قبل عامين، سقط المعقل الأخير لتنظيم "داعش" في سورية على يد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بدعم ناري غير مسبوق من طيران التحالف الدولي، بقيادة أميركا، حيث انتزعت هذه القوات السيطرة على بلدة الباغوز في أقصى الشرق السوري بعد معارك استمرت عدة أشهر.
وأقامت "قسد"، أمس الثلاثاء، احتفالات في منطقة شرقي نهر الفرات بمناسبة دحر تنظيم "داعش"، بعد مرور خمسة أعوام من ظهوره في سورية، وسيطرته على نحو نصف مساحتها. وقال المتحدث باسم قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، العقيد واين ماروتو، في تصريحات صحافية نشرت أمس، إن الحل العسكري وحده غير كافٍ لإلحاق الهزيمة النهائية بالتنظيم. وأشار إلى "أن قسد هزمت داعش جغرافياً في شمال وشرق سورية، والدليل على ذلك أنه لا يسيطر على أية منطقة في شمال وشرق سورية"، مضيفاً "إلا أن هذا لا يعني أنه قد انتهى أمره نهائياً، لأنه يتمتع بالمرونة ولا يزال يمثّل تحديًا جديّا". وأكد أن التعاون بين "قسد" والتحالف الدولي "سيستمر من أجل منع ظهور التنظيم من جديد، والحفاظ على الأمن والاستقرار في شمال وشرق سورية".
التحالف الدولي: التعاون مع "قسد" سيستمر من أجل منع ظهور التنظيم من جديد
وفي حقل العمر النفطي في دير الزور، نظمت "قسد"، أمس الثلاثاء، عرضاً عسكرياً، وفق مراسلي وكالة "فرانس برس"، بحضور ممثلين عن التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وجدّدت "قوات سورية الديمقراطية"، في بيان تلي خلال الاحتفال، التحذير من أن "القضاء على آخر رقعة جغرافية لإرهابيي داعش في شمال وشرق سورية لا يعني زواله بشكل تام". ونبّهت إلى أن المرحلة الحالية تُعدّ "الأصعب في مواجهة الإرهاب، وأصعب من مرحلة مقارعة داعش وجهاً لوجه" كما أنّها "الأخطر". وقالت "لا تزال خطورة داعش تكمن في شخص الآلاف من المعتقلين، ممن تم أسرهم، إلى جانب الآلاف من أسرهم المحتجزين في مخيمي الهول وروج ممن يحملون الذهنية الداعشية المتطرفة، دون أن تشهد الساحة الدولية أي تحرك لحل هذا الملف". وأضافت "يتحتم على الدول الإقليمية والدولية تحمل مسؤولياتها في حل ملف معتقلي داعش وأسرهم العالق".
وكانت "قسد" بدأت هجومها على الجيب الأخير لـ"داعش" في الباغوز في سبتمبر/أيلول 2018، بعد أن انتزعت المناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم في شرقي نهر الفرات على مدى 3 أعوام متواصلة. وحاول "داعش" الدفاع عن معقله الأخير، إلا أنه لم يستطع الصمود بسبب القوة النارية التي كانت تمتلكها "قسد"، التي كانت تتحرك تحت غطاء ناري ضخم من طيران التحالف الدولي. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" أحصت خروج أكثر من 67 ألف شخص من جيب التنظيم منذ مطلع 2019، بينهم خمسة آلاف مسلح، تم توقيفهم. وبين الخارجين عدد كبير من أفراد عائلات مقاتلي "داعش"، ضمنهم عدد كبير من الأجانب، الذين تم نقلهم إلى مخيمات، ولا سيما مخيم الهول. وأسفر الهجوم على الباغوز، عن مقتل 750 مقاتلاً من "قسد" ونحو ضعف هذا العدد من مسلحي التنظيم، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبعد مرور عامين من تخلص الباغوز من تنظيم "داعش"، أوضح الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يزال هناك المئات من مخلفات التنظيم، وأبرزها الألغام التي تحصد بشكل دائم أرواح مدنيين". وأضاف: هناك أماكن في الباغوز ومحيطها لم يدخل إليها أحد حتى اللحظة، بسبب الألغام، رغم الحملات التي قامت بها "قسد" مع الأهالي لنزعها. وتابع "الهاجس الأكبر لدى أهالي الباغوز هو الصدام العسكري المحتمل بين المليشيات الإيرانية، التي تسيطر على الضفة الجنوبية من نهر الفرات، مقابل الباغوز الواقعة على الضفة الشمالية، وبين قسد". وأوضح أن "الوضع الأمني في الباغوز غير مستقر، حيث لا حركة بعد غياب الشمس، إلا للمضطرين". وأشار إلى أن بعض المنظمات تنشط في بلدة الباغوز لمساعدة الأهالي، وخاصة في الجانب الزراعي.
ولم تتكشف بعد أبعاد كل ما جرى في بلدة الباغوز، حيث لم تنجح "قوات سورية الديمقراطية" في القبض على قياديين بارزين من "داعش"، وهو ما فتح الباب في حينه لتكهنات عن صفقة أبرمت مع التنظيم لتهريب هؤلاء القادة إلى البادية السورية. وتشير مصادر مطلعة إلى أن "قسد" استخدمت قوة نارية هائلة ضد مخيم يضم عائلات مسلحين من التنظيم، وهو ما أدى إلى مقتل عدد كبير من النساء والأطفال، بينما تؤكد مصادر مقربة من "قوات سورية الديمقراطية" أن مجموعة من التنظيم اتخذت، في الأيام الأخيرة من المعارك، من النساء والأطفال دروعاً بشرية.
وقال مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، غن التحالف الدولي و"قسد" استخدما قوة نارية كثيفة في معركة الباغوز. وأضاف: استخدم الطرفان مختلف أنواع الأسلحة، ما أدى إلى تدمير شبه كامل للمنطقة ليعلنا في نهاية المعركة انتهاء التنظيم. وتابع "لكن هناك أسئلة من دون أجوبة بعد مرور عامين، منها، أين عناصر التنظيم، وقادته الذين كانوا يقودون المعارك. كما لم نشهد محاكمات علنية لأحد من التنظيم". وأعرب علاوي عن اعتقاده أن التنظيم "لم ينته"، موضحاً أنه تحول من شكل إلى شكل آخر، حيث انتقل من مشروع "الدولة" والصدام المباشر، إلى ما سمّي على لسان متزعم التنظيم أبو بكر البغدادي، قبيل مقتله، بـ"الولايات الأمنية". وتابع "زادت عمليات التنظيم في منطقتي الصراع شمال النهر حيث قوات سورية الديمقراطية، وجنوب النهر حيث قوات النظام والمليشيات الإيرانية والعراقية".
الكمالي: هناك أماكن في الباغوز ومحيطها لم يدخل إليها أحد بسبب الألغام
وأوضح علاوي أن التنظيم "يشن هجمات سريعة، بعدد قليل من المسلحين وأسلحة خفيفة ومتوسطة، للتعامل مع الهدف والانسحاب بسرعة باستخدام دراجات نارية. هذا التكتيك في القتال أربك المليشيات الإيرانية وقسد. هناك صعود للتنظيم من خلال الاستهداف المتكرر للروس والإيرانيين والنظام جنوب نهر الفرات". وبيّن أنه "لم تعد هناك قيادة مركزية واضحة للتنظيم، بسبب قطع خطوط الاتصال والإمداد، بل هناك قيادات فرعية تتعامل مع الموقف حسب رؤيتها". وقال "في مناطق قسد شمال نهر الفرات يفرض التنظيم سيطرته ليلاً على عدة مناطق في ريف دير الزور الشرقي". وبيّن أن التنظيم "لا يزال يمتلك القدرة على جمع الأموال في ريف دير الشرقي، ومحاسبة كل من يتعاون مع قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي"، مضيفاً "هناك خشية حقيقية من عودة التنظيم إلى الظهور بقوة مجدداً، حيث يشن حرب عصابات، مستغلاً هشاشة الوضع الأمني، سواء في شمال النهر أو جنوبه".
ويركز تنظيم "داعش" نشاطه في البادية، والتي تشكل نحو نصف مساحة سورية، حيث دأب، خلال العام الماضي وبداية الحالي على استهداف قوات النظام والمليشيات الإيرانية، فيما لا يكاد ينقطع قصف طائرات روسية لخلايا التنظيم في البادية. ويقطع "داعش" بين وقت وآخر الطرق الدولية التي تعبر البادية السورية، وخاصة الطريق الدولي الذي يربط دمشق بمحافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، ويمر من مدينة تدمر في قلب البادية. كما قطع أكثر من مرة طريق الرقة - حمص بالقرب من منطقة أثريا، وقتل عدداً من سائقي عربات نقل ثقيلة تابعة لمليشيا "القاطرجي"، التي تتولى نقل الحبوب والمحروقات من منطقة "قسد" شرقي نهر الفرات إلى مناطق النظام. وكان التنظيم قتل، منتصف العام الماضي، الجنرال الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ في ريف دير الزور، بتفجير عبوة أثناء مرور موكبه في منطقة تبعد 15 كيلومراً شرق مدينة دير الزور.