تبدلت أمور كثيرة، واختلطت العديد من الأوراق السياسية في واشنطن، منذ أن اقتحم أكثر من ألفي شخص من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، قبل عامين، مقر الكونغرس، للاعتراض على فوز جو بايدن بالرئاسة. ورغم عدم قدرة الديمقراطيين حتى اليوم على محاسبة ترامب بتهمة التحريض المباشر على الاقتحام، رغم محاولة إبقائهم الحدث "حيّاً"، إلا أن ذلك الحدث الدموي ترك أثره في نفوس الأميركيين، مع تراجع نفوذ ترامب في صناديق الاقتراع، وهو ما يعوّض للديمقراطيين فشلهم بتصفية الرئيس السابق سياسياً.
وإذا كانت هذه هي حصيلة عامين على الاقتحام، إلا أن ما لم يتبدل هو أن مشهد 6 يناير/كانون الثاني 2021 داخل مقر الكابيتول لا يزال قابلاً للاستعادة، بحسب شهادة من قلب شرطة الكابيتول، وذلك بغضّ النظر عن مدى استعداد الشرطة والاستخبارات الأميركية اليوم لمنعه أو صدّه.
تواصل وزارة العدل التحقيق في مسؤولية ترامب عن الاعتداء
وأصبحت ذكرى 6 يناير 2021، والتي راح ضحيتها 5 أشخاص قُتلوا حين هاجمت الغوغاء مقر الكابيتول، مع أكثر من 150 جريحاً من رجال الشرطة، أقلّ تأثيراً في المشهد العام الأميركي، بينما تتكاثر المشكلات اليومية في حياة الأميركيين. ورغم فشل الحزب الديمقراطي، حتى الآن، بمحاسبة ترامب، فإن الذكرى الثانية تشهد تراجعاً واضحاً لنفوذ الأخير، وانقساماً ملموساً داخل الحزب الجمهوري الذي لا يزال يعتبر أي تحقيق في الاقتحام مسيّساً.
بايدن يحيي ذكرى اقتحام الكونغرس
ويتحضر بايدن، اليوم الجمعة، لإحياء ذكرى اقتحام الكونغرس احتفالاً بـ"شجاعة ووطنية" أولئك الذين صدّوا الهجوم، بحسب البيت الأبيض. وسيشّكل الحدث فرصة للرئيس الأميركي للتكلم في الموضوع المحبذ لديه، وهو التحذير من المخاطر المحدقة بالديمقراطية الأميركية. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار، أول من أمس الأربعاء، إن الرئيس يريد "تكريم أولئك الذين ضحّوا بحياتهم وأظهروا أفضل صفاتهم لحماية ديمقراطيتنا".
ويأتي إحياء الذكرى الثانية لاقتحام الكونغرس فيما يتحضر كلّ من بايدن وترامب لخوض سباق الرئاسة في 2024. ولم يعلن بايدن بعد ترشحه رسمياً لولاية ثانية، لكن نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس، التي أجريت في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، منحته دفعاً للترشح مجدداً، بعدما بنى حملته، بمساعدة الرئيس الأسبق باراك أوباما، على التحشيد لصدّ الخطر الذي تواجهه الديمقراطية الأميركية، والذي يشكّله ترامب وأمثاله من اليمين المتطرف الأميركي. وقد تمكّن هذا الخطاب من الحدّ من "تسونامي" انتخابي كان قد وعد به الجمهوريون، فيما لم يتمكن ترامب من إيصال مرشحين دعمهم إلى الكونغرس.
ويأتي إحياء بايدن الذكرى الثانية للاقتحام، اليوم، مع إعادة الكونغرس في واشنطن، يوم الثلاثاء الماضي، فتح أبوابه للسيّاح، التي كانت لا تزال مقفلة منذ تفشي وباء كورونا. وفي اليوم ذاته، أصدر قائد شرطة الكابيتول السابق الذي كان على رأس عمله في وقت الاقتحام، ستيفن ساند، كتاباً له بعنوان "الشجاعة تحت النار"، والذي أبدى فيه قلقه من أن "كل ذلك من الممكن أن يحصل مرّة أخرى"، وإذا ما حصل "فقد يحتاج وقفه إلى أكثر من حواجز حديدية وخطّة شرطية ناجحة"، وهو ما تؤكد شرطة الكابيتول اليوم أنها قادرة عليه.
وحذّر ساند من أن "المجتمع الأميركي لا يزال منقسماً بشدة"، بعد عامين على اقتحام الكابيتول، داعياً السياسيين إلى إيجاد سبل جديدة للمصالحة.
شرطة الكابيتول والهجوم: فرص التكرار قائمة
ويجادل ساند في كتابه في أن صدّ هجوم مشابهٍ لهجوم 6 يناير قد يحتاج إلى أكثر من خطة، بعدما أقصي من منصبه إثر الهجوم، وسط انتقادات قوية لشرطة الكابيتول بأنها لم تكن محضّرة جيداً لهذا الحجم من الاحتجاج، رغم صدور إشارات تحذيرية سابقة بأن الاعتراض على خسارة ترامب قد يتحول إلى عنفي.
وألقى ساند باللوم بالتقصير، في كتابه، على ضعف التنسيق مع الاستخبارات، وعدم إرسال الحرس الوطني باكراً. لكن لجنة التحقيق النيابية في اقتحام الكونغرس، والتي أنشئت العام الماضي للتحقيق في الهجوم، وربما كان هدفها منذ اليوم الأول إدانة ترامب، لم تجد أدلّة على أن التأخير في إرسال الحرس الوطني كان متعمداً، وذلك بعدما أنهت عملها قبيل عيد الميلاد الماضي.
لا تزال الشرطة تسعى للتعرف على 350 مشتبهاً بهم في الهجوم
وفي مقابل كتاب ساند، أعلنت شرطة الكابيتول، عشية الذكرى الثانية، أنها أحدثت تغييرات عدة منذ يوم الهجوم، ومنها تعيين مدير جديد لاستخباراتها، وتمرير تشريع يمنح شرطة الكونغرس سلطة أكبر لإعلان حال الطوارئ وطلب الحرس الوطني. وأكد قائد شرطة الكابيتول طوم مانغر أن "الوضع اليوم أفضل بالتأكيد".
وفي مقابل العمل الشرطي لتحسين أداء وصلاحيات شرطة الكابيتول، لم تتمكن لجنة تحقيق نيابية، مؤلفة من 7 ديمقراطيين وجمهوريين اثنين وأقرّ تشكيلها في يوليو/تموز 2021، من "تصفية" ترامب سياسياً. وبعد أكثر من عام على بدئها عملها، اختتمت اللجنة التي شكّلتها رئيسة مجلس النواب السابق نانسي بيلوسي بمفردها، من دون استشارة الجمهوريين، عملها، بـ"توصيات" قد لا تجد طريقها للتنفيذ، رغم بقائها سيفاً مسلّطاً على رأس ترامب.
وأصدرت اللجنة تقريراً مؤلفاً من أكثر من 800 صفحة، ومئات الوثائق التي تضمنت مقابلات مع شهود، أوصت فيها بمنع ترامب من الترشح أو تسلّم أي منصب رسمي مجدداً، بعدما لم توفر شيئاً أو دليلاً أو إشارة لإلقاء اللوم عليه في الهجوم، كما لم توفر أي كلمة للتعبير عن إدانتها له بلعب دور مباشر في التحريض على الاقتحام، وقبل ذلك استغلاله سلطته في محاولة لقلب نتائج الانتخابات. وبحسب التقرير، فإن اللجنة بدت واثقة بأن ترامب "وحده" يتحمّل مسؤولية الهجوم.
وبينما أصبحت ملاحقة ترامب، اليوم، بهذه التهمة، في يد وزارة العدل، لا تبدو المهمة أسهل بالنسبة للقضاء، بعد عامين من هجوم الكابيتول، بالنسبة لبقية المتورطين، إذ لا تزال الشرطة الأميركية تبحث عن 350 متورطاً في الاقتحام، إضافة إلى مشتبه في وضعه قنابل يدوية الصنع على مقربة من مقر الكونغرس عشية الهجوم.
وأعلن وزير العدل ميريك غارلاند، الأربعاء، أن أكثر من 950 شخصاً أوقفوا على خلفية الهجوم خلال الأشهر الـ24 الأخيرة، حوكم أكثر من ثلثهم بتهم متنوعة تتراوح بين البسيطة مثل "اقتحام" الكونغرس، وصولاً إلى إثارة "الفتنة". وحُكم على 192 شخصاً بالسجن، وفق بيان منفصل للادعاء الفيدرالي في واشنطن، الذي يُشرف على تحقيق واسع النطاق. وأضاف غارلاند أن "عملنا لم ينته" و"نبقى مصمّمين على ملاحقة جميع أولئك المسؤولين عن الهجوم على ديمقراطيتنا".
ولا تزال الشرطة الفيدرالية تسعى للتعرف على 350 مشتبهاً بارتكابهم أعمال عنف في الكابيتول، بينهم 250 ضد شرطيين، وهي طلبت مجدداً مساعدة الرأي العام. من جهته، زاد مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" قيمة المكافأة 5 مرات، فارتفعت من مائة ألف إلى نصف مليون دولار، مقابل الحصول على أي معلومة تسمح بتوقيف الشخص الذي وضع قنبلتين يدويتي الصنع، مساء 5 يناير 2021، قرب مقرّي الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ولم تنفجر أي من القنبلتين، وقد يكون الهدف من وضعها آنذاك فقط إبعاد الشرطة عن الكابيتول قبيل الهجوم. وتُظهر مشاهد مصورة شخصاً يصعب التعرف عليه لأنه يعتمر قبعة ويضع قناعاً ونظارتين وقفازَين، وهو يضع القنبلتين. وفي الوقت الحالي، تتركز الملاحقات على الأشخاص الذين شاركوا بشكل مباشر في الهجوم، لكن وزارة العدل تحقق أيضاً في مسؤولية ترامب والمقربين منه عما حصل.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)