عامان على الغزو الروسي... حياة الأوكرانيين بين التوتر والإحباط

24 فبراير 2024
في مدينة أوتشاكيف جنوبي أوكرانيا، 14 فبراير (Getty)
+ الخط -

بمشاعر متباينة تتراوح بين الخوف والتوتر والإرهاق والتكيّف مع الأمر الواقع، والتفاؤل الحذر بانتهاء محنتهم، يستقبل الأوكرانيون العام الثالث من الغزو الروسي لبلادهم، وسط حالة من الاستقرار على جبهات القتال تحول دون قلب أي طرف موازين القوى لصالحه.

استمرار الخوف

بعد مرور عامين كاملين على بدء الحرب الروسية المفتوحة على أوكرانيا، لا تزال الشابة فيرونيكا تشعر بالخوف عند سماعها دوي صفارات الإنذار إدراكاً منها أن مدينتها أوديسا قد تتعرض لقصف مكثّف في أي لحظة.

وتقول فيرونيكا، التي فضّلت عدم ذكرها اسمها الكامل، لـ"العربي الجديد"، شأنها في ذلك شأن غيرها من المتحدثين، إنه "لم يعد ممكناً التراخي والعيش مثلما عشنا من قبل. تعودنا على كل شيء، ومن النادر أن نستيقظ أنا ووالداي من دون صوت دويّ صفارات الإنذار، ولكننا نغادر غرف النوم عند سماع انفجارات قوية".

وحول تأثر أوضاعها المادية جراء الحرب، تضيف: "تغيّر الوضع المالي نحو الأسوأ بسبب ارتفاع الأسعار. يسعى أقربائي وأصدقائي للادخار بدلاً من الإنفاق، ولكن ذلك ليس بمهمة سهلة نظراً لارتفاع النفقات اليومية بمقدار الضعف تقريباً".

وتوضح: "الشركة التي كنت أتعاون معها، أغلقت بعد بدء الحرب مباشرة، فاضطررت للبحث عن مصدر بديل للدخل، وأتطوع لعون المسنين. لحسن الحظ، يواصل مصنع الخياطة الذي يعمل به والداي، العمل بشكل طبيعي".

وفي ما يتعلق بتوقعاتها لمستقبل الحرب، تقول فيرونيكا: "أتوقع أن تتحول الحرب في لحظة ما إلى نزاع متجمّد سيستمر على هذه الحالة لبضع سنوات. في السنة الأولى من الحرب، كنت آمل في نصرنا والعيش في حرية".

ضحايا ونازحون

وتحل اليوم، 24 فبراير/شباط، ذكرى مرور عامين على بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 10 آلاف مدني وإصابة أكثر من 18 ألفاً آخرين بجروح، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

يحتاج اليوم 15 مليوناً من سكان أوكرانيا، إلى مساعدات إنسانية

كما يحتاج اليوم 15 مليوناً من سكان أوكرانيا، إلى مساعدات إنسانية، فيما بات نحو 4 ملايين في تعداد النازحين. كذلك يعيش 3.3 ملايين في مناطق أعمال قتال نشطة، فيما دخلت الحرب في أوكرانيا مرحلة لم يعد فيها أي طرف قادراً على تحقيق تقدّم ملموس.

تراجع العزيمة على النصر

وجمعت السنة الثانية من الحرب بين آمال في نجاح عسكري لم يتحقق من جانب، وتعزيز الدفاعات واستقرار نسبي للاقتصاد من جانب آخر، إذ يقرّ رسام الوشوم أندريه بأن عزيمة المحيطين به على النصر تراجعت.

ويقول أندريه في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا أحد يتمنى الموت، وأرى أن الذهاب إلى الجبهة يجب ألا يكون إلزاميا، بل يجب الحفاظ على حقوق الإنسان، ولكن ذلك يتعارض مع واقع الحرب".

ويضيف: "لا يجوز أخذ الشباب من زوجاتهم، ولكن هذه نتيجة لا سبب، إذ يجب أيضاً ألا تقصف روسيا المدن. مازلت أؤمن بالنصر، ولكنه أصبح من الصعب كبح جماح الشعور بانعدام الحيلة".

إيجابيات بعد عامين من الغزو الروسي

ومع ذلك، يعتبر أن العامين الماضيين لم يخلوا من بعض الإيجابيات، مضيفاً: "تعلّمت مهارات الإسعافات الأولية والرماية والتعامل مع الألغام وجثامين القتلى. كذلك اكتسبت خبرة التطوع في ظروف الحرب".

وعلاوة على ذلك، أصبحت الحياة في أوكرانيا بحلول اليوم، أكثر أماناً مقارنة مع ما كانت عليه، وذلك بعد نشر منظومات غربية متطورة للدفاع الجوي مثل "باتريوت"، وسط آمال السكان في إحلال السلام وتحقيق بلادهم تنمية اقتصادية وثقافية حتى تصبح مسارحها وموسيقاها، وحتى مطاعمها نماذج يُقتدى بها. ولم يعد قطاع عريض من الأوكرانيين يخشى القصف، متوهما بعودة الحياة السلمية.

الغزو الروسي وقطاع الأعمال

وعلى الصعيد الاقتصادي، ما كان لعامي الغزو الروسي أن يمرا من دون أن يلقيا بظلالهما على قطاع الأعمال بالبلاد، وهو ما يوضحه رجل الأعمال ليونيد، والذي يعمل في تأجير مسطحات عقارية، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "قبل بدء الحرب بثلاثة أشهر، أصبحنا نحقق نمواً مستقراً بعد تجاوز تداعيات جائحة كورونا".

لكنه يضيف: "خسرتُ 65 في المائة من زبائني خلال الأشهر الأولى من الحرب، ولكن الأعمال بدأت تنتعش بحلول مايو/أيار 2022، إذ يُعرف عن سكان أوديسا أنهم لا ييأسون".

رجل أعمال أوكراني: لا تستطيع الدولة أن تقدّم شيئاً لقطاع الأعمال باستثناء تسهيلات ضريبية

ويقلل ليونيد من أهمية الدعم الذي تقدمه الدولة الأوكرانية لقطاع الأعمال، مشيراً إلى أنه "فعلياً، لا تستطيع الدولة أن تقدّم شيئاً لقطاع الأعمال باستثناء تسهيلات ضريبية. تم إلغاء ضريبة الشركات الفردية، ولكن ذلك يوفر عليّ 1650 هريفنا (حوالي 40 دولاراً) شهرياً فقط".

ويعتبر أن الحرب الروسية على أوكرانيا كانت أمراً متوقعا، إذ يقول إنه "لا يجوز أبداً أن تقلل من قدرات عدوك. بشكل عام، لم تشكّل الحرب مفاجأة بالنسبة إلي، فقد بدأت متابعة السياسة والأحداث العالمية منذ عام 2004، وكنت مدركاً لتداعيات تجاهل المصالح الروسية، لا سيما في أوكرانيا".    

إرهاق وعجز

ومع دخول الغزو الروسي عامع الثالث، يبدو أن الوضع الراهن بات يرهق الأوكرانيين، إذ أظهر استطلاع أجرته شركة "غرادوس" للبحوث، نشر في يناير/كانون الثاني الماضي، أن 55 في المائة من المستطلعة آراؤهم يؤكدون أن الإرهاق بات يهيمن على حياتهم، بينما أعرب آخرون عن شعورهم بالتوتر (43 في المائة) والضيق (32 في المائة) والعجز (31 في المائة) والإحباط (29 في المائة) والحذر (28 في المائة) والخوف (28 في المائة) والغضب (25 في المائة).

ولم تتأخر عالمة الاجتماع، مؤسسة ومديرة "غرادوس" يفغينيا بليزنيوك، في التعليق يومها على نتائج الاستطلاع، قائلة في تصريحات نقلت في الإعلام الأوكراني أنه "تظهر نتائج الحلقة الأخيرة من الدراسة أن الأوكرانيين يشعرون أكثر فأكثر بالإرهاق والعجز بسبب ضبابية الحرب وتقلباتها".

وتضيف أنه "على الرغم من التوتر النفسي، إلا أنهم يعودون إلى العمل بنشاط ويضعون خططاً، ويزيدون اعتماد اللغة الأوكرانية في حياتهم اليومية، مما يدل على تعزيز الوعي والوحدة الوطنية".

المساهمون