بمرور عام على الهرولة الأميركية من أفغانستان، بدت واشنطن وكأنها تتمنى لو كان بمقدورها عدم استذكار هذه المناسبة الفاضحة. فالإخفاق في عملية الانسحاب كان من العيار الثقيل، الذي ما زال يرخي بظلاله عليها. ويزيد من ثقله أن الإدارة لم تعطِ حتى اللحظة، التفسير الرسمي لأسبابه.
التقرير الذي تقوم وزارتا الدفاع والخارجية بإعداده في هذا الخصوص؛ لم ينته العمل فيه بعد. ومن المتوقع ألا ينتهي قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تفادياً للإحراج، وبالتالي للمحاسبة الانتخابية. كما ليس من المتوقع أن يجري الكشف عن كامل محتوياته بعد الانتهاء منه؛ لأن بعضه سيدخل في خانة المعلومات "السرية"، التي لا يجري الإفصاح عنها، بحسب الناطق في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي. ما يعني أنّ قصة الفشل المهين لعملية الخروج ستبقى بين الكتمان والاجتزاء، بحيث تدخل في نفق النسيان كما جرى لمثيلاتها من قبل.
لا الإدارة تريد كشف تفاصيل فشل الانسحاب لأنها ترتبط بـ"تسرّع" جو بايدن آنذاك، في قراره "غير المدروس كفاية"، وفي تنفيذه "الفوضوي"، ولا واشنطن راغبة رغم ضجيج الجمهوريين السياسي، في العودة إليها، لأنها بالنهاية ليست حصيلة أخطاء إجرائية ارتكبتها إدارة بايدن، بقدر ما كانت مسألة تحصيل حاصل لفشل حرب مكلفة، انتهت بهزيمة بعد عشرين سنة، وتتوزع مسؤوليتها على الإدارات التي تعاقبت خلالها.
الكل متورّط في الخطأ، والكل يشارك على طريقته في اللفلفة ووضع الملف على الرف، كما جرى في نهايات الحروب المشابهة من فيتنام إلى العراق.
الإدارة اغتنمت فرصة الذكرى للإشادة بإيجابيات الانسحاب، على اعتبار أنه كان "نقطة تحوّل" في تعزيز "الحماية والأمن لأميركا" من غير كلفة ولا حضور ميداني مباشر، كما قال، الإثنين، الناطق الرسمي في وزارة الخارجية نيد برايس. وأشار في هذا السياق إلى مقتل زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، كدليل على صوابية قرار مغادرة أفغانستان، من دون أن يأتي على سيرة التخبط الذي رافق العملية، سوى عبر الإشارة إلى التقرير أعلاه، من دون تحديد موعد لصدوره.
كذلك، انتهز خصوم بايدن المناسبة لتجديد الحديث عن "فضيحة" عملية الترحيل في مطار كابول السنة الماضية مثل هذه الأيام، لتوظيفها في الحملة الانتخابية المحتدمة ضد بايدن وحزبه الديمقراطي. لكنهم يدركون أنّ كلاهما يعرف أنّ الانسحاب من أفغانستان كان مسألة وقت وربما تأخر، بحكم تراكم الانسدادات والانهيارات في التركيبة المحلية البديلة، التي تبيّن أنّ أعطابها ونواقصها كانت من بين العوامل الرئيسة التي فرضت خيار الانسحاب، الذي ساهم استعجال بايدن في إرباكه.
الذكرى الأولى للخروج الأميركي من أفغانستان مرت بصورة عابرة في واشنطن. الحديث عنها كان التركيز فيه على الوضع الأفغاني الداخلي، وظروفه الحالية الصعبة؛ الاقتصادية والمعيشية والمالية. القراءات والمراجعات للتجربة كانت أقل من عادية، ربما لأنها صارت من الماضي.
الآن في واشنطن حروب أخرى أهم، وربما أخطر. حرب الإدارة مع الرئيس السابق دونالد ترامب حامية الوطيس، تحتل الأولوية، وتكاد تحتكر المشهد الأميركي بجوانبه السياسية والقانونية والقضائية، وطبعاً الانتخابية. احتمال توجيه تهمة جنائية بحق الرئيس السابق، لو ثبت احتفاظه بوثائق عالية السرية بعد انتهاء رئاسته تعود ملكيتها للدولة؛ قد يشكّل سابقة غير خالية من المجازفة. تهديدات بعض أنصاره باللجوء إلى العنف لو سارت التحقيقات العدلية في هذا الاتجاه، تثير الكثير من القلق المشروع. تطور يستأثر بالاهتمام أكثر بكثير من ذكرى الانسحاب من أفغانستان، المتروك للتاريخ.