لا تزال تطورات الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني في إيران تلقي بظلالها على المشهد الإيراني الداخلي، فيما أضافت أيضا مادة جديدة إلى السجال مع الغرب المعبّر عن دعمه لهذه الاحتجاجات واستنكاره لسلوك السلطات تجاهها، وسط استمرار المفاوضات النووية المتعثرة، الأمر الذي دفع طهران إلى إطلاق تحذير ورسائل مبطنة من احتمال تأثير المواقف الغربية تجاه الاحتجاجات على المفاوضات.
ورغم التراجع الكبير للاحتجاجات في الشوارع، إلا أنها لم تنته بالكامل، وتسجل أحيانا تجمعات متفرقة محدودة في بعض المناطق، وصدرت اليوم الأربعاء تصريحات رسمية متعددة بشأنها.
وفي إشارة غير مباشرة إلى الاحتجاجات الأخيرة في بلاده، اتهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، اليوم الأربعاء، خلال جلسة حكومته، "الأعداء" بالسعي لـ"إثارة الفتنة في البلاد"، قائلا إن ذلك "ناتج من الشعور بالخطر من اقتدار وتقدم النظام".
وفي إطار السجال مع الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأميركية، أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، اليوم الأربعاء، أن "إيران ليست مكانا يتمكن فيه أحد من الانقلاب أو القيام بثورة ملونة"، مقللا من أهمية الاحتجاجات التي تشهدها إيران، وقال إنه "لا خبر مهما في إيران".
وجاءت تصريحات أمير عبد اللهيان في مقابلة مع الإذاعة الأميركية العامة، تعليقا على الاحتجاجات الواسعة على وفاة الشابة مهسا أميني في 16 من الشهر الجاري بعد أيام من احتجازها بتهمة عدم التقيد بقواعد الحجاب من قبل شرطة الآداب في طهران.
وأضاف أمير عبد اللهيان في المقابلة التي أجراها من نيويورك على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه "لا يوجد أي خبر مهم في إيران ولن يحدث تغيير النظام"، قائلا إن "هناك فرقا بين الاحتجاج والإخلال بالأمن والشغب".
وبشأن حادثة وفاة الشابة مهسا أميني التي تقول الشرطة إن وفاتها كانت بسبب الإصابة بنوبة قلبية خلال الاحتجاز وسط تشكيك المحتجين بهذه الرواية واتهام الشرطة بضربها، قال وزير الخارجية الإيراني "إننا كلنا متأسفون لما حصل مع السيدة مهسا أميني"، مشيرا إلى أن "مثل هذه الحوادث تحدث في جميع أنحاء العالم، منها عشرات الحالات سنويا في أميركا وبريطانيا وبقية الدول"، على حد قوله.
عبد اللهيان: "كلنا متأسفون لما حصل مع السيدة مهسا أميني"
وخاطب أمير عبد اللهيان الإدارة الأميركية التي عبرت خلال الأيام الأخيرة في مواقف متعددة عن دعم المحتجين الإيرانيين واستنكارها الشديد لسلوك السلطات تجاههم واتهامها بـ"القمع" والسعي لـ"إسكات الشارع"، قائلا: "إذا كانت أميركا تفكر حقا بالشعب الإيراني فيمكنها أن تنظر إلى هذا الواقع أن الآلاف من الأطفال الإيرانيين فقدوا أرواحهم بسبب العقوبات المفروضة".
وحاول وزير الخارجية الإيراني إرسال رسالة مبطنة إلى الإدارة الأميركية من احتمال تأثير موقفها بشأن الاحتجاجات على المفاوضات النووية المتعثرة الرامية لإحياء الاتفاق النووي، إذ قال أمير عبد اللهيان: "نصيحتي للمسؤولين الأميركيين أننا في حالة التفاوض وتبادل الرسائل للعودة إلى الاتفاق النووي. لن يتغير النظام في إيران ولا تتلاعبوا بمشاعر الشعب الإيراني".
وتحوّلت وفاة مهسا أميني (22 عاما)، التي أوقفتها شرطة الأخلاق في العاصمة الإيرانية طهران في الثالث عشر من الشهر الجاري، وهي قادمة من محافظة كردستان إلى طهران للسياحة برفقة أسرتها، إلى قضيّة رأي عام في إيران، وحاولت السلطات من خلال إطلاق تصريحات وتطمينات بإجراء تحقيقات "عادلة" بشأن حادثة وفاتها احتواء غضب الشارع والاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في 17 من الشهر الجاري على وفاة الشابة الإيرانية الكردية.
عائلة أميني تقدّم شكوى ضد عناصر الشرطة
وقدمت عائلة مهسا أميني، اليوم الأربعاء، شكوى ضد عناصر الشرطة الذين اعتقلوا ابنتها واقتادوها إلى مقر شرطة الآداب، وفق محامي العائلة صالح نيكبخت.
وقال نيكبخت، في تصريحات لوكالة "إيسنا" الإيرانية، إنه برفقة محام آخر يدعى علي رضائي تكفلا بالملف بتوكيل من أسرة مهسا أميني، قائلا إنهما رفعا اليوم دعوى قضائية إلى المحكمة الجنائية في طهران ضد عناصر بشرطة الآداب احتجزوا الشابة مهسا.
وأضاف المحامي أن والد وشقيق وخالة مهسا أميني حضروا أيضا إلى العدلية الجنائية وردوا على الأسئلة، مشيرا إلى أنه خلال الجلسة "طالبنا بإجراء تحقيقات لازمة ودقيقة حول طريقة اعتقال مهسا حتى نقلها إلى مستشفى كسرى والحصول على التسجيلات عن لحظات الاعتقال وإيقافها لدى شرطة الآداب".
وقال إن محقق المحكمة وعد بضم هيئة طبية تختارها العائلة إلى جانب لجنة أطباء الطب العدلي في التحقيقات التي تجري بشأن وفاة مهسا أميني.
والاحتجاجات ما زالت مستمرة على شكل تجمعات متفرقة محدودة على الرغم من تراجع زخمها بشكل لافت في الأيام الأخيرة بالمقارنة مع الأسبوع الماضي، على خلفية محاولات وإجراءات السلطات المكثفة لاحتوائها.
وشكلت النساء عصب هذه الاحتجاجات، فعبرت بعضهن عن احتجاجهن من خلال خلع الحجاب وحرق مناديل الرأس وقص شعورهن، مع الإعلان عن رفض "الحجاب الإلزامي".
تظاهرات في كلية الطب
واليوم الأربعاء، تداولت مواقع التواصل فيديوهات عن تجمع احتجاجي قيل إنه لطلبة كلية الطب بجامعة شيراز الطبية، رفع فيها الطلاب هتافات سياسية، أبرزها "امرأة حياة حرية" (الذي بات شعارا مشتركا بالاحتجاجات) و"الرجل والوطن والإعمار".
وتعالت خلال اليومين الأخيرين أصوات جامعية مطالبة بالإضراب احتجاجا على اعتقال طلاب ودعما للاحتجاجات.
إلى ذلك، صدرت اليوم الأربعاء، تصريحات عدة من المسؤولين القضائيين والعسكريين والبرلمانيين الإيرانيين تجاه الاحتجاجات الأخيرة، فقال قائد قوات "حرس محمد رسول الله" في طهران، المكلفة بتأمين أمن العاصمة، العميد حسن حسن زادة، إن 185 عنصرا من قوات "الباسيج" التابعة للحرس الثوري الإيراني أصيبوا بجروح خلال "أعمال الشغب" الأخيرة، مشيرا إلى أن خمسة منهم في العناية المركزة.
وأضاف حسن زادة أن "مثيري الشغب لم يحققوا نتيجة"، متهما إياهم بـ"استهداف الناس في الأزقة المظلمة بمسدسات ورمي الجثث في مكان آخر"، على حد قوله.
ولم تعلن السلطات الإيرانية بعد عن حصيلة القتلى والمعتقلين والمصابين، لكن التلفزيون الإيراني أعلن قبل أيام عن مقتل 41 شخصا بالاحتجاجات، كما أفادت وكالات أنباء شبه رسمية عن مقتل ما لا يقل عن 10 عناصر من قوات الأمن و"الباسيج"، فضلا عن إعلان السلطات المحلية في عدة محافظات عن اعتقال المئات من المحتجين بتهمة "إثارة الشغب".
ويقدر عدد المعتقلين حسب إعلانات منفصلة بعدة محافظات إيرانية بنحو ألفي شخص. وتشير أنباء غير رسمية إلى اعتقال ما يقارب 200 ناشط سياسي واجتماعي وإعلامي وطلابي خلال الاحتجاجات الأخيرة.
وكانت وكالات أنباء إيرانية قد أفادت، الليلة الماضية، باعتقال الأجهزة الأمنية الناشطة فائزة هاشمي رفسنجاني، ابنة الرئيس الإيراني الأسبق الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، المعروفة بانتقاداتها المتواصلة خلال السنوات الأخيرة ضد السلطات الإيرانية. وقالت وكالة "تسنيم" نقلا عن مصدر إن فائزة رفسنجاني اعتقلت شرقي طهران خلال تحريضها المواطنين على الاحتجاج.
واليوم الأربعاء، دعا النائب العام الإيراني محمد جعفر منتظري، في بلاغ عام موجه إلى النيابات بالمدن الإيرانية، إلى الإفراج عن "أولئك الذين ليس لهم سجل جنائي وتخلص لجنة الخبراء إلى عدم ضلوعهم بالاضطرابات وذلك بعد الإرشادات اللازمة"، مؤكدا استمرار احتجاز من قال إنهم اضطلعوا بقتل أو جرح قوات الأمن والمواطنين لتقديمهم إلى المحاكمة.
وعن الطلاب المعتقلين في عدة جامعات إيرانية، خاصة في طهران، دعا النائب العام الإيراني إلى اتخاذ القرار بشأنهم بتعاون مع أمن الجامعات ورؤسائها، مطالبا وفق ما أوردت وكالة "تسنيم" الإيرانية بـ"الإفراج بكفالة أو اعتقال مؤقت لطلبة الجامعات المعتقلين المشاركين في الاضطرابات والإخلال بالأمن العام سواء داخل الجامعات أو خارجها".
تقييد الإنترنت وحجب مواقع التواصل مستمر
يأتي ذلك فيما لا يزال تقييد الإنترنت وحجب مواقع التواصل مستمرا، حيث قال وزير الاتصالات الإيراني عيسى زارع، اليوم الأربعاء، على هامش اجتماع الحكومة الإيرانية، إن "تحديد الحجب الدائم أو المؤقت (لهذه الشبكات) أمر متروك للسلطات المعنية".
وقال زارع إن وزارته تسعى إلى "خلق فرص وطاقات بالمنصات الداخلية لمنع تضرر المشاغل"، متهما بعض تلك المواقع التواصلية بأنها لعبت "دورا تنظيميا في الاضطرابات"، وقال إن معظمها "أميركي".
وحسب آخر بيانات لمركز "إيسبا" الإيراني لقياس الأفكار، يستخدم 78.8 في المائة من سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة، مواقع التواصل الاجتماعي، فمنصة "واتساب" الأكثر شعبية في إيران حلت مكان "تليغرام" بـ71.1 في المائة، تليها "إنستغرام" بـ49.4 في المائة، و"تليغرام" بـ31.6 في المائة. وحسب مركز الإحصاء الإيراني، فإن هذ المنصات تشكل مصدر رزق لنحو 11 مليون إيراني، منهم 9 ملايين يمارسون العمل التجاري على منصة "إنستغرام"، أي نحو 83 في المائة.