عامان على الانتفاضة العراقية: قتلة بلا محاسبة وساحات مشتتة

01 أكتوبر 2021
استمرت التظاهرات لأكثر من 14 شهراً متواصلة (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

يُحيي العراقيون اليوم الجمعة الذكرى الثانية للتظاهرات الشعبية التي تفجّرت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019 في بغداد، والتي سرعان ما تمددت إلى 11 مدينة ومحافظة جنوب ووسط البلاد، وانخرط فيها عشرات آلاف العراقيين، غالبيتهم من فئة الشباب، مطالبين بالإصلاحات وإنهاء الفساد والمحاصصة وحالة الفشل السياسي والإداري في الدولة التي رافقت البلاد منذ الغزو الأميركي عام 2003.

التظاهرات التي استمرت لأكثر من 14 شهراً متواصلة، تسبّب قمعها من القوات الحكومية والفصائل المسلحة في مقتل أكثر من 740 متظاهراً، وفقاً لآخر حصيلة مسربة من وزارة الصحة، إذ لا تزال الحكومة تمنع الكشف عن أي حصيلة رسمية للضحايا لغاية الآن، كما سقط نحو 27 ألف متظاهر جريح بسبب الرصاص الحي وقنابل الغاز أو الدهس بالسيارات والطعن بالسكاكين، من بينهم ما لا يقل عن 1300 متظاهر سترافقهم إعاقات دائمة طوال حياتهم.

أدت التظاهرات إلى إسقاط حكومة عبد المهدي، والذهاب إلى انتخابات مبكرة بقانون جديد

وأدت التظاهرات إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وإقرار جملة من القرارات، بينها الذهاب إلى انتخابات مبكرة بقانون جديد، هو الأول من نوعه في البلاد، ألغى آلية "سانت ليغو"، التي كانت تصب في صالح الأحزاب الكبيرة، عبر اقتسام أصوات الناخبين على الكتل الكبيرة وحرمان الصغيرة منها، فضلاً عن تقسيم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية. كما أدت إلى صدور قرارات خدمية وإصلاحية لم تنفذ بغداد منها أي شيء لغاية الآن، منها تشكيل محكمة خاصة بقضايا الفساد وبأثر رجعي منذ عام 2003، وإنهاء المحاصصة الطائفية في المؤسستين العسكرية والأمنية، وكذلك طريقة توزيع المناصب الرئيسية في الدولة، وهو ما زال معمولاً به لغاية الآن، لكن ما يعتبر محرجاً للحكومة هو تنصّلها من وعود الكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للقضاء.

ومن المتوقع أن تشهد اليوم ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، توافد مئات العراقيين، لذلك اتخذت القوات الأمنية إجراءات مشددة تحسباً لأي طارئ في محيط الساحة وقرب مدخل المنطقة الخضراء، التي تضم مبنى السفارة الأميركية والبعثات الدبلوماسية والمقار الحكومية، إذ يحشد متظاهرون لإحياء الذكرى، برفع صور زملائهم الذين قضوا في هذه التظاهرات، فيما تخشى الحكومة من محاولات المليشيات المسلحة والحزبية اختراق التجمعات واستغلالها انتخابياً.

وبدأت أحداث أكتوبر 2019 بتظاهرة لمواطنين بسطاء تم تجريف أكشاك لهم من قبل أمانة بغداد في منطقة الباب الشرقي، سرعان ما انضم لهم حملة الشهادات العليا العاطلين عن العمل وناشطون في التيار المدني. وأدى فتح القوات العراقية النار على المتظاهرين إلى سقوط أحد الشباب قتيلاً، لتتسع حدة الغضب ورقعة التظاهرات إلى مناطق شرقي العاصمة بسرعة كبيرة، وتزداد أعداد المتظاهرين من العشرات إلى المئات ثم الآلاف. لكن ما زاد الأمور سوءاً هم القناصة الذين ترفض السلطات حتى الآن الإفصاح عن هويتهم، والذين تسببوا في قتل عدد من المتظاهرين وإصابة آخرين، وكانوا يعتلون المباني على نهر دجلة المطلة على ساحة التحرير، لترتقي التظاهرة إلى انتفاضة واسعة شملت عموم محافظات وسط وجنوب البلاد.

أبرز مدن الحراك الشعبي العراقي كانت البصرة وميسان وذي قار والقادسية وبابل والمثنى وواسط وكربلاء والنجف، إلى جانب بغداد. كما شهدت كركوك وديالى تظاهرات متقطعة، بفعل الإجراءات الأمنية والتوجس من تنظيم "داعش"، المتربص بتلك المناطق. وشهدت الاحتجاجات عمليات حرق واقتحام للقنصليتين الإيرانيتين في كربلاء والنجف، وتدمير وحرق أكثر من 128 مقراً للأحزاب السياسية ومكاتب الفصائل المسلحة المرتبطة بطهران.

ومن أبرز شعارات التظاهرات العراقية، "نريد وطن"، و"إخوان سنّة شيعة هذا الوطن ما نبيعه"، و"باسم الدين باكونه (سرقونا) الحرامية"، و"لكم دينكم ولنا وطننا"، و"انعل (يلعن) أبو إيران لأبو أميركا". وشهدت ساحات وميادين التظاهر في البلاد سلسلة من المجازر التي راح ضحيتها عشرات القتلى من العراقيين. ولعل أشهرها مجزرة الناصرية، والتي سقط فيها 58 قتيلاً من المتظاهرين و200 جريح، إضافة إلى مجزرة ساحة الصدرين وسط النجف، والتي تسبّبت في مقتل 14 شخصاً، ومجزرة ساحة الخلاني وسط بغداد، التي راح ضحيتها 23 متظاهراً، إضافة إلى سلسلة طويلة من جرائم الاغتيال، طاولت نحو 70 ناشطاً وناشطة في التيار المدني.

وعن الاستعدادات لإحياء الذكرى، قال القيادي في حركة "نازل آخذ حقي"، عمار النعيمي، لـ"العربي الجديد"، إن "ساحة التحرير في بغداد ستشهد وقفة كبيرة لاستذكار انتفاضة تشرين، لكن أعداد المشاركين قد لا تكون بمستوى الطموح، بسبب أن الذكرى تتزامن مع انتهاء موعد مراسم الزيارة الأربعينية في مدينة كربلاء التي قد تؤثر على توافد المتظاهرين إلى بغداد". ولفت إلى أن "هناك تشظياً في موقف قوى الاحتجاج، فهناك من يدعو إلى تجديد الاحتجاجات ضد الحكومة، واستعادة الحقوق والمطالبة مجدداً بالمطالب التي لم تتحقق خلال العامين الماضيين، وتحديداً الكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم وفق القانون العراقي، في حين تسعى بعض القوى إلى الاستذكار عبر مواقف وبيانات، أما أطراف أخرى فتتجه نحو وقفات استذكارية في المحافظات التي انتفضت عام 2019". وأضاف "كما أن هناك مخاوف من عودة المليشيات إلى قتل المحتجين، لا سيما أن هناك من يحرّض ضد التشرينيين بعد اتهامهم بأن قادة بارزين في الاحتجاجات شاركوا في مؤتمر أربيل للتطبيع، مع العلم أن هذا الاتهام باطل وتروج له جهات معروفة، وهو ادعاء كاذب يهدف إلى شيطنة انتفاضة تشرين".

فرص عودة الاحتجاجات بشكلها السابق صعبة، بسبب غياب بعض القوى وانشغال أخرى بالعمل السياسي

وتُطرح تساؤلات حول إمكانية عودة الاحتجاجات إلى الشوارع العراقية، خصوصاً أن المتظاهرين لم يحققوا أهدافاً أساسية لهم. لكن الناشط السياسي أيهم رشاد، أكد أن "فرص عودة الاحتجاجات بشكلها السابق صعبة التحقق، مع العلم أن هناك من يدعم هذا التوجه، وتحديداً كيانات سياسية مثل البيت الوطني، والحزب الشيوعي العراقي، لكن إذا عادت فستكون ضعيفة بسبب غياب قوى احتجاجية أخرى، وانشغال قوى سياسية جديدة انبثقت من ساحات التظاهر وتوغلت في العمل السياسي وتسعى إلى الفوز بالانتخابات المقبلة". واعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القضاء العراقي شريك حقيقي في قتل العراقيين، من خلال سكوته وعدم فتح ملف قتلة المتظاهرين، على الرغم من أن هناك دلائل ودعاوى قضائية موجهة ضد جهات مسلحة وتعمل لصالح أحزاب دينية، ومدعومة من الحكومة بشكل كامل".

من جهته، قال الصحافي العراقي الذي رافق الاحتجاجات منذ اندلاعها، عبد الرحمن الغزالي، إن "انتفاضة تشرين لم تحقق أهدافها العريضة والواضحة، لا سيما السياسية، التي تمثلت في محاسبة رؤوس الفساد وإيقاف المحاصصة السياسية، ولكنها على المستوى المجتمعي أعادت الثقة في الشارع الرافض للنظام الهش المتهالك، بالتالي فإن تظاهرات تشرين 2019، ستبقى رمزاً ثورياً لا صورياً فحسب، لكنها في المقابل خسرت دماء وهو ما لا يعوض، ولا يعوّل على باقي الخسارات، كون الانتفاضة لم تلقَ الدعم الدولي الكافي، الذي عوّلت عليه الجماهير، وربما لو تواجد هذا الدعم لكانت الخسائر أقل بكثير". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن التغاضي عن ملف قتلة المتظاهرين، وهو الملف الأبرز بعد تشرين، ولا أعتقد أن الموضوع أخذ بجدية من قبل الحكومة العراقية، كونها شُكلت أصلاً بطريقة حزبية، ولا يبدو أنها ستسمح بضرب الأحزاب التي ساهمت في قتل المتظاهرين".

إلى ذلك، لفت الباحث والمحلل السياسي عبد الله الركابي، إلى أن "عودة الاحتجاجات أمر متوقع لكن ليس في ذكرى الانتفاضة، بل في وقت لاحق، وتحديداً بعد إعلان نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة". وأشار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أهم الملفات التي يطالب بها المحتجون منذ عامين، هو الكشف عن قتلة المتظاهرين، لكن المليشيات والأحزاب لا تسمح للحكومة بفتح هذا الملف، كما أن القضاء متخاذل على الرغم من الضغوط الجماهيرية عليه، ولعل هذا الملف قد يؤدي إلى عودة الاحتجاجات خلال الفترات المقبلة، لأن القتلة لا يزالون طلقاء ويهددون النشطاء والعمل السياسي والحكومة والبعثات الأجنبية".

المساهمون