.

ومع فشل بايدن في إقرار إلزامية التطعيم في الشركات، بقرار من المحكمة العليا التي يهيمن عليها المحافظون، وارتفاع غير مسبوق منذ عام 1982، لنسبة التضخم في البلاد، يغلق بايدن صفحة العام الأول من رئاسته، بتراجع كبير في الثقة الشعبية به. ويبلغ المعدل 33 في المائة بحسب آخر استطلاع لجامعة كوينيبياك في 12 يناير الحالي. كما أن هامش الثقة به ناهز 42 في المائة. وكل ذلك مبني على قلق الأميركيين من عودة تداعيات الوباء على وضعهم المعيشي، والسياسة الاقتصادية التي تبقى محفوفة بالمخاطر على الرغم من انتعاش الوظائف.

ويبدو أن نوايا بايدن الحسنة، لم تشفع له لدى الأميركيين، مع إخفاقه في مواجهة كورونا، وردّ الجميل لملايين الأميركيين من الأقليات التي صوتت له. وهو ما جعل أداءه الداخلي يترنح كثيراً في عامه الأول، ويصعّب مهمّته خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، على أبواب انتخابات نصفية للكونغرس في الخريف المقبل محفوفة بالمخاطر للحزب الديمقراطي.

سجلّ أفضل لبايدن في السياسة الخارجية

في المقابل فإن سجل بايدن في السياسة الخارجية، خلال العام الأول من رئاسته، بقي أفضل حالاً بقليل.

وقد يعود الفضل في تسجيل بايدن أكبر إنجاز له على الصعيد الخارجي، إلى ترامب نفسه. وأعاد الرئيس الديمقراطي السياسة الأميركية الخارجية إلى "مسارها الطبيعي"، أو إلى نمط من الطبيعية التقليدية، استبدلت في عهد سلفه، بانعزالية دبلوماسية، وخطاب "تويتري" فظ، ومنهج تصادمي واستعلائي ومستفز للحلفاء.

لكن أياً مما أسّس له ترامب، ووضع ركائزه كمتغيرات في السياسة الخارجية الأميركية، لم يخضع حقيقة لإعادة نظر جذرية بعد، بعد مرور العام الأول من عهد بايدن. بل يمكن القول إن البيت الأبيض والإدارة الأميركية الجديدة، قاما بالبناء على بعض هذه الأسس، في التعامل مع بعض ملفات السياسة الخارجية.

فشل بايدن في تمرير مشروع الإصلاح الانتخابي وتوسيع قانون الحماية الصحية

ويبدو ذلك واضحاً، في الانسحاب الأميركي من أفغانستان، واتفاقات الشراكة التجارية الأطلسية، والانسحابات العسكرية من أفريقيا ومسألة الانفتاح الضائع على كوبا، وسياسة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية. ولكن يبرز ذلك خصوصاً أيضاً بالنسبة للقضية الفلسطينية، وما يسمى بـ"صفقة القرن" لدفن حلّها العادل، وتشجيع التطبيع العربي مع إسرائيل، كما في استمرار نهج تشديد العقوبات ضد الدول غير الخاضعة للسياسة الأميركية.

في غضون ذلك، يواصل الجمهوريون في مجلس الشيوخ عرقلة استكمال المصادقة على الدبلوماسيين الأميركيين المعتمدين من قبل إدارة بايدن في عدد من عواصم العالم. ويحدّ ذلك من قدرة الدبلوماسية الأميركية على العمل بنشاط أكبر.
وبدت الفوارق بين إدارتي بايدن وترامب، واضحة، في التركيز على الملف الروسي اليوم، مقابل هوس صقور فريق ترامب بإيران. إذ

على الرغم من المسار الجاري في العاصمة النمساوية فيينا، بين مفاوضي بايدن وإيران بصورة غير مباشرة في محاولة لإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، لا تبدو إيران أولوية لهذه الإدارة، بقدر ما يجري على قدم وساق الذهاب بعيداً في شيطنة روسيا. ويصل الأمر إلى حد مجادلة المحللين حول أولويات بايدن الخارجية، وما إذا كانت صينية أو روسية، خصوصاً مع تصاعد التأزم في الملف الأوكراني.

وفي السياق الصيني، كان لبايدن ما يشبه "الخضّات" أو الضربات السياسية التي أحدثها في مواجهة الصين، مع بداية عهده، عبر احتضانه قمة لمجموعة "كواد" للحوار الأمني الرباعي بمشاركة أستراليا واليابان والهند. وأعقب ذلك الإعلان عما يشبه "ناتو" جديداً في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، وهو تحالف "أوكوس" الأمني مع أستراليا وبريطانيا، والذي استبعد أوروبا وخصوصاً فرنسا من اتفاق عدّ تاريخياً للغواصات النووية في المنطقة.

وفي مواجهة روسيا والصين خصوصاً، استعرض بايدن تحالفات بلاده الخارجية عبر قمة للديمقراطية في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأطلق يومها ما يشبه شعار "الحروب الأميركية الجديدة"، السياسية والأمنية والعسكرية، من بوابة "الديمقراطية مقابل الأنظمة الديكتاتورية" في العالم.

ويعكس تشدد الإدارة الأميركية الديمقراطية المزدوج تجاه الصين وروسيا، أيضاً، توجهات مختلفة في الكونغرس، بين من يضع الخطر الروسي أو الصيني على رأس الأخطار المحدقة بأميركا، حيث يستوجب ذلك "منافسة استراتيجية" مع الصين، و"مواجهة استراتيجية" مع روسيا.

وتمكّن بايدن من خلق جو أوروبي داعم لسياسات واشنطن في هذا الإطار، مع إعادة طرح ملف خط أنابيب الغاز "سيل الشمال 2" بين روسيا وألمانيا على طاولة البحث في برلين، وجرّ أوروبا إلى إعادة تقييم اتفاقها الاستثماري الضخم مع الصين.

وإذا كانت خطة البنى التحتية الأميركية، العلامة الفارقة لإدارة بايدن في عامها الأول، فإن الانسحاب من أفغانستان، هو العلامة المسجلة لبايدن في السياسة الخارجية، بعدما أخفق ترامب وأوباما وجورج بوش الابن في إنجاز انسحاب القوات الأميركية من أطول حروبها في الخارج.

أنجز بايدن في العام الأول من رئاسته الانسحاب من أفغانستان، فيما تستمر المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران

وعلى الرغم من أن ذلك لم يحصل بسلاسة، بل تصدرت مشاهد الفوضى التي سادت مطار كابول، طوال أكثر من 15 يوماً في أغسطس/آب الماضي، مع إجلاء القوات والرعايا الغربيين، وكذلك مئات الأفغان الهاربين من عودة "طالبان" إلى الحكم، فإن بايدن تمكن من طيّ صفحة الحرب الأفغانية في الداخل الأميركي، وكلفتها المرتفعة التي أثرّت طويلاً على مزاج الناخب الأميركي.

ومن ناحية الإيجابيات، فقد عادت الولايات المتحدة لتنضم إلى اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، وتمديد معاهدة "ستارت" للحد من التسلح الاستراتيجي مع روسيا، وأعادت الانخراط في التشاور مع الحلفاء.

انقسام داخلي يشتد خطورة

قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، يوم الجمعة الماضي، إن "برنامجاً (رئاسياً) لا ينتهي خلال سنة"، مؤكدة مواصلة "الكفاح من أجل كل عنصر"، مشيرة إلى الاقتصاد ومكافحة الوباء والتغير المناخي والمعركة من أجل الحقوق المدنية، من دون الإشارة إلى الوحدة، وهي التعهد الأول الذي أطلقه بايدن خلال تسلمه منصبه رسمياً.

وبعد عام على ولايته، لا يملك جو بايدن رفاهية الوقت. فليست وحدها الانتخابات النصفية في الخريف المقبل، والتي قد تشهد استعادة الجمهوريين أقلّه لمجلس الشيوخ، ما يهدد أجندته الطموحة. وتواجه معركة عودة تعافي الديمقراطية الأميركية، كما يصورها الحزب الديمقراطي، بمعركة أخرى، يقودها الحزب الجمهوري، لشيطنة منافسه في الداخل، وصولاً إلى ارتفاع خطاب "محاربة الشيوعيين" في أميركا. وبات الطرفان، وكأنهما يقفان في معسكرين شديدي التطرف، كل واحد منهما مقابل الآخر، مع تحذير واشنطن أيضاً من خطر التطرف اليميني الداخلي.

وليس وحده ترامب، من يواصل تأجيج هذه الحرب، إذ معه أو من دونه، تبدو الولايات المتحدة وقد دخلت مرحلة طويلة من الصراعات الأيديولوجية بين الليبراليين بمختلف أطيافهم، من حركات تحرر نسائية وعرقية وتقدميين، وبين المحافظين الذين يديرون المعارك على أكثر من جبهة في الولايات، لخنق حقوق التصويت ومحاربة الإجهاض والسيطرة على القضاء وغيرها من المسائل الخلافية الجذرية بين الطرفين. ويدور ذلك، بوتيرة سريعة، وسط متغيرات ديمغرافية في الولايات المتحدة، تقود إلى استنتاجات مخيفة بالنسبة للبيض.

بعد عام على ولايته، انتقل بايدن الذي شُبّه بعد مائة يوم من وصوله إلى الحكم، بالرئيس فرانكلين روزفلت، لجهة سرعة الإنجازات التي حقّقها، مع عودة انتعاش الاقتصاد وانخفاض عدّاد إصابات وموتى كورونا، إلى مربع يتراوح فيه بين الرئيس الضعيف والرئيس المُكّبل. وتبريراً لذلك، تقول وكالة "أسوشييتد برس"، في تقرير لها، إن "تشققات الولايات المتحدة أعمق بكثير مما يبدو على السطح".

 


 

المساهمون